د.نادية هناوي
بدأت بواكير الأدب العربي واضحة في منتصف القرن التاسع عشر، ففي العراق لاحت طلائع الأدب العراقي مع نهايات هذا القرن ومطلع القرن العشرين على يد شعراء وناثرين تأثروا بعوامل عدة، منها ظهور الصحافة ونشوء المدارس على يد الآباء اليسوعيين وترجمة الأدب التركي. أما بواكير الأدب السعودي فان ملامحها برزت في العقد الثالث من القرن العشرين على يد شعراء وكتاب تأثروا بالصحافة وبما كان يفد عليهم من مطبوعات أدبية من بلدان الشام ومصر.
وكان طه حسين قد أولى مرحلة البواكير في الأدب السعودي اهتماما بكتابه( الحياة الأدبية في جزيرة العرب) 1938 وفيه وجّه النظر نحو الامتداد التاريخي الضارب في القدم الذي يتمتع به أدب الجزيرة بوصفه مهد الأدب العربي، ففي شماله ووسطه ظهر الشعر الجاهلي، وفي الحجاز ظهر القرآن وفي نجد وتهامة انتشرت اللغة العربية. وأكد أيضا أن الامتداد الجغرافي هو الآخر قديم، فكان شعراء البادية في العصر العباسي يفدون على بغداد ويمدحون الخلفاء والوزراء. وكان الشعر هو الغالب.
ويرى طه حسين أن الصلات الجغرافية انقطعت فيما بعد، فكان أن انعزل أدب الجزيرة ما بين أدب شعبي مركزه البادية، وأدب تقليدي مركزه الحواضر، بيد أن من المؤكد أن التفاعل بين بيئات المشرق العربي لم تنقطع أواصره على مرِّ التاريخ بحكم عوامل كثيرة. وعلى الرغم من وجود الحدود السياسية، فإن التأثر ظل مستمرا والتفاعل قائما بدليل ما يؤكده طه حسين نفسه من أن ثمة تجديدا أدبيا في الحجاز كان بتأثير ما يكتبه المصريون والسوريون، لافتا النظر إلى أن الأدب وقتذاك -شأنه شأن الأدب العربي عامة- كان امتدادا لما ساد في العصور المتأخرة من صناعة لفظية وتزويقات بلاغية وأجناس وأنواع أدبية، أهمها الشعر الغنائي على اختلاف أغراضه والحكاية والمقامة والرسالة.
ولقد وثَّق عبد الله عبد الجبار في كتابه( التيارات الأدبية الحديثة في قلب الجزيرة العربية)1959 حركة الأدب في المملكة العربية السعودية وتناولها بشكل منهجي في قسمين: الأول اهتم بالشعر والثاني بالنثر.
تحدث في القسم الأول عن العوامل المؤثرة في ميلاد الأدب العربي الحديث في الجزيرة أواخر القرن التاسع عشر، وأولها الصحف مثل صحيفة مكة ومجلة الإصلاح وثانيها المطابع والمدارس والإذاعة، وكان لاتساع نطاق التعليم أن ساهم في نشوء المكتبات وتأسيس المنتديات الأدبية. وحدد عبد الله عبد الجبار تيارات هذا الأدب وهي: التيار الرمزي في قصائد عبد الله القرشي وحسين سرحان وحمزة شحاتة وسعد البواردي. والتيار الكلاسيكي ويتمثل في كتابات عبد القدوس الانصاري وأحمد محمد جمال ومحمد حسين زيدان، ولقد انقسم هذا التيار الى كلاسيكي ميت وكلاسيكي بين بين وكلاسيكي حي. وثمة تيارات أخرى كالتيار الرومانسي والتيار الواقعي والتيار الاجتماعي والتيار الوطني لكنها أقل وضوحا من التيارين الرمزي والكلاسيكي.
ومن اللافت للنظر إشارة الباحث عبد الجبار المبكرة إلى أثر البيئة في شعر الجزيرة، ففصَّل القول في خصوصية البيئة الحجازية وسمات البيئات الأخرى التي تشتمل عليها أرض المملكة العربية السعودية. ولقد كان الأدب العراقي كثير الالتصاق ببيئته المحلية، وهذا ما جعل الواقعية سمة متجسدة فيه بشكل قوي منذ ثلاثينيات القرن العشرين وصارت تيارا قائما بذاته في الستينيات. ولقد تركت بيئات المملكة من الحجاز إلى الاحساء، ومن الشام الى عسير ونجران وجيزان أثرا جليا في الأدب السعودي.
ومنذ تأسيس المملكة العربية السعودية أخذ الأدباء يهتمون بالكتابة في جنسين سرديين مخصوصين هما القصة القصيرة والرواية. وكانوا مثل نظرائهم في العراق قد أولوا القصة القصيرة اهتماما واضحا فكانت كتابتها سابقة بكثير كتابة الرواية.
