خالد محمد الدوس
نوافذ من علم الاجتماع الثقافي زاوية نسلط الضوء فيها على العديد من المفاهيم والموضوعات والنظريات المرتبطة بهذا العلم الفتي الذي يدرس أثر الثقافة على الحياة الاجتماعية كحقل خصب يتفاعل مع التحولات الثقافية والتغيرات الاجتماعية والتحديات العولمية التي يشهدها عالمنا المعاصر.
نتناول اليوم موضوع «الثقافة الرقمية» وهي من الموضوعات المهمة في ميدان علم الاجتماع الثقافي.. ومفهوم الثقافة الرقمية من المفاهيم الحديثة في ساحة العلوم الاجتماعية فهو يشير إلى الاتجاه الذي يرتبط به المجال الرقمي والثقافي، مثله مثل : الثقافة الصحية، والثقافة الرياضية، والثقافة البيئية..الخ.
وتعرف الثقافة الرقمية بأنها القدرة على استخدام أجهزة الكمبيوتر والخدمات الإلكترونية لمواكبة حياة المجتمعات الحديثة والمشاركة فيها بثقة ومهاره، ويكمن جوهرها في تمكين أفراد المجتمع من استخدام التطبيقات الرقمية نظرا لأهميتها في إنجاز أعمالهم الوظيفية والشخصية، وكذا قدرتهم في التوصل على المعلومات من خلال استخدام لهذه التطبيقات الرقمية، خاصة وأن عالمنا المعاصر يعيش ثورة معرفية تكنولوجية هائلة، صاحبها انتشار التقنيات الحديثة كالحاسب الآلي والانترنت والهواتف النقالة، التي أصبح استخدام الأفراد بها أمراً ضرورياً لا غنى عنه في أداء الكثير من المهام والوظائف، سواء على المستوى الفردي أو المؤسسات أو المجتمعي، وقد أدت الثورة المعلوماتية إلى تضاعف المعرفة الانسانية وتراكمها بسرعة كبيرة، وخصوصا المعرفة العلمية والتكنولوجية، كما أدت العولمة إلى إسقاط حواجز المسافات والزمن، وتدفقات المعلومات بكل أشكالها، من خلال شبكات التواصل الإلكترونية، وأصبح التقدم التكنولوجي السبيل الوحيد لتحقيق التقدم الاقتصادي في المجتمع المعاصر المعروف بمجتمع المعرفة. فكان لابد من التكيف مع هذه المستجدات والتطورات حول ممارسات البحث عن المعلومات والوصول إليها واستخدامها بكفاءة وفاعلية أمرا لابد منه حيث إن صناعة المعرفة اليوم يرتكز على صناعة الثقافة وهو ما أحدث قطيعة ونقلة نوعية تتمحور حول ثقافة المعلومات الرقمية، ولابد من تعزيز دور هذه الثقافة ومواصلة الاستثمار في البحث لتأسيس فكر ووعي معلومات بين أفراد المجتمع ليصبحوا مؤهلين لتحديد احتياجاتهم من المعلومات والوصول إلى مصادرها واستثمارها الاستثمار الأمثل سعيا لاكتساب مهارات التعلم في المجالات الرقمية، ولذلك يعد الانسان العامل الرئيسي في عملية التطوير، لذا ينبغي ألا يعيش في مجتمع يجهل ثقافته، حيث تعد الثقافة تعبيراً عن المجتمع، وفي الاقتصاد القائم على المعرفة يجب أن يتوفر القدر اللازم والضروري من المعلومات والمعارف حول الحاسوب والمهارات التكنولوجية الأخرى، وهو ما يطلق عليه الثقافة الرقمية.
وللثقافة الرقمية بالطبع مجالات متعددة تكمن في: كيفية تنظيم المكتبة ومصادرها وكيفية استخدامها والوصول إلى المعلومات وسلوك البحث عن المعلومات وكيفية تقييم مصادر المعلومات، وكيفية وضع استراتيجية جيدة للبحث، وكيفية البحث في قواعد البيانات، وكيفية إنشاء البريد الالكتروني والمواقع الالكترونية على الانترنت، وبالتالي تتمثل أهم المجلات الثقافة الرقمية في مدى توفر عدد من المعارف والمهارات لدى الفرد.. وقدرته على استخدام الوسائل الالكترونية المتنوعة.. والتمكن من التوصل للمعلومات من مصادرها المختلفة وتقييمها. إلى جانب القدرة على بناء علاقات افتراضية مع الآخرين في الفضاء الرقمي.
