حاوره - بندر العزاز:
قاسم حداد هو شاعر بحريني، وُلد في البحرين عام 1948م، وتلقى تعليمه بمدارس البحرين حتى الصف الثاني ثانوي. التحق بالعمل في المكتبة العامة منذ عام 1968 -1975م، ثم عمل في إدارة الثقافة والفنون بوزارة الإعلام منذ عام 1980م. شارك في تأسيس (أسرة الأدباء والكتاب في البحرين) في عام 1969م، وشغل العديد من المراكز القيادية في إدارتها.
علمنا قاسم أن المبدع أهم من النص.. وأن صرخة الاحتجاج قد تكون ضد أزمة الإبداع
علمنا أن نكتب لأن هذا الملاذ الأكثر حماية للذات والنفس.
علمنا كيف نعتني بالحياة بدون الوقت.. وكيف نقبض على جمرة الشعر.
علمنا ألا ننكسر.. ولا نتأخر.. ولا نستوحش...ولا نكابر..
علمنا أن الألم بعده معرفة..
علمنا أن الذي لا يقرأ ولا يحسن الإصغاء هو قابع في عتمة الثقة..
بحث عن نفسه كثيراً وجدها في صور الأصدقاء التي لا تزال في ألبوم الذكريات.
بحث عن المستحيل حتى جعله ممكناً وبلون أزرق وأصبح من الذكريات الجميلة المحزنة.
أول لقاء كان في الرياض في أمسية ثقافية.. قابلته ورأيت ملامح الحبيب الراحل صالح العزاز -رحمه الله- لم أخف دمعتي وكان هو يبادلني نفس ألم الفقد والرحيل.. اقترحت عليه هذا اللقاء رحب..
ذهبت لزيارة للبحرين وكان هذا اللقاء..
* من أنت؟
- أنا اسمي قاسم حداد لكن في جواز السفر اسمي جاسم محمد حمد الحداد
* مسيرتك التعليمية؟
- أنا لم انته من التوجيهي كنت أداوم في المكتبة العامة أكثر من مداومتي في المدرسة، كانت المكتبة العامة القديمة في القسم التجاري بالمدرسة، أقوم أنا بالتحويل من الحافلة وأذهب للمكتبة في البحرين.
* كم كان عمرك؟
- أنا من مواليد 1948 في نهاية العصر الثاني.
* حدثني عن العائلة؟
- أنا تزوجت مبكراً من فتاة تعلقت بها من أم الحصن اسمها موزة خليفة الشملان وعائلتها معروفة الوطنية والنضال، جدهم الكبير سعد، تعرفت عليها وتزوجت منها مبكراً سنة 1970 تزوجت، وصدور كتبي لم يتوقف من تلك السنة، أنا تزوجت عام 1970 وأول كتاب صدر لي عام 1970م البشارة، كل سنة صار يصدر لي كتاب جديد.
* بالحديث على الكتابة والشعر؛ كيف كانت البداية؟
- البداية كانت الولع المبكر عند الكثيرين بالأدب، ففي الفصل في الابتدائي كان يدرسني مدرس أصله أردني لكن جاء من بداية الستينات في 61 أو 62 ودرسني في البداية واعتنى بموهبتي، لقد عرف أن لي محاولات وتجارب في كتابة الشعر فهو من قام باكتشاف موهبتي وقام بتشجيعي اسمه الدكتور عبد الحميد المحادين، أخذ الدكتوراه ودرس في الجامعة وتوفى قبل سنتين تقريباً.
* بالنسبة للحديث عن الشعر، هل يوجد اختلاف بين الشعر قديماً والشعر في الزمن الحالي؟
- لحسن حظي بدأ اهتمامي بالكتابة في منتصف الستينات وهي كانت ذروة التحول في الشعر العربي من الشعر التقليدي، للشعر الحر وتولعت بالكتابة الحرة وأعتقد بأن الفرق في الرؤية كبير بين الشعر التقليدي والشعر الحر.
الشعر التقليدي القديم يعتمد على القافية وبحور الخليل والأوزان الشعرية وهو ما تحرَّر الشعر الحديث منها، وبدأت أكتب تجاربي الجادة من هذا المنطلق.
