علي حسين (السعلي)
سنبحث عن منهج بنيوي درامي ، ربما هذا مصطلح جديد نخترعه لكننا نؤمن بأن البنيوية هي تشمل الشكل والأسلوب واللغة ومقوماتها بمعنى توأمة القصة المقدمة، العرض ، الحبكة، العقدة ، الحل ، الخاتمة ما أقصده في هذه الدراسة : كