أتنظر إلى ظل الحائط الذي أسندت ظهرها وكل ثقل جسمها عليه أم إلى الشعاع الذي أحبّ أن يهديها ضوءًا تدفأ منه وغذاء تتقوّى به وشعورًا آمنًا يخبرها بأنها قرينة الشمس؟
عندما اخترتُ سنة 2024 ليكتمل نصفي الآخرُ من خلال أيامها، أيامي الأولى من هذا العمر الجديد، أصبحت أشاهد أفلامًا كرتونية كطفلة بالغة تنتقيها بذكاء، ثم خالطت أقراني الأطفال فوجدت روحي تحلّق معهم. وفجأة بلغت بسرعة فعدت إلى تيهي وحيرتي كما كانت حياتي السابقة. ربما سرت بنفس الطريق، وعبرت بنفس الاتجاهات التي قادتني إلى حياتي قبل ولادتي الجديدة، ولكن بدأت أفتح الصفحات ذاتها فأمسك بورقة خريطتي لكي أذهب إلى حيث براءتي، فتغرورق عيناي بالدموع ولم أهتد إلى مكانها بعد. شعرت بأنني اقتربتُ منها فلبست أقراطي، وخرجت بكامل زينتي، وسرت إليها، ولكن لم يفدني هذا التجمّل. فعدت أدراجي حيث عزلتي وانكساراتي وإحباطاتي المتكررة. ثم تمسكت بوشاحي عله يشعرني بالأمان، وبالاحتواء، وبالحب.
- نفضت عني غبار الوحدة، ثم نهضت إلى الحياة. فتحملني قدمان خائفتان، ولكن وعدتهما هذه المرة بأنهما ستجدان ما يسرهما.
- خاطبت عينيّ بعد أن فرغت من حديثي مع قدميّ ثم قلت لهما بجملة مبتذلة: (القادم أجمل). سخرتا من سذاجتي ثم صمتُ وسكتتا.
- علمتْ يداي بعهدي الذي وثقته لحظة مع عينيّ وقدميّ فأقسمتْ بأن تربتَ على كتفي وتأمرني بأن أكملَ رحلتي بعد أن رسمتْ بحروف رقيقة كلماتها في صفحة عقلي. ثم نويت بألا أتخاذل بعد كل هذه الوعود، فدفعت بنفسي وأزحت التثاقل عن طريق تعبرها خطواتي، وأمسكت بالخوف فألقيت به بعيدًا، ثم مسحت على قلبي وأصررتُ على أن أتعلّم الجَلَد. فكانت دهشتي عظيمة عندما أصبحتُ أبصر طريقي وكلما سرتُ سمعت ألحانًا فأهتدي إليها.
- تربعتُ على أرض طريقي ومددتُ ببصري إلى حيث الأفق وما زالت تلك الأنغام تتهادى بحنان إلى وجداني.
- إلام تنظر؟ إلى الأفق وحده أم أنها تفكر بأن تنهض مرة أخرى، ثم تدير بظهرها نحو الطريق الذي عبرته لتلقي بنظرة أخيرة إليه، ثم تودعه الوداع الأخير حتى تسرع إلى هذا المكان البهي الذي يليق بروحها.
- اقتربَتْ ذكرى ميلادها الأولى الذي كبرتْ فيه سريعًا وتاهت خلاله كثيرًا، وتخبطت بين ساعات خساراتها وأيام ضياع أحلامها، وفقدها الموجع، وعدد المرات التي جبرتْ فيها قلبها.
- ومع قرب سنتي الجديدة والتي تعلم بأفول سنتي الأولى بدأتْ ترسل إلي بعض خطاباتها والتي تبدو لي من قراءة سطورها القصيرة بأنها لن تحنو علي إن خطوت إليها ببعض البراءة، ونصف الرقة، والكثير من الكسل.
- ترتعد أطرافي من أمارات سنتي الثانية والتي لم أطرق بابها بعد. وبينما أنا أقف عند عتبة بابها أستجمع قوتي وأشهق بوعودي الغليظة لعينيّ وقلبي وقدميّ وتسندني يداي اللتان تربتان على كتفيّ. فأنا في حضرة الدار ومن يميني وعن شمالي أرواح جميلة تعتني بي.
- هذه كل تأملاتي المخبوءة والتي تجلّيها كتاباتي، وهذه هي حالاتي الوجدانية البهيّة عندما تتجسد في صورة الكلمات، وهأنذا قد لذتُ بجروحي إليكم من فضاءات تنشد الكمال، ثم رؤيتكم اكتمالي قبل نقصي. ولكني أزركش فوق سطح أرض ذكرياتي بزينة مغشوشة فلا بأس... سنظن حينًا أن هذه الزينة زهيدة وربما ستصبح ثمينة في يوم ما.
** **
- منيرة العصيمي