من هم مُراجعو المحتوى الحساس؟ وما هي وظيفتهم؟ وهل هم فعلاً يمثّلون aمقص رقيب جديدًا؟ وهل يتقاضون أجورًا في مقابل ما يقومون به؟
هم أشخاص يقرؤون أعمالاً أدبية (قبل نشرها) باحثين فيها عن محتوى هجومي أو مُسيء أو أفكار نمطية أو تحيز ضد أشخاص أو جهات، ثم يكتبون للمؤلف حولها مع تغييرات مقترحة بشأنها تجنبه أي مشكلات مستقبلية. وقد تكون هذه الأعمال مواد أدبية غير منشورة، روايات أو كتبًا عامة أو مقالات أو قصصًا قصيرة. ويتقاضى هؤلاء المُراجعون مبالغ مقابل أعمالهم هذه، كما أن هناك مواقع متخصصة تقوم بمثل هذه الأمور، وتنشر فيها أسعار خدماتها تلك.
ويُعد مُراجع المحتوى الحساس (sensitivity reader) من الأعمال الحرة التي يعمل بها البعض ويحتاج إليها الكتّاب لتجنب أي أخطاء أو تجاوزات يمكن أن يقعوا بها في كتاباتهم. وعندما بحثت في بعض المواقع العالمية للعمل الحر وجدت وظائف شاغرة ومطلوبة في هذا الجانب، كما وجدت كتّابًا يبحثون عمن يقوم لهم بهذا الأمر.
وممن يحاول هؤلاء المراجعون تجنب الإساءة إليهم أو حتى جرحهم من خلال الأعمال الأدبية الأقليات الدينية أو العرقية أو الجنسية أو المهمشون في كل بلد. ومن الموضوعات التي قد تسبب إحراجًا أو إساءة للبعض الكتابة حول اضطرابات الأكل، أو اضطرابات قلق ما بعد الصدمة، أو الأمراض العقلية، أو التحول الجنسي الجندري، أو حتى الأمراض المزمنة. فحين يقوم كاتبٌ بالإشارة إلى هؤلاء بسوء، ولو من طرف خفي، فإنه قد يتسبب لهم بدرجة من النبذ الاجتماعي أو نوع من التحريض المؤدي إلى الأذى، وهو ما قد يستتبع نقد أعمالهم أو حتى مساءلات قانونية. فحتى استخدام كلمة سمين مثلًا يمكن عدّها مسيئة في الكتابات الأدبية في بعض الدول والمجتمعات، وكذلك الأمر مع التعرض للنباتيين أو الممتنعين عن بعض أنواع الأطعمة. وهنا يأتي دور (مراجع المحتوى الحساس) الذي يقوم بتشذيب العبارات الواردة في المواد المكتوبة حتى إزالتها أو التخفيف من حدتها، وذلك للحد من آثار سلبية قد تلحق ببعض فئات المجتمع، كما تجنب الكتّاب أي تبعات قانونية أو اجتماعية يمكن أن تلحق بهم مستقبلاً نتيجة كتاباتهم.
ومن أجل عمل أكثر دقة وحرفية فإن بعض الكتّاب يستعينون بشخصيات متحدرة من بعض الأقليات أو الجهات التي عادة ما تكون عرضة للإساءة لكي يكونوا هم (مُراجع المحتوى الحساس)، حينما تتناول كتبهم جوانب تخص هذه الأقليات، حيث يقومون بالتأكد من أن العبارات في هذه الكتب لا تتضمن تمييزًا أو إهانة لهذه الأقليات الدينية أو العرقية أو اللغوية أو الجنسية. وتزداد الحاجة إلى هؤلاء المراجعين حين يتطرق الكاتب لأمور خارج نطاق تخصصه أو معرفته، ويخشى من الوقوع في أخطاء أو منزلقات اجتماعية أو قانونية.
ولأن عمل (مراجع المحتوى الحساس) قد يأخذ وقتًا طويلا لتنفيذه فإن بعض الكتاب يطلبون منهم أن يبدؤوا بعملهم مبكرًا حتى قبل أن يتموا (أي الكتّاب) المادة؛ حتى لا يضطروا إلى الانتظار طويلاً قبل طباعة العمل.
وقد تباينت الآراء عالميًّا حول هذا النوع من العمل، فبينما يعده البعض نوعًا من الرقابة الإضافية على الكتّاب، مشبهين إياه بما يسمى (حراسة الفضيلة)، يقول المؤيدون له إنه يساهم في تحسين الأعمال الأدبية وإزالة ما قد يشوبها على نحو ما من عبارات وجوانب عنصرية أو متحيزة. ومما يقوي من موقف المؤيدين أن هؤلاء المراجعين يقدمون مقترحات اختيارية فحسب، ولا يقومون (ولا يستطيعون) فرضها على الكتّاب. فهم يكتفون بتوضيح المشكلة المحتملة لهم ويقترحون بدائل لعبارات وجمل معينة ويبقى للكتّاب حرية قبولها أو رفضها.
وبينما تجد هذه الوظيفة قبولًا في بعض الدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، لا تلاقي ذات القبول في فرنسا مثلاً.
ويتجاوز دور (مراجع المحتوى الحساس) الكتب المُعدّة للطباعة إلى الكتب التي سبق أن طبعت منذ عشرات السنوات، والتي يتضمن بعضها عبارات متحيزة أو مسيئة لأفراد أو جهات لم يكن الكتّاب يولونها اهتمامًا كافيًا أو لم يكن هناك اهتمام كاف بها عالميًّا حين كتابتها، لكنها اليوم قد تثير بعض الأجواء السلبية حين إعادة طباعتها.
وحتى بعض الأفلام التي تتضمن هذه الجوانب السلبية هناك من يفكر إما في إعادة تصوير بعضها ثانية بعد إزالة ما فيها من شوائب، أو الاكتفاء بتقطيع بعض أجزائها التي تتضمن إساءات لأي طرف. وفي عام 2020 قامت شركة ديزني بإضافة جملة في بداية بعض أفلامها القديمة ذكرت فيها أن هذه الأفلام أنتجت قبل مدة، حتى يتفهم مشاهدوها ورود بعض اللقطات أو التعابير غير الملائمة للوقت الذي تشاهد فيه. وهناك في الغرب من يقترح فعل ذلك في الكتب أيضًا إن لم تغير بعض عباراتها.
أما معارضو هذه النقطة فإنهم يقولون إن الكتب القديمة كُتبت لجمهور معين في زمن معين، وإنه من الأفضل عدم تغييرها حتى يعرف الناس أنه قد حصل بالفعل تغير في اللغة التي يكتب بها الناس، وهو نتيجة للتغير والتطور الذي حصل في المجتمعات منذ ذلك الوقت حتى الآن.
ولا يمكن عد هذا العمل هو ذاته ما يقوم به المصححون الذين يهتمون فقط بجودة الكتابة مع تصحيح الأخطاء الإملائية والنحوية، وربما بعض التركيبات والتعابير اللغوية، إذ إن هؤلاء المراجعين يهتمون بما هو وراء ذلك من أمور تتعلق بمضامين هذه الكتب مما ذكرنا.
** **
- يوسف أحمد الحسن
X: @yousefalhasan