في مسرح الحياة أدوار بشرية مشتركة يؤديها الإنسان اختيارًا أو اضطرارًا، رغبةً أو رهبةً، أو بدافع المحبة، وبحسب ما يقتضيه ظرف الزمان والمكان وفي ذهنه حمولة من التصورات والأفكار والانطباعات تجاه الأشياء، متصلة بدوافع ومحركات تثيرها التحديات والفرص وخلفها آمال ومخاوف قد تؤول لمسرات مُبهجة أو خيبات مُؤسفة أو مواعظ مُعبرة أو حِكم نافذة تتجاوز الزمان والمكان، وخُطّت بكلمات مُوجزة مَرصوفة اختصرت عصارة التجارب وما أفضت إليه من مآل وتداولها الناس واكتست حُلة الأمثال، وسارت مع الركبان، ودُوِّنت في بطون كتب الأمثال.
ومنها «كتاب الأمثال العامية في مصر» لأحمد تيمور باشا - الذي حوى بين طياته ثلاثة آلاف ومئة وثمان وثمانين مثلاً بعضها مكرر ورُتِّبت على حروف المعجم استوقفني منها ثلاثة عشر مثلاً نبعت من احتكاك الناس وخبراتهم وتجاربهم وعلى رأس الأمثال التي استوقفتني مثل يُنبئك أنّ الدنيء لا يُعاتب؛ لأن العِتاب يزيده كِبرًا وتعاظمًا، فجاء المثل بلفظ عامي مَليح يقول المثل:
تِعَاتِبِ الدِّنِي تِكْبَرُ نِفْسُهُ.
ومثل آخر فيه تهكّم وظرافة يقول:
(حاجة ما تهمك وصّي عليها جوز أمك).
ومثل يُضرب في الذهول عن الشيء وهو قريب ممن يبحث عنه يقول: (إبنه على كتفه ويدوّر عليه).
وحول المعنى يقول الشاعر:
للحب تطلب وأنت الحب يا حائر
أما سمعت الذي فيه المثل سائر
حبي معي وعلى حبي أنا دائر
ومثل فيه تحذير من اتباع المشؤم ساقط الرأي يقول:
(إتبع البوم يُودِّيك الخراب).
وفي معناه يقول الشاعر:
ومن يكن الغراب له دليلاً
يمر به على جيف الكلاب
ومثل يُحفز على مواجهة المخاوف وما تخشاه سيقع يقول المثل: (إللِّي انت خايف منه هَلْبَتُّ عنه) هلبت يريدون بها لا بد، وهو قريب من قول أبي العلاء المعري:
إلى الله أشكو أنني كل ليلة
إذا نمت لم أعدم طوارق أوهامي
فإن كان شرًا فهو لابد واقع
وإن كان خيرًا فهو أضغاث أحلام
ومثل آخر غني عن التمهيد يقول:
(إللِّي يُبص لِي بِعين أبُصّ لُه بلتنْيِنْ).
ومثل يقول: (الشَّكوى لاهل البصيرة عيب).
والكرام يَلمحون حوائج الناس، يقول المتنبي:
وفي النّفسِ حاجاتٌ وفيك فَطَانَةٌ
سُكُوتي بَيانٌ عندها وَخِطابُ
ومثل ظريف يقول:
(عَلَّمناهم على الشّحَاتَهُ سَبَقُونَا عَلَى الْأَبْوَابُ).
ومثل يضرب في ضعف الأمر وانحطاطه، يقول المثل:
(من قلة الخيل شَدُّوا على الكلاب).
أي أسرجوا الكلاب ليركبوها.
ومثل يُحجّم كلام الناس وفضولهم، فلا تهتم ولا تجيب على الكثير منه، يقول المثل: (نُصّ الكلام مَالوش جواب).
وأطوي المقال بمثل وخلفه قصة يقول المثل:
(اللي فينا فينا ولو حَجينا وجينا).
وحِيكت قصة على لسان الحيوان يُحكى أنّ الهِرَّ حج مرة ولما عاد اطمأنت له الفئران، وتواردت عليه للسلام، ولما تقدم كبيرهم إليه رأى في عينه الغدر ففر؛ وأخبرهم بذلك.
** **
- إبراهيم الجنيدل
ibrahiem1994@