سهم بن ضاوي الدعجاني
عندما أصدرتُ كتابي الأول «الصالونات الأدبية في المملكة العربية السعودية « رصد وتوثيق - 2006م ، كان الهدف منه : تسجيل بعض الصور المشرقة في مشهدنا الثقافي المحلي ، وتوثيق لشيء من تاريخ الحركة الثقافية المحلية، ومحاولة شكر لأولئك المواطنين المخلصين لوطنهم و ثقافته الذين فتحوا أبوابهم و جعلوا من منازلهم مجالس علم و منارات ثقافة وساحات حوار، كما كنت أطمح أن يكون هذا الإصدار التوثيقي دليلا للشباب ومرشدا لهم لحضور تلك الصالونات لعلهم يجدون فيها فعلا ثقافيا و زادا فكريا يسهم في صناعة بيئة مدنية صالحة ووعي فكري لكثير من قضايا الوطن، الدكتور عبدالله الحيدري الباحث المعروف يصف تلك الصالونات الثقافية: « الصالونات أو المنتديات البيتية روافد مهمة لتحريك الساحة القافية .و تنشيط حركة الأدب . و تشكل مع المؤسسات الثقافية الرسمية معالم بارزة لصورة المشهد الثقافي في المملكة « ، وهنا أتذكر حديث الدكتور محمد المشوح صاحب الثلوثية المعروفة ، عندما اشتركت معه في ندوة « الصالونات الأدبية و دورها في دعم النشاط الثقافي « ضمن الأسبوع الثقافي الذي نظمته كلية اليمامة قبل أن تتحول إلى جامعة عام 1427هـ، عندما قال المشوح : « هذه المجالس مناخ مناسب لمناقشة القضايا المختلف فيها بطرح الرأي و الرأي المخالف ، عندما كسرت أحادية الرأي « ، كما أن الباحث المعروف الأستاذ محمد القشعمي يصف دور تلك الملتقيات الدورية بأنه حيوي في خلق التواصل و الحوار بين المهتمين فيما يستجد من موضوعات و أحداث سواء منها الثقافية أو السياسية والاقتصادية و غيرها وكتاب «الديوانيات» للكاتب المستشار عبدالعزيز بن سليمان الحسين المشرف العام على ديوانية آل حسين التاريخية بالرياض ، يقول : «مما دفعني إلى تأليف هذا الكتاب عن الديوانيات والصوالين الثقافية هو شغفي وحبي العظيم والكبير للعمل والاندماج في «ديوانية آل حسين التاريخية» ومتابعتي لعمل الديوانيات في منطقة الرياض، كونها تحظى بنصيب وافر من هذه المجالس والديوانيات؛ نظرًا لما تحتضنه من كنوز علمية وثقافية كبرى «، أما الدكتور عبدالله العساف فيقول عنها : «علمًا أن هذه الصالونات لم تقتصر على الرجال فقط، بل توجد صالونات نسائية في عدد من مناطق المملكة، وثقتها الأستاذة سارة بنت عبدالله الخزيم، صاحبة صالون سارة الثقافي، في كتابها الذي أهدتني نسخة منه وعنوانه: “إطلالة على بعض الصالونات الثقافيةلنسائية في الخليج”، وقد أرخت فيه للصالونات الثقافية النسائية في السعودية، و قبل سنوات أعلنت الأكاديمية، والكاتبة الدكتورة سهام العبودي عن تدشين صالونها الثقافي (صالون السِّهام الثقافي) بمدينة الرياض، الذي يهدف إلى تيسير التقاء المهتمات بالشأن الثقافي، وإلى تكريم الرائدات، والمبدعات، ورعاية المواهب الشابة، خاصة عندما أطلق الصالون أول أنشطته وهي مبادرة: (إصداري الأول) المخصَّصة للكاتبات السعوديَّات في مجال القصَّة القصيرة. مما جعل من « صالون السهام الثقافي « علامة بارزة في هذ الحراك وهنا يذكر الأستاذ بندر الصالح شيئا من تأريخ اثنينية والده الراحل الأستاذ عثمان الصالح المعروفة : «ترجع بدايات هذه الاثنينية إلى السبعينات من القرن الميلادي الماضي، حيث كان بعض الأدباء والمفكرين يلتقون من حين لآخر في منزل الوالد عثمان الصالح -رحمه الله- يتطارحون الرأي في شؤون الفكر والأدب