تقف أمام المرآة منذ برهةٍ من الوقت، تُسَرّحُ شعرها، تارةً تجعله على الجهة اليمنى، وتارةً تميله للجهة اليسرى.
تهز جسدها الضئيل متراقصةً على أغنيةٍ تتمتم بها لم أفهم منها شيئًا، عدا أنها منغمسةٌ في عالمها الأنثوي الخاص بها.
فجأةً أخرجت قلم أحمر شفاهٍ تحمله في جيبها، وضعت قليلًا منه على شفتيها الرقيقتين، ثم أخذت تفركهما ببعضهما وهي تنظر لنفسها في المرآة بين الفينة والأخرى بزهوٍ شديد.
أخذني هذا المشهد إلى التساؤل عن سر عشق الأنثى للمرآة وللزينة مهما بلغ جمالها وبراءتها كهذه الطفلة ذات السنوات الخمس.
قلت لنفسي:
_ هي لا تريد جذب انتباه الرجال، أو التباهي أمام أنثى مثلها بحكم كونها طفلة، ولا هي تسعى لإخفاء عيوب في وجهها، كحال بعض الفتيات والنساء اللواتي يعانين من مشاكل في البشرة.
إذًا لمن تتزين، وما دافعها لذلك، وكم مقدار البهجة التي تملأ قلبها وترتسم على ملامحها الطفولية بسبب استغراقها في التجمل وتسريح شعرها؟!
ثم خطر لي تساؤل آخر:
_ ماذا لو أنه لم توجد المرآة في حياة الأنثى؟ هل كانت ستهتم وتفطن إلى حُسنها أو دمامتها؟
_ يُقال إن كيلوبترا هي أول من اخترعت مساحيق التجميل وأعدتها من مواد طبيعية في عصرها، فماذا لو أنها لم تفعل، وظلت النساء بملامحهن الطبيعية حتى لو كانت وجوههن غير جميلةٍ أو تشوبها بعض العيوب؟
حتى في عهد جداتنا كانت لديهن أدوات زينةٍ خاصةٍ بهن بسيطةٍ، ولكن يظل اسمها أدوات زينةٍ أيضًا، ألسن امتدادًا لملكتهن الأولى؟
وبينما هي مستغرقةٌ في أجوائها الخاصة تلك، استندت بجسمها على المرآة، فمالت عليها حتى كادت تسقط فوقها، انتفضت من مكاني لأهرع لدفعها عن جسد الحسناء الصغيرة قبل أن تصاب بأذى، تراجعت الطفلة للخلف مرتعبةً وهي مصدومةٌ مما حصل لها بشكلٍ مباغت، لكنها سرعان ما عادت لهدوئها بعدما تأكدت من أنها لم تصب بأذى.
مالت بوجهها للجهتين كما فعلت من قبل، ثم زمت شفتيها للأمام مقلدةً حركات المراهقات حين يلتقطن لهن صورة سيلفي، وهي تهز خصرها النحيل مجددًا وكأن شيئًا لم يكن.
ألقت على نفسها نظرة أخيرةً للتأكد من أنها في أبهى حالاتها، ثم استدارت خارجةً من الغرفة وهي تترنم بأغنيةٍ لم أتبين منها شيئا تمامًا كالأولى.
** **
- عائشة عسيري (ألمعية)