في الواقع كنت لا أنظر إلا إليها
وكأني ولدت بين نجمة ونجمة أبحث في كل مرة عن مكان ولادتي بين اللآلئ المترامية على فضائها .
ولأن حينها لم تكن إنارة البيت إلا فنرى أنظف زجاجه ببقايا رماد وخرقة قبل أن يرخي الظلام أستاره كانت السماء ترزح بهن .
أبحث عن مسار القصة من أي نجمة ستبدأ وإلى أيها ستنتهي .
فكان الفناء مسرحا للأفلام والتخيلات معظمها آمال طفلة لم تتجاوز العاشرة تستدعي النوم في سكون موحش يمتزج أحيانا بصوت مبتور غير محدد معالمه قادم من الحظيرة التي لا تكاد تبعد أمتار ليكسر مسار القصة .
وحين انقشعت سحابة الأحلام عن عيني واشتد عودي عرفت أين ولدت.
لكن سمائي استمرت مدعاة لاستجلاب أحلامي. فنثرتها على ورق الجهاز اللوحي .
ولأن أحلام اليقظة منمقة وجميلة، كما يحب صاحبها كانت كذلك.
أميرة جميلة شعرها المنسدل على كتفيها ويترنح بقيته معقوفا ظفيرة طويلة تمشطها أختي التي تقسم كل جزء بالتساوي وستحبس نهايته بشريطة محروقة أطرافها حتى لا تنسل.
وستوصيني قائلة: لا تضيعي الشريط كعادتك.
ومن بين كل تلك النجوم جاءت مروة حاملة وردة حمراء مغلفة بورق بلاستيكي شفاف.
دغدغتني بقصتها بدون شعور،فقالت:
كان يومي عصيبا إذ تأخرت في النوم على الرغم من ضوضاء الشارع ورائحة التراب التي تتسلل إلى أنفي معلنة بزوغ الفجر وانسياب شعاع الشمس .
ذلك الشعاع الذي يمر على مكان نومي كأنه المنبه.
سمعت تباعا زمجرة المارة وصوت العربات التي تُجر وأبواق السيارات .
لم تكن أمي حاضرة جلست متكئة على الصفيح دون أن أضع ثقلي عليه والذي سيقضي لا محالة على بقيته المسنودة عنوة بالطابوق .
أخذت أغسل وجهي ثم رفعت الخرقة الملتحفة بها ووضعتها على حبل شد بيننا وبين الجيران.
سمعت صوت شادية وهي تناديني قائلة :
هذا الورد من أمك قالت نعطيه إياك، تعالي نسرح اليوم شفت سواح كثار عند السوق القديم .
ذهبت أنا وصديقتي نتسابق لبيع ورد الجوري كل في طريقه .
لا تتعجبي.
أردفت قائلة:
ليس هناك وقت للإفطار لأنه لا إفطار معظم الأيام.
غاية الفرحة عندما نبيع جميعها.
عملت مؤخرا على تزيينه وحفظه بورق بلاستيكي شفاف حتى يحافظ على طراوته وليظل فتيا لأطول فترة ممكنة.
جاءت الي وفمها مملوء بأحاديث الجذب الجميلة جمل أكتسبتها لا ريب حتى تستميل قلوب المارة.
حاولت ان لا أدير لها بالا ،فلا رغبة لمن يلف دكاكين السوق القديم وأزقته أعيته حمل الأكياس المتعددة إلى جانب الوقوف لساعات طويلة وذلك الصداع الذي ينهي مأساة المرور والوقوف من ازدحام المرتادين والبائعين وصخبهم
في أن يستمع لحاجة ولو كانت من فم طفلة.
بعد استرسالها ورغبتها الملحة في فرض نفسها بتقديم الورد والجمل المنمقة التي كانت تبثها.
سألتها.
هل تذهبين للمدرسة ؟
ابتهجت وكأن الطريق قد رصف لها تهيئة لبيع وردة إن لم يكن الورد كله.
ردت ببهجة تدفق على اثرها الدم في وجنتيها الشاحبتين
نعم نروح المدرسة ، كلنا.
وأشارت لصديقتها البعيدة التي تحاول كسب زبون آخر.
فاسترسلت وفي أي صف الآن؟.
قالت بلكنة ممزوجة بين العربية والفرنسية مفادها الصف الرابع.
كانت آلام ظهري وقدماي تراودني وكأنها توقع حضور وانصراف لدوام متناوب.
ولا طاقة لي حتى ببلع ريقي.
والفتاة تحاول استمالة عطفي للشراء.
تلك اللحظات التي كنت أصارع فيها الألم والراحة.
وحتى لا أضيع عليها زمنا هي بحاجة اليه للبحث عن مشتر آخر قلت لها لا.
لا أرغب.
ذهبت مروة وكلها مرح وكأني أعطيتها مبلغا نظير شرائي لوردها لكني لم أفعل.
انتابني شعور التأنيب الذي يلازمني مع كل حدث.
ما الذي كنت سأخسره إذا ما أعطيتها بشراء أو حتى بدون شراء.
قروش بسيطة ستفرحها.
مر شهر وأنا أصارع حاجة مروه في داخلي أراقب النجوم علني أراها.
سرى شهاب في تلك اللحظة تخيلتها وكأنها ذهبت لتبيع ورود أخرى تضاعف عددها وربما اشترت لحافا جديدا عوضا عن الخرقة البالية التي كانت تلتحفها.
** **
عائشة الفارسية - سلطنة عمان.