الثقافية - علي القحطاني:
تستضيف «الجزيرة الثقافية» في هذا العدد إمام وخطيب المركز الثقافي الإسلامي بمدينة درانسي شمال باريس بفرنسا نورالدين محمد ليتحدث لـ»الثقافية» عن رؤيته للثقافة الفرنسية وعن التعددية في المجتمع الفرنسي ليلقي الضوء على تجربته الثرية خلال دراسته في المملكة العربية السعودية وتأثير هذه المرحلة على مسيرته الثقافية والعلمية، إلى جانب تطرقه للغة العربية ومكانتها عالميًا وتأثير الثقافة العربية في المجتمع الفرنسي.
جهود المملكة
* كيف ترى تأثير جهود المملكة العربية السعودية في تعزيز وحدة العمل الإسلامي العالمي، ودورها في توجيه المسلمين نحو النهج المستقيم في مواجهة التحديات الراهنة؟
إن جهود المملكة العربية السعودية لها أثرٌ واضحٌ في تعزيز وحدة العمل الإسلامي العالمي؛ مما عزز مكانة المملكة كقائدة للعالم الإسلامي، وتجلى ذلك بوضوح في هذا العهد الميمون عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله-.
الذكريات
* ما هي أبرز ذكرياتكم خلال فترة دراستكم في المملكة العربية السعودية؟ وكيف انعكس تفاعلكم مع الأدب والثقافة السعودية آنذاك؟
قضيت عشر سنوات في رحاب المملكة العربية السعودية من عام 1402هـ حتى العام 1412هـ، حيث أتممت جميع مراحل الدراسة فيها حتى حصلت على شهادتي من كلية اللغة العربية. كانت تلك السنوات مليئة بالذكريات العظيمة التي أعتز بها، وأشعر بالفخر بأنني كنت في مدينة رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، تلك المدينة العظيمة التي تحتضن المسجد النبوي الشريف، والتي هاجر إليها النبي -صلى الله عليه وسلم-، فكانت القلوب دائماً تشتاق إليها.
من أجمل الذكريات أن الحافلات الخاصة بالطلاب كانت تأخذنا بعد صلاة العصر من الجامعة إلى المسجد النبوي، حيث نبقى هناك حتى أداء صلاة العشاء، ثم نعود إلى الجامعة، كما كنت أشارك أحيانًا في حضور المحاضرات الأسبوعية التي تقام في القاعة المركزية الكبرى، والتي يقدمها عدد من العلماء من داخل المملكة وخارجها، مما أثرى معارفي وزاد من شغفي بالعلم.
إلى جانب الدراسة، كنت أشارك في أنشطة ثقافية خارج الجامعة، مثل حضور الفعاليات الأدبية، حيث كانت تُقام المحاضرات والندوات الثقافية الأسبوعية، إلى جانب الرحلات إلى خارج المدينة المنورة خلال الإجازات، مثل الرحلات إلى ينبع البحر أو مكة المكرمة، وكانت تلك الرحلات تتخللها مسابقات ثقافية وترفيهية.
التفاعل والتأثير
* ما مدى تأثير دراستكم في بالمملكة العربية السعودية وتفاعلكم مع الأساتذة الجامعيين السعوديين على مسيرتكم الثقافية والعلمية؟
إن دراستي في بالمملكة العربية السعودية تُعد أفضل أمنية تحققت في حياتي، فقد وفرت المملكة، منذ عهد الملك عبد العزيز -رحمه الله- وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله- بيئة حاضنة لنشر العلم والمعرفة بين أبناء المسلمين، ففتحت الجامعات أبوابها لاستقبال الطلاب من مختلف أنحاء العالم، مانحةً لهم الفرصة للدراسة مجانًا، ليعودوا إلى بلدانهم دعاةً للسلام والاستقرار، وقد وحققت هذه السياسة المباركة أهدافها، حيث لا تكاد تخلو دولة في العالم من داعية إسلامي درس في المملكة، بل إن بعضهم أصبحوا رؤساء دول، وزراء، سفراء، مديرين، وقضاة يمثلون الإسلام في بلدانهم.
وكان احتكاكي بالأساتذة الجامعيين السعوديين جزءًا مهمًا من مسيرتي الثقافية والعلمية، وهو ما ساهم في وصولي إلى المكانة التي أشغلها اليوم كإمام ومرشد للمسلمين في المركز الثقافي الإسلامي بمدينة درانسي، شمال باريس، في فرنسا، وكان ينظر إلينا هؤلاء الأساتذة بعين الأبوة في التوجيه والإرشاد، فكان لها أثر بالغ في تكويني العلمي والثقافي، وأدين لهم بالكثير مما وصلت إليه اليوم.
القراء الفرنسيون
* هل يظهر القراء الفرنسيون اهتمامًا فعليًا بالأدب والثقافة العربية والصحف الصادرة باللغة العربية؟
يمكننا القول إن المجتمع الفرنسي يتميز بحبه للثقافة بوجه عام، وعندما نتحدث عن اهتمامه بالثقافة العربية نجد أ ن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد أكد ذلك في عام 2017م، عندما صرّح قائلًا: «لا توجد ثقافة فرنسية، بل توجد ثقافة في فرنسا، فهي متنوعة ومتعددة».
بعبارته هذه، أراد أن يشير إلى أن الجاليات المتنوعة التي تعيش في فرنسا تُشكل فسيفساء الثقافة الفرنسية بتعدد روافدها ومشاربها. ويتجلى التفاعل الواضح من القراء الفرنسيين مع الثقافة العربية في عدة مظاهر، أبرزها:
• تأسيس معهد العالم العربي في باريس، الذي يُعنى بالتعريف بالثقافة العربية وتعزيز التفاهم المتبادل.
• انتشار الصحف العربية في الأسواق والمحال التجارية، مما يعكس الاهتمام بالقراءة باللغة العربية.
• اعتماد اللغة العربية كلغة أكاديمية في فرنسا، وهي خطوة تثبت مكانتها كجزء من التنوع الثقافي الغني في البلاد.
تلك المظاهر تؤكد انفتاح فرنسا على الثقافات المختلفة، واحتضانها للتنوع الثقافي الذي يمثل جزءًا جوهريًا من هويتها.
اليوم العالمي للغة العربية
* حدثنا عن مكانة اللغة العربية عالميًا؟
اللغة العربية لغة عظيمة، اختارها الله تعالى ليُنزل بها القرآن الكريم، مما أكسبها مكانة سامية لدى الأمة الإسلامية، ولإدراك معاني القرآن وفهمه، لا بد من تعلم اللغة العربية، ولهذا السبب استحقت هذه اللغة مكانة عظيمة في التاريخ والثقافة.
تعد اللغة العربية من اللغات العالمية ذات الأهمية الثقافية الكبيرة، إذ يتجاوز عدد الناطقين بها 450 مليون شخص، وهي لغة رسمية في حوالي 25 دولة.
وعندما نسعى إلى الحفاظ على هويتنا الإسلامية، نجد أن المحافظة على اللغة العربية والدعوة إلى تعلمها ونشرها تُعد من أبرز وسائل خدمة الإسلام والمسلمين.
فهي لغة يتحدث بها جزء كبير من سكان العالم اليوم، وهي وعاء الحضارة الإسلامية ورمز هويتنا الثقافية.
** **
@ali_s_alq