في الماضي كان ما يفصلنا عن العالم الخارجي باب نقفله وتلفاز تغلقه، وهذا كل ما يربطنا بعالمنا الصغير داخل بيوتنا أو عالمنا الخارجي الذي نغلقه بضغطة زر ثم النوم والدخول في عالم الأحلام. وإذا دخل الغريب إلى حدود الحارة الكل يسأل من يكون فما بالك لو تعدى الحدود ودخل إلى البيوت؟! أما اليوم فتعدي الخصوصية من القضايا التي تواجه مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في العصر الرقمي مع تزايد استخدام هذه المنصات وانتشارها الواسع بين مختلف الفئات العمرية وأصبح جزءًا لا يتجزأ من حياة الناس اليومية حين دخلت الكاميرات إلى بيوتنا وبين أيدي أطفالنا وحضروا موائدنا وعاشوا معنا تفاصيل حياتنا وأبدوا رأيهم في لون الحائط من خلف ظهورنا وصار كل له الحق في إبداء رأيه فيك والتنمّر عليك وإن أعجبته تخطى عيوبك وإن لم تعجبه أظهر خافي عيوبك يتخطى ظروفك ومشاعرك ومساحة حياتك ويتدخل فيما لا يعنيه، يتنمّر عليك ويعطي نفسه الحق بإعطاء فرضيات حول ما نقصده أو ما لا نقصده، دخلوا بيوتنا وحضروا مناسباتنا وركبوا الطائرة وسافروا إلى وجهتنا وقرأوا دعاء السفر معنا فأين خصوصيتنا؟ فهل هذا من باب المتعة أو التباهي؟ أو من باب موتوا بغيظكم أو شاركونا أفراحكم؟ في الحقيقة لا نعرف وكل يغني على ليلاه، والحكم على الشيء فرع عن تصوره فمن يرسل مع التحية لفلان، أو إياك أعني واسمعي يا جارة وكل يرى تلك الرسائل من وجهة نظره وتفكيره ومدى حبه وتقديره فيقرأ ويبتسم حين يراك من خلال مخيلته ومنهم من يقطب حاجبيه ويبدأ بنسج شبكة من التصورات والتحليلات وكل ما هو آت آت ولكن إلى متى؟ والدائرة تتسع والغيرة تشتعل، فلانة تصل لها أحلى الهدايا وفلانة تلبس من أغلى الماركات وفلانة تسافر كل الإجازات وفلان يشتري أغلى السيارات وعنده القصور والعمارات وهناك من يرى ويقارن ويتمنى ويحاول وما في اليد حيلة، والعين بصيرة والأماني كبيرة، لا أقول لا تصوروا ولا تتواصلوا ولكن لا تدسوا السم في العسل ولا تتعمدوا التباهي والتفاخر على الناس، قد يكون المقصود بالرسالة شخصاً واحداً أو فئة معينة من الناس قد لا يصيبهم السهم المقصود ولكنه أصاب الكثير من القلوب، فرفقًا بمن يرى ما ترسله فكم من محروم وكم من مصدوم وكم من لديه قصة فكنت من يكتب له نهايتها، وكم من بيوت هدمتها الغيرة والمقارنة بالغير، والانخداع بالمظاهر الكذّابة، ولو أن كلاً منا حاسب نفسه وتخيّل أنه المستقبل لتلك الرسئل لتغير المفهوم واتضح المقصود وانتقينا عباراتنا بشكل دقيق وبعثنا صورنا بوجهها الصحيح، وجعلنا من رسائلنا حمامة سلام، وعامل بناء، فالرسالة إذا بعثت من قلب محب وصلت لمن نحب صافية من كل الشوائب خالية من كل المقاصد الملتوية والعبارات المزيّفة وتلك هي الرسالة التي تستحق أن ترسل والصورة التي نود تنشر وهذا هو التواصل بالمفهوم الصحيح وما نتمناه أن يصل للجميع دون خداع وتكذيب أو غاية من التوصيل، حافظوا على خصوصيتكم،وأغلقوا الباب على أحلامكم، وافتحوه بقدر أحبابكم، ولا تجعلوه متاحًا لكل عابر سبيل.
** **
- سعاد بنت محمد الحسن