ولاشك أن الثقافة الرقمية مهمة على مستوى الافراد والمؤسسات والمجتمع فعلى مستوى الفرد فإن الفرد الذي لا يحسن استخدام الحاسب وشبكة الانترنت يعاني من أمية المعرفة المتمثلة بالجهل بأهمية التقنيات الرقمية وبمهارات استخدامها وهي لا تختلف عن أمية القراءة والكتابة في بدايات القرن الماضي ممثلة بالجهل بتقنيات اللغة وتطبيقاتها في الاتصال، ويمكن القول إن نجاح الفرد سيكون بمستوى ثقافته الرقمية فكلما زادت ثقافته الرقمية أصبحت قابليته في الحصول على الوظائف والامتيازات أكبر، أما على مستوى المؤسسات فإن نجاح المؤسسة واستمرارها يعتمد بشكل رئيسي على مستوى تعاملها مع النظم الرقمية ومواكبة التطورات السريعة في هذا المجال.
كما أن الثقافة الرقمية هي السبيل الوحيد الذي يمكن هذه المؤسسات من الدخول إلي العصر الرقمي وعلى مستوى المجتمع فإن عصر العولمة وتحدياته الكبيرة في مجالات المعرفة والمعلومات والثقافة والتقنيات والانتاج والتجارة يمثل مدخلا ضروريا لإدراك أهمية الثقافة الرقمية للمجتمعات النامية لتقليص الفجوة بينها وبين المجتمعات المتقدمة وتحقيق التقدم الاقتصادي والعلمي.
ولا مناص من أن للثقافة الرقمية عدة أبعاد نذكر منها على سبيل المثال:
1- ثقافة الحاسب: تعتمد ثقافة الحاسب على إدراك أهميته كبديل مستقبلي للقلم والمفكرة والإدارة المميزة وفى أهمية تجاوز حاجز الخوف من التعامل مع الحاسوب وتبني فكرة مغادرة العمل الورقي واستبداله بالعمل الالكتروني.
2- ثقافة الانترنت: تعتمد ثقافة الانترنت على إدراك أهمية الشبكة باعتبارها البديل المستقبلي لنظم الاتصال المختلفة والمكتبات والصحف الورقية ونظم التعليم والبيع والشراء...الخ، والقادرة على توفير ثقافة عالمية مشتركة وضرورية تجاوز محددات التعامل مع الانترنت وتبني استخدامها في جميع الانشطة وخصوصا التعليمية والتجارية والإنتاجية...الخ، لكن سوء استخدام بعض خدمات شبكة الانترنت كالشبكات الاجتماعية مثلا قد يتسبب في الوقوع في مشاكل اجتماعية.
3- ثقافة المعلومات: وهي الثقافة التي تعتمد على إدراك أهمية المعلومات باعتبارها البديل المستقبلي لصنع القرارات وذلك بما توفره من قدرة عالية في معالجة البيانات وتحويلها إلى مؤشرات مساندة لبناء البدائل واتخاذ القرارات، وتعتمد كذلك على استخدام شبكات المعلومات وتعزيزها بنظم المعلومات المساندة لصنع القرارات كالنظم الذكية.
وأخيراً لابد الاشارة إلى أن الثقافة الرقمية وعلم الاجتماع الثقافي مجالين مترابطين بعمق يعكسان التحولات الجذرية التي تحدث في المجتمعات بسبب التكنولوجيا الرقمية ووسائل الاتصال الحديثة، وفي هذا السياق يسهم علم الاجتماع الثقافي في فهم كيف تؤثر الثقافة الرقمية على الانماط الثقافية والسلوكيات الاجتماعية وكيف تسهم في اعادة تشكيل الهويات الثقافية والممارسات الاجتماعية وبناء الاقتصاد الثقافي في المجتمع المعاصر.