سهم بن ضاوي الدعجاني
رصد الكتاب الجديد للباحث الصديق أ. سعد بن عايض العتيبي المعنون بـ»من رسائل العلاَّمة الدكتور محمد رجب البيومي» مراسلات البيومي -رحمه الله- مع مثقف سعودي من عشاق المراسلات الأدبية في المدة من 13/4/1995هـ حتى 28/7/2000م وبلغت الرسائل (18) رسالة، وكلها تحمل هموماً ثقافية، ومتابعات للإصدارات الجديدة له ولغيره من الأدباء والمثقفين في الوطن العربي، إلى جانب أخبار ومناقشات أخبار المهرجانات والملتقيات الثقافية في المملكة.
هذا الكتاب الأثير قدَّم له أستاذنا الجليل الدكتور حمد بن ناصر الدخيّل أستاذ الأدب والنقد بكلية اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض والذي وصف المؤلف العتيبي بقوله: «ومؤلف الكتاب لا يمكن أن أرد له طلباً؛ لصلتي الأخوية والأدبية الوثقى به منذ عقود من الزمن، عرفته محباً للأدب حفياً به، حريصاً كل الحرص على اقتناء كل كتاب نادر قديم، مهما غلا ثمنه، وشط مكانه؛ فتوافرت لديه مكتبة غنية بنوادر المطبوعات من كتب ومجلات وصحف اقتناها من المملكة ومصر ولبنان وغيرها، وكان يحرص على تحصينها وحمايتها والعناية بها أكثر من حرصه على نفسه وصحته، ولا يسمح لأحد بالاطلاع عليها، وأحسب أنه توافر لديه من النوادر ما قلَّ وجوده في مكتبة خاصة، وأعده كاتباً مترسلاً، لكنه مقل، وهو في أسلوبه وطرحه متأثر بمدرسة البيان العربي، ومن أبرز روادها مصطفى لطفي المنفلوطي، وأحمد حسن الزيات، ومصطفى صادق الرافعي، وعبدالعزيز بن سليم البشري، وطه حسين، وزكي مبارك، وعلي الطنطاوي، وينضم إليهم عدد من الكتَّاب المترسلين».
وصف الدخيل صلته بالدكتور محمد رجب بيومي بأنه زامله في كلية اللغة العربية في الرياض مدة أربع سنوات، وشاركه في عملين علميين. كما وصف رسائل البيومي بأنها تميل إلى الإيجاز وأنها تهتم بالشؤون الأدبية والصحفية لمرسلها وما يتصل بكتبه ومقالاته ومشاركاته، وابتعدت عن طرح القضايا الأدبية العامة التي تحتاج إلى نفس طويل، فهي رسائل شخصية، ثم تساءل: «ولا أعلم من كتب الرسالة الأخيرة، و إن كنت أميل إلى أن آخر رسالة كانت من مؤلف هذا الكتاب، فلما لم يتلق أي رد؟»، كما أشار د. الدخيّل في مقدمته لهذا الكتاب إلى أن هناك فجوة ليس من الممكن أن تسد، وهي غياب جميع الرسائل التي أرسلها المؤلف إلى الدكتور البيومي، وخصوصاً أن تلك الرسائل تضم أخبار الأدب والأدباء ما يضاهي ما تضمنته رسائل الدكتور البيومي، وربما فاقتها طولاً ومعلومات وأخباراً، فالمؤلف أقبل على تحرير تلك الرسائل بنهم وشوق.
وختم الدكتور الدخيّل مقدمته بقوله: «وفي ختام هذا التقديم أدعو المؤلف أن يضع في برنامجه الأدبي نشر ما يناسب نشره من هذه الرسائل، إذ أنا على يقين أنها تضم من المعلومات والآراء قدراً كبيراً لا نجده في الكتب المنشورة، ولاسيما أن أصحاب الرسائل أو معظمهم عاصروا رواد الأدب العربي الحديث، ويملكون آراء ونظرات وأفكاراً».