وإذا كانت بوادر كتابة القصص القصيرة قد ابتدأت في العراق على يد عطاء أمين(1897-1971) في العقد الثاني من القرن العشرين بقصته( كيف يرتقي العراق رؤيا صادقة)1919 و( لوحة من ألواح الدهر) و(عاقبة الحياة)1920 فإن هذه البوادر ابتدأت في المملكة عام 1926 على يد عبد الوهاب اشي(1905-1985) بقصته( على ملعب الحوادث) وأحمد السباعي( 1905-1984) بمجموعته القصصية( خالتي كدرجان وقصص أخرى) وكان اشي والسباعي قد ترأسا تحرير صحيفة صوت الحجاز. ويعد السباعي أيضا رائد المسرح، وهو مؤرخ، وصاحب كتاب (موسوعة الأدب السعودي)
وما بين الحربين العالميتين، توضحت ملامح القصة القصيرة مع صدور مجلة( المنهل) الشهرية بعدد خاص بالقصة عام 1954 . وتأثر كتّابها بما شهدته المملكة العربية السعودية من تحوّل حضاري واجتماعي فضلا عما كان للصحافة من دور مهم في ظهور قصاصي الستينيات مثل حسين سرحان وحسين عرب ومحمد سعيد العامودي وعبد الرحمن الشاعر وأمين سالم الرويحي ونجاة خياط وعبد الله جفري وسميرة خاشقجي - سميرة بنت الجزيرة- ولها مجموعات قصصية عدة.
ويذهب شاكر النابلسي في دراسته( الادب السعودي الحديث للفترة ما بين 1970 - 1985 ) - المنشورة في مجلة الآداب، عدد 4-6 لسنة 1987- إلى أن الستينيات هي البداية الحقيقية للقصة القصيرة في السعودية لأسباب كثيرة منها سرعة التغيير الاجتماعي وحجمه الذي كان أكبر بكثير من قدرة الأدب على الرصد والملاحظة والاستيعاب فكان من نتائج ذلك كله الاغتراب عن الواقع. وممن برز في أواخر السبعينيات وبداية السبعينيات القاص محمد المنصور الشقحاء وأول قصة له هي( نورة) منشورة في جريدة الرياض عام 1969 وأصدر مجموعات قصصية عدة، منها ( البحث عن ابتسامة) 1976 و( حكاية حب ساذجة) 1978 كما ظهر القاص إبراهيم الناصر بمجموعاته ( أرض بلا مطر) و( غدير البنات) و( عيون القصص). ومن الكتاب الذين وضعوا القصة السعودية على طريق النضج:
1 -محمد علوان بمجموعة ( الخبز والصمت) 1977
2 - حسين علي حسين بمجموعة (الرحيل)1978
3 - عبد العزيز مشري بمجموعة ( موت على الماء) 1979
4 - جار الله الحميد بمجموعة( احزان عشبة بحرية)1979
وكان لإنشاء الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون وتأسيس الأندية الأدبية ومنها نادي القصة السعودي أواخر السبعينيات دور مهم في ظهور قصاصين جدد. يضاف إلى هذا ما جرى في العام 1987 من معركة أدبية فكرية بين التقليديين والحداثيين، تركت أثرا مفصليا في الأدب السعودي عامة، فاتجهت القصة نحو الكتابة الحداثية وتنوعت موضوعاتها ما بين الذاتية والمحلية والتاريخية والاجتماعية والنفسية والرمزية. ومن القضايا التي عالجتها هذه القصة تعليم المرأة ومعاناة الطبقات الفقيرة وأهمية القيم الإنسانية العامة والقضايا القومية وفلسطين والكيان الصهيوني والقلق والغربة والتمزق النفسي.
وازدهر فن القصة القصيرة في تسعينيات القرن العشرين ولاسيما من ناحية الكاتبات اللائي أظهرن وعيا عاليا بهذا الفن مثل أميمة الخميس بمجموعة( أين يذهب الضوء) وشريفة الشملان (وغدا يأتي) وفردوس أبو قاسم( لا أحد يشبهني) فضلا عن حكيمة الحربي ولميس منصور وهدى بنت فهد المعجل وأميمة البدري وسهام العبودي ومنيرة الازيمع وشيمة الشمري ووفاء هنكر ومريم الحسن.
وكان للنقد الأكاديمي دوره في النهوض بواقع الأدب القصصي السعودي، وأخذت أساليب السرد تتنوع عند قصاصي الألفية الجديدة، وفيها بحثوا عن أفق جديد للشكل قصصي يفيد من التكنولوجيا ووسائل التواصل والتحولات السياقية في الغرب كالتركيز على الصوت والصورة والحركة وإنتاج نصوص قابلة للتحويل إلى أشرطة فيلمية وسيناريوهات باستعمال عين الكاميرا والتركيز على البيئة والوعي بالخلق الفني الافتراضي والوصف الموضوعي ودور القارئ في التلقي والاستجابة مع الجمع بين النص المكتوب والصورة البصرية المتحركة السينمائية.