خالد محمد الدوس
نوافذ من علم الاجتماع الثقافي زاوية نسلط الضوء فيها على العديد من المفاهيم والموضوعات والنظريات المرتبطة بهذا العلم الفتي، الذي يدرس أثر الثقافة على الحياة الاجتماعية كحقل خصب يتفاعل مع التحولات الثقافية والتغيرات الاجتماعية والتحديات العولمية التي يشهدها عالمنا المعاصر.
نتناول اليوم موضوع «الفجوة الثقافية» وهي من الموضوعات المهمة في ميدان علم الاجتماع الثقافي.. التي تشير إلى الفارق أو التباين في القيم والمعتقدات والتقاليد والسلوكيات والتصورات بين مجموعات ثقافية مختلفة داخل المجتمع أو بين مجتمعات مختلفة.
وبالطبع حاول بعض علماء الاجتماع الربط بين التغير الاجتماعي والفجوة الثقافية، وأشاروا إلى أن اختلاف معدل التغير بالنسبة لأجزاء معينة مختلفة من المجتمع هو السبب في حدوث الفجوة الثقافية.
بينما يقصد بالفجوة الثقافية - وبحسب علم الاجتماع الثقافي - بأنها «الاحتفاظ بالتقاليد والعادات والتقنيات على الرغم من قدمها أو عدم ارتباطها بمجموعة المعايير الجديدة للثقافة المسيطرة».
كما عرفت أيضاً بأنها «مفهوم عام يشمل مختلف الفروق بين مجموعات من البشر بحسب العرق والدين واللغة والظروف الاقتصادية والطبقة الاجتماعية والجنس والمنطقة السكنية والعمر والإعاقة في مقابل السواء».
يرى خبراء علم الاجتماع الثقافي أن الفجوة الثقافية تحدث عندما يحدث اختلال في توازن سرعة النمو بين مكونات الثقافة، مما يؤدي إلى تغير أحد العناصر بسرعة أكبر من الآخر. في هذه الحالة قد يتطور عنصر معين بسرعة بينما يبقى العنصر الآخر ثابتاً أو يتطور ببطء.
بينما تشير بعض الدراسات الاجتماعية إلى أن نشأة الفجوة الثقافية بين أفراد المجتمع الواحد ترتبط غالبًا بكيفية انتقال القيم الثقافية من الأجيال السابقة إلى الأجيال اللاحقة، حيث يتم نقل الثقافة من الجيل السابق إلى الجيل الجديد عبر عملية التنشئة الاجتماعية.
وقد تؤثر بعض العوامل، مثل التغير الاجتماعي السريع، والأحداث السياسية والاجتماعية الكبرى، وتأثير وسائل الإعلام وتكنولوجيا المعلومات، بشكل كبير على هذه العملية، مما يؤدي إلى عدم نقل النسق الثقافي بشكل كامل ودقيق من الجيل الأكبر إلى الجيل الأصغر. ونتيجة لذلك تظهر اختلافات في القيم والأفكار والتوجهات والمعايير وأنماط السلوك بين الأجيال المختلفة، مما يؤدي إلى نشوء (الفجوة الثقافية).. كما ترتبط الفجوة بين الأجيال بأنماط من عدم المساواة والصراعات داخل المجتمعات، كما هو الحال في الطبقات الاجتماعية، توجد أجيال مختلفة تحمل مصالح متعارضة، وتدور بينها صراعات تعود جذورها إلى عدم المساواة في السلطة والثروة التي يهيمن عليها الجيل الأكبر سناً.
وبالطبع فإن للفجوة الثقافية خصائص نذكر منها على سبيل المثال:
- التنوع: تعتبر الفجوة الثقافية ظاهرة غير محدودة، حيث يتواجد على مستويات متعددة. يتشارك البشر في مختلف البلدان في بعض الثوابت الأساسية والضرورية، مثل الحاجة إلى الطعام والماء، إلا أن القيم والسلوكيات ووجهات النظر تجاه هذه الثوابت تختلف من ثقافة إلى أخرى..!
- التغيير: تعتبر الفجوة الثقافية ظاهرة غير ثابتة، حيث تتطور الثقافة مع مرور الزمن، فهي تتمتع بطبيعة ديناميكية نسبية. يحدث هذا التغيير نتيجة لعوامل داخلية أو خارجية.. يمكن اعتبار الثقافة نتاجًا هائلًا من التجارب التي تراكمت على مر العصور، وتلعب كل تجربة أو فكرة جديدة دورًا في تشكيل الثقافة وإحداث التغيير.
- التأثير المتبادل: تتفاعل الثقافات فيما بينها بطرق متنوعة، حيث يمكن أن يكون التأثير عاطفياً أو سلوكياً أو معرفياً.. بشكل عام تسعى جميع الثقافات إلى اكتساب وتكييف عناصر جديدة من الثقافات الأخرى. وقد ساهمت التطورات الكبيرة في وسائل النقل وتكنولوجيا الاتصال في تعزيز هذه الظاهرة في واقعنا المعاصر.. ولعل سد الفجوة الثقافية بين الانسان والآخر وحتى في المدينة الواحدة ذات الدين والتراث والعمل على ردم الفروق بين البشر، من أصعب المهمات التي تقود أي مجتمع من أسر الماضي إلى آفاق العلوم ومكاسب التقنيات الحديثة.
الخلاصة أن الفجوة الثقافية تشير إلى مستوى الاختلاف بين ثقافات سواء على مستوى المجتمع الواحد، أو بين المجتمعات المختلفة، أو على المستوى العالمي وتتضمن الفجوة الثقافية الاختلاف في العقيدة والفكر والمعرفة والتكنولوجيا، وغيرها، وأن السبب وراء الفجوة الثقافية هو عدم سير جميع افراد المجتمع أو المجتمعات والدول على نفس مستوى النمو، فهناك دول تخطو خطى سريعة نحو التقدم، وهناك دول أخرى مازالت تنمو ببطء..!! كما أن الفجوة الثقافية تحدث في المجتمع الواحد نتيجة اختلاف النضج الفكري والبناء القيمي بين الأجيال, أو تأثير مظاهر العولمة التي تؤدي إلى انتشار التكنولوجيا والمنتجات العالمية والعناصر الثقافية المستوردة؛ مما قد تؤثر على العادات والتقاليد المحلية وتهدد بالتالي القيم والمعايير السائدة في المجتمع المعاصر.