والثقافة إلا أن تلك اللقاءات قد ازداد حضورها وأصبحت شبه منتظمة وبدأ التفكير بإنشاء اثنينية الشيخ عثمان الصالح بعد وفاة الشيخ عبدالعزيز الرفاعي عام 1414هـ/1993م، وتوقف ندوته المعروفة التي كانت تعقد كل خميس، إذ تركت وفاته وندوته فراغًا ثقافيًا وأدبيًا كبيرًا، فكان أن توافد بعض المثقفين والأدباء في مدينة الرياض على منزل الشيخ عثمان الصالح ورغب الوالد عثمان -رحمه الله- أن يستأنس برأي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله - عندما كان أمير منطقة الرياض في أن تكون هذه اللقاءات بصورة منتظمة ومستمرة كل يوم الاثنين موعداً لهذه اللقاءات فأجاب خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- بمباركة هذه الخطوة ومما جاء في خطاب سموه الكريم بقوله: «تلقيت كتابكم المؤرّخ في 27 / 9 / 1414هـ الذي تشيرون فيه إلى أنكم كنتم ممن يرتاد ندوة الأستاذ عبدالعزيز الرفاعي -رحمه الله - مع بعض الأدباء والشعراء وبعد وفاته تأصلت تلك اللقاءات في زيارات يقومون بها لكم كل يوم اثنين ليلة ثلاثاء، وتطلبون رأينا لو تكررت هذه الزيارات منهم لكم ونحيط سعادتكم أنكم محل ثقة الجميع وأنتم من خيرة من يثنى ذلك لما لكم من جهود معروفه ولما تتمتعون به من اخلاص وإدراك للأمور»، كما يقول الدكتور حسن حجاب الحازمي عضو مجلس الشورى : « لذلك نشأت المجالس والصالونات الثقافية في كل مناطق المملكة خلال هذا العهد الزاهر وتنامى عددها ، وتنوعت اهتماماتها ،كان للأدب والنقد النصيب الأوفر في هذه المجالس و الصالونات ، والدكتور عبيد العبدلي مؤسس أحدية العبدلي المختصة بالتسويق بالرياض التي تأسست عام 1992م ، وأصبحت معلما من معالم مدينة الرياض ، كما يصف الدكتور سليمان بن عبدالرحمن الذييب : أما إثنينية الذييب التي يقف خلفها الأخ الفاضل « حمود بن عبدالله الذييب « فقد بدأت فعالياتها في العام 2012م ، حرصا، فيما أظن منه على نشر الوعي الثقافي والمعرفي في مجالات عدة «
والدكتورة أمل التميمي تصف مجالس الثّقافة في الأسرة الملكية السعودية من خلال حديثها عن مجلس الأميرة (نورة بنت محمد) حرم صاحب السمو الملكي أمير منطقة الرياض فيصل بن بندر، فتقول:» منذ تأسيس دولة (آل سعود) تاريخيا في كل عصر توجد (نورة) لها دور بارز في الثقافة ووقف الكتب وبـ (نورة) ينتخي بها (آل سعود)، و(نورة بنت محمد) ورثت من كل (نورة) مجمل مزايا الأميرات الاستثنائيات وأدوارهن في بناء الثقافة السعودية.. ولكنها تتميز بمجلس خاص في قصرها تستضيف فيه أهل النخبة في كل مجالات الحياة لتستمع إليهن ويتناقشن ويتحاورن أصحاب التّخصص الواحد ويخرجن من هذه اللقاءات بمعارف وعلاقات وتواصل إنساني. «
الجيل الجديد من الديوانيات.
تعيش مدينة الرياض وغيرها من مدن و محافظات المملكة وهجاً ثقافيا طوال العام؛ لما تزخر به من المجالس والندوات الأسبوعية أو الشهرية أو الدورية التي تمزج بين الثقافة والأدب والفكر والاقتصاد ، وتتوزع تلك المجالس على اختلاف أسمائها ومجالاتها في أحياء العاصمة المتناثرة شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً في بيوتات المثقفين ورجال الأعمال والفكر والتعليم والتربية ، ويطلق على كل مجلس من تلك المجالس مسمى: صالون أو منتدى أو ديوانية، ويمكن أن تنسب إلى يومها الذي تعقد فيه فيقال: سبتية وأحدية واثنينية وثلوثية وأربعائية وخميسية .