أما المؤلف العتيبي فيقول عن الدكتور البيومي: «أما مرسل هذه الرسائل فهو العلاَّمة والأديب والشاعر الأستاذ الدكتور محمد رجب البيومي (1923-2011م) -رحمه الله - أحد أعلام النهضة الأدبية في العصر الحديث، وأحد فرسانها الكبار، وحسبه أنه من كتّاب مجلات: الرسالة، والثقافة، والكتاب، والأديب وغيرها من كبريات المجلات الأدبية، وأنه ممن حضروا مجالس: أحمد حسن الزيات، وأحمد أمين، وعبدالوهاب عزام، ومحمد فريد وجدي، وزكي مبارك، ومحب الدين الخطيب «كما يصف رسائله بأنها: «قصيرة ومركزة، وهي في العادة لا تتجاوز صفحة، فهو لا يميل إلى الثرثرة والاستطراد، كما أنه لا يهتم بطباعة اسمه على ورق خاص، وعليه عنوانه، وإنما يكتبها على ورق صغير مسطر في الغالب»
أما زيارة المؤلف للدكتور البيومي فقد كانت في عام 2010م بعد حضوره لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، ويصف تلك اللحظات السعيدة بقوله: «وما إن رآني مقبلاً عليه، حتى سر كثيراً بتلك الزيارة التي تأخرت كثيراً، واستقبلني بحفاوة كبيرة، ثم دخلنا في أحاديث عذاب عن أدبه و مؤلفاته، وعن ذكرياته مع بعض أعلام الأدب والفكر في مصر والمملكة، وعن ذكرياته في أثناء فترة عمله في مدينة الرياض»، ويصف المؤلف وفاة الأديب البيومي بشيء من الألم، وخصوصاً أن البيومي بعد أن زاره تلك الزيارة الوحيدة توفي بعد سنة، حيث اندلعت ثورة 25 يناير 2011م، وانشغل الناس بمتابعة أحداث الثورة ونتائجها ومات البيومي - رحمه الله- أثناء المظاهرات في 5 فبراير فلم يشعر الوسط الثقافي في مصر برحيله، إلا أن مجلة «المنهل» الأدبية المعروفة، ضربت أروع الأمثل في الوفاء وتقدير كتابها، حينما أفردت ملفاً خاصاً عنه بمناسبة وفاته (عدد 626، يونيو - يوليو 2011م )، وخصوصاً أن الدكتور محمد رجب البيومي قد استمر في الكتابة لديها لعدة سنوات من خلال أبواب عرفه القارئ من خلالها وهي: نظرات أدبية، ورحلة في مكتبة، وذكريات أدبية، ودراسات نقدية، ورحلة في الذاكرة.
في الختام وجدت أن المؤلف يتصف بما يلي:
• لديه علاقات وصداقات ذات قيمة تأريخية وثقافية مع كثير من رموز الحركة الأدبية في وطننا العربي.
• قدرته الرائعة على إنشاء الرسائل الأدبية والتواصل الثقافي مع الأدباء والمثقفين في تلك الفترة بلغة وأسلوب أدبي راق.
• قدرته على الأرشفة الشخصية والحفظ لتلك الرسائل بطريقته الخاصة في ملفات أنيقة والعناية بها والعودة إليها وقت الحاجة لذلك.
• الحرص على توثيق زياراته للأدباء في تلك المرحلة المتقدمة بأخذ صور معهم ثم الاحتفاظ بها.
أخيراً
المؤلف الصديق الأديب سعد العتيبي، هو في الحقيقة «ذاكرة ثقافية» لمرحلة مهمة من الحركة الأدبية على المستوى المحلي والإقليمي والعربي من خلال الكم الهائل الذي يمتلكه من الرسائل التي تجاوزت 1000 رسالة محفوظة لديه، لعل الجهات المعنية بالثقافة وتأريخنا الأدبي تزوره وتسجل معه حلقات حول هذا الكنز الثمين، وتوثيقه ونشره ليبقى في ذاكرة الوطن، كما أدعو أصحاب المنتديات الثقافية التقليدية والرقمية دعوته للمشاركة والحديث عن هذا الجانب من أدب الرسائل.