أ.د.صالح معيض الغامدي
الصلات بين السيرة الذاتية والسيرة الغيرية صلات متجذرة على المستويين الإبداعي والنقدي، فهما مهتمتان بسرد قصة حياة الإنسان على هذا الكوكب، منذ الولادة إلى الممات في السيرة الغيرية، ومنذ الطفولة المبكرة إلى الشيخوخة في السيرة الذاتية. وتتخذ هذه العلاقة أشكالاً مختلفة، سبق أن أشرت إلى بعضها في بعض مقالاتي السابقة عن السيرة الذاتية، وقد اطلعت مؤخراً على سيرتين سعودتين تمزجان الذاتي بالموضوعي أو السيرة الغيرية بالسيرة الذاتية، بطريقتين طريفتين مختلفتين. السيرة الأولى هي كتاب «البحث في زمن مضى: لمحات من سيرة أبي وسيرتي في التعليم» لمحمد بن عبد الرحمن القويز، والثانية هي كتاب» والدي.. وأنا..: سيرة لم ترو» لعبد الله بن محمد المطوع. فالسيرتان كما هو واضح من عنوانيهما ترويان بعضا من سيرتي والدي الكاتبين الغيرية وترويان كذلك شيئا من سيرتي كاتبيهما الذاتيتين، مع ملاحظة أن القويز يخصص جل السيرة لنفسه، أي أنه يغلب الجزء الذاتي أو الشخصي على الغيري (سيرة والده)، ولو أن الفصل الحاد بينهما يصعب تبينه في بعض المواطن. أما المطوع فقد غلّب سرد سيرة والده الغيرية على سيرته الذاتية، فقد خصص الفصل التمهيدي لأسرته ولمنطقة القصيم، وخصص الفصل الأول الذي يشكل جل الكتاب (من ص ص 65-219) لسيرة والده، واكتفى هو بتخصيص فصل ثان قصير (ص ص 219-235) لسيرة الذاتية.
ومن اللافت للانتباه أن شخصية الأب هي التي تشكل قطب الرحى في هاتين السيرتين المختلطتين، وأن الفصل بين الابن كاتب السيرة وأبيه موضوع السيرة، يبدو أمراً صعباً في كثير من الأحيان، فكثيراً ما يسهم أحدهما في تشكيل شخصية الآخر. ولذلك نجد أن القويز يصرح في المقدمة بأن سيرته «تغطي فترة التقاطع في حياتنا وتقدم نبذة مختصرة عن المحطات الرئيسة التي توقفت فيها في مقتبل العمر والسنوات القليلة التي جمعتنا من جديد قبل وفاته…» ويقول إنه في الجزء الأول من الكتاب يحاول أن يستعيد فيه « مراحل حياة الأسرة التي عايشتها وأن أسجل ما أدركته من سيرة والدي، لاسيما ما يتصل فيها بعلاقته بأبنائه، ولدوره في وضعي على المسار الذي. سلكته».
أما المطوع فيقول إن كتابه «يحكي بعضا من قصص والدي جزاه الله خير الجزاء وجانبا من سيرته وحياته، وأتبعت ذلك بجوانب عن سيرتي الشخصية القاصرة في هذه الحياة الدنيا».
والحقيقة أن موضوع دراسة الأب في السيرة الذاتية والغيرية السعودية موضوع جدير بالاهتمام والدراسة، ولعله يصلح موضوعا لدراسة علمية يقوم بإعدادها أحد طلاب الدراسات العليا أو طالباتها. وربما يرى هذا الباحث المهتم بهذا الموضوع أن يضم إلى موضوعه هذا الأم أيضا، فلدينا بعض السير التي تحتفي بالأم أيضا مثل كتاب «أمي نورة: الأم الصديقة» لإبراهيم عبدالله السماعيل.