برنامج « الشريك الأدبي « تحت مظلة هيئة الأدب والنشر والترجمة، ساهمت في ولادة جيل جديد من الديوانيات الأدبية التي أصبحت تقود الحراك الثقافي في الشارع السعودي من خلال استضافة المقاهي لعدد كبير من الاكاديميين والشعراء والنقاد و الكتاب وعاضدها في ذلك شريحة جديدة من الديوانيات الأدبية الرقمية التي تمارس حضورا نوعيا ومختلفا من خلال الفضاء الرقمي..
في البدء كان الاعلان
عندما أعلن رئيس الهيئة العامة للترفيه، تركي آل الشيخ في 8 سمبتمبر 2024 م الماضي عن إطلاق « ديوانية القلم الذهبي « ، بصفتها حاضنة فكرية تجمع الأدباء على مدار الساعة، و لتصبح مقرا دائما لاجتماع الأدباء من مختلف أنحاء العالم في مكان واحد ، وتصبح نقطة سعودية و بصمة فكرية في عالمنا العربي ، ووصفها في ديسمبر : « هدية موسم الرياض لكل المثقفين و الادباء و المبدعين السعوديين وضيوفهم الكرام .. خير جليس في الزمان كتاب « ، بعد هذا الإعلان دخلت « الديوانيات الثقافية « عصرها الذهبي في عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز – أيده الله – الذي يرى أن الاستثمار في الإنسان و تنمية ثقافته و اعتزازه بهويته هو نهجه الدائم ، و بدعم ومتابعة من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عرّاب الرؤية الذي نشأ و تربى في مجالس الملك سلمان تلك المجالس التي يبرز فيها صوت العقل والفكر والثقافة عبر الحوارات و اللقاءات بالمثقفين و المفكرين و الأدباء من مختلف أرجاء العالم .
منعطف ثقافي تأريخي
• الدكتور سعد البازعي رئيس جائزة القلم الذهبي: « .. الديوانية التي وعد بها معالي المستشار تركي آل الشيخ بإنجازها وأنجزها فعلا لتكون بإذن الله دعما للحياة الأدبية، منصة للإبداع، و ملتقى للأدباء»
• الأستاذ عبد الله بن بخيت نائب رئيس الجائزة: «.. سوف نلتقي فيه. نتطارح الأفكار ونستمع لجماليات قصائد شعرائنا وقراءات نقدية وإبداعية «
رؤية تطويرية
من خلال مشاهدتي للمقطع المصور المنشور عن مبنى» ديوانية القلم الذهبي « بحي السفارات وجدته يؤسس لمرحلة مهمة من علاقة المشهد الثقافي بالديوانيات الثقافية، فكل زاوية في المبنى بل كل ركن فيه يوحي بقصة حرف و حكاية كلمة و مسرحية موقف، مما جعل من المبنى، مصدر اشعاع ثقافي سعودي أصيل، ولكي تكتمل هذه اللوحة الجمالية ولتتعانق كل ألوان الثقافة و الفكر في هذا المبنى الذي سيحتضن « الثقافة السعودية «من خلال هذه الديوانية الحلم، و لكي يكتمل معمار هذه الديوانية حسا و معنى أقترح الآتي :
1. تخصيص «ردهة» في مدخل ديوانية القلم الذهبي، لتضم « متحف « مختص قي تأريخ ونشأة الديوانيات الأدبية في المملكة .
2. العمل على تخصيص مكتبة متعددة الأغراض تضم المحتوى المنشور من قبل أصحاب الديوانيات، بالإضافة إلى الكتب والأبحاث الأكاديمية التي نشرت في هذا المجال .
3. اصدار دليل شامل عن الديوانيات في المملكة ، لرسم « جغرافيا « وتضاريس تلك الديوانيات لجيل شباب وشابات الوطن .
4. تزيين جنبات ديوانية القلم الذهبي بصور رواد الديوانيات في المملكة .
5. إنشاء قاعدة معلومات شاملة (رقمية) عن الديوانيات الأدبية في المملكة .
6. رصد المنجز الثقافي والفكري لتلك الديوانيات، وإتاحته للدراسة والتفاعل من قبل مراكز البحث المختصة، لدراسة التحولات الحضارية في مجتمعنا السعودي .