* لا بد أنك قرأت نصوصاً كثيرة من قصائد من نثر من خواطر، هل عجبك شيء منها لدرجة أنك كنت تود أن تكون أنت الكاتب؟
- أنا أقرأ كثيراً من الشعر وخصوصاً للأجيال الجديدة، كثير من القصائد الجديدة التي يكتبها موهوبون جدد تمنيت لو أنني أكتبها، أنا لا أذكر قصيدة معينة لكن الكثير من القصائد أحببتها وتمنيت أنني كتبتها.
* هل تذكر شاعراً معيناً كنت تود أن تكون مكانه في قصيدة؟
- بالاسم أرجو أن تعذرني عن تذكر الأسماء.
* ما هو أفضل ما كتبه قاسم حداد؟
- يصعب تحديد ذلك لكن أقول كل ما كتبت أبنائي، أعتقد أن هذا السؤال يهم القارئ والناقد أكثر مما يهمني في هذا الموقف، ليس من السهل تحديد قصيدة معينة أحببتها، لكنني أحب من الشعر قبر قاسم، وأحب من النثر فرشة الأمل، التي كتبتها عن المحرق وسيرتي في المحرق.
* حدثني عن عملك مع الراحل صالح العزاز المستحيل الأزرق؟
- بدأت البداية كنا في المغرب في الرباط على وجبة غداء كنا في ندوة كبيرة يحضرها عبدالله الشهيل - رحمه الله - ويحضرها صالح -رحمه الله - عبدالله الشهيل هو صاحب الاقتراح الأول قال لصالح ما دام قاسم حداد صديقك لماذا لا تعملان عملاً مشتركاً بين صورك وشعر قاسم، فكانت الشرارة الأولى بعد ما نهضنا وفرغنا من الغداء جلس معي صالح واتفقنا على ذلك هذه هي البداية أعطاني عدداً كبيراً من الصور واخترت بعضها وكتبت نصوصاً تتقاطع مع بعض الصور واعتنى صالح العزاز بطباعتها وأنا أعتقد بأن لدى صالح العزاز صوراً بالغة الجمال حتى إنني أعجبت فعلاً بلقطاته وملاحظاته البصرية وأتذكر أنه أثناء طباعة وترجمة الكتاب اتصل بي من باريس قال لي هل ممكن بدل العنوان الأزرق المستحيل تغييره إلى المستحيل الأزرق وافقت مباشرة بدون جدال.
* هل أنت من اقترح الاسم وهو من قام بتعديل الاسم؟
- تغيير الاسم من الأزرق المستحيل إلى المستحيل الأزرق في العنوان فقط لأنه في النص ظل مثل ما هو الأزرق المستحيل وقد وافقت بسبب معرفة صالح الشعرية بالمعنى الحقيقي للنص.
* لو سنحت لك الفرصة هل تعيد التجربة؟
- لا أظن أنا لا أميل إلى إعادة التجارب ما أفعل إن كانت مع صالح أو غيره من الفنانين والكتاب أنا أظن بأن ما تحقق في التجربة الأولى يكفي.
* تعتقد أنه لن يجد النجاح؟
- لا أنا لا أقلق من هذه الناحية لكني أقلق من التقليد أنا لا أقوم بالتقليد حتى مع نفسي لا أقوم بالتقليد لأن التقليد غير مفيد في هذا.
* «المستحيل الأزرق»، ما هو ترتيبه بين إبداعاتك؟ ماذا تعطيه من الترتيب بين الإبداعات؟
- يصعب مقارنة تجربة بتجربة أخرى أنا أميل إلى عدم مقارنة تجربة وكتاب أو تجربة إنسانية مع تجربة أخرى لأنه ظلم للتجربتين.
* هل من تجربة قريبة لقلبك؟
- كل التجارب قريبة لقلبي لكنني لا أخص تجربة معينة؛ لأن كل التجارب تشكل مرحلة من مراحل حياتي.
* هل هناك فرق بين الشعر القديم والشعر الحديث؟
- أنا أظن بأن هناك فرقاً كبيراً، فالحياة تتغيّر وهذه التغيّرات تنعكس على معطيات الحياة ما يعبر عن الشعر قديماً لا يعبر عن الحياة حديثاً.
* هل تعتقد أن الشعر تطور «الشعر الحديث»؟
- كثيراً وأنا مطمئن لهذا التغيير وأثق بأن الأجيال الجديدة ستغير الشعر إلى الأفضل لأن الحياة تتغير.
* ديوان (البشارة) هكذا كان اسمه؟ هل كان أول ديوان صدر لك؟
- نعم.
* كيف كانت بدايتك مع أول صدور ديوان؟
- في الواقع لم أشعر بأهمية العنوان إلا في السنوات الأخيرة لأن عنوان الديوان جاء من عنوان إحدى قصائد الديوان أعتقد بأن بشارة الآن أراها بشارة إيجابية بمستقبل التجربة الشعرية وحياتي.
* هل هناك علاقة بين الشعر والبحر والغروب؟
- أظن أن البحر في حياتنا نحن الأدباء وحياة الإنسان بشكل عام في منطقة الخليج له تأثير كبير فما بالك نحن في البحرين لسنا بحر واحد، كتبت إحدى المرات نحن لسنا جزيرة إلا لمن يرانا من البحر. أظن بأن للبحر دوراً كبيراً في حياتنا. ليس في مرحلة الغوص فقط، حتى الآن أعتقد أن البحر جزء مهم من حياة الإنسان في هذه المنطقة، والشمس أيضاً، أنا أعتقد بأن فترة علاقتي المبكرة بزوجتي كانت هناك على البحر، كانت من الحصن وهي عبارة عن قرية بحرية تقريباً من ضواحي المنامة فكان هناك مرتفع فيه نخلة وخلّدها صديقي الفنان عبدالله يوسف بلوحة اسمها النخلة والبحر وهو تجسيد لقصيدة كتبتها عنوانها النخلة والبحر، كانت هذه النخلة على البحر في الشرق، فكنت أرى بيت حبيبتي من تلك الناحية، كانت تطل على البيت، لم تكن في تلك الأيام أم الحصن مدينة، الآن صارت مدينة كبيرة وفيها مبان كثيرة.
* أنا قرأت مقولة أعتقد أنها لك إعلان اليأس فضيحة الأمل!
- أنا أتذكر أنني كتبت عن أهمية اليأس باعتباره أهم من الأمل، لأن اليأس الحقيقي يفضح الأمل الرائج، الأمل الذي ليس أملاً، في الحقيقة هو نوع من تخدير الناس وإيهامهم بأن هذا أمل، أنا أظن بأن الأمل اليأس الحقيقي وهو ما يفضح الأمل الرائج.
* هل توقف قاسم حداد عن الكتابة؟
- لا أعتقد حتى الآن ما زلت أكتب شعراً واستمتع بالكتابة وأجد بأن حياتي مرتبطة بهذه الكتابة.
* هل الكتابة تأخذك من الحياة؟
- لا أبداً. الكتابة نوع من أنواع الحياة.
* هل تقصد أنها لا تبعدك عن الحياة والممارسة مع الناس والاقتراب من الناس؟
- لا أبداً أظن بأن الكتابة تقربني من الحياة أكثر.
* أرى ما وصلت إليه من النجومية والإبداع إلا أنني أرى فيك من التواضع ما رأيته الا في قلة... ما هو السر؟
- لا أظن بأنه هذا شعور الآخرين. أنا في الحقيقة لا أميل إلى تواضع المبدعين إلا أمام الحياة، الحياة نعمة لا تتكرر. فأنت كلما أحببت الحياة أحببت الناس. فأحبوك. فأنا أعتقد بأنه ليس التواضع افتعالاً لكنه حب للحياة وللناس.
* قبل الختام أريد منك رداً بكلمة أو بكلمتين:
- الإبداع: هو مبرر لحياة الإنسان في كل مجال.
- الألم: معرفة نوعية للحياة.
- الفراق: شيء مخيف ومكتوب على الإنسان أن يفارق.
- اللقاء: فرح إضافي.
- صالح العزاز: صالح شخص لم أشبع منه كثيراً، ولم أخالطه كثيراً، أنا أحاول أن أؤجل هذا الفراق المؤلم لصالح العزاز قدر الإمكان.
* كلمة توجهها لمن يريد أن يستنير أو يريد أن يسلك طريقاً مثل طريقك وطريق صالح.
- أن يحب الحياة كثيراً، على الآخرين أن يحبوا الحياة ويكتشفوا هذه النعمة يوماً بعد يوم.
* كلمة أخيرة نختم بها اللقاء؟
- شكراً لك واستمر بالكتابة فأنت تسير على خطى صالح.. وشكراً لوقتك وسأكون مسروراً للقاء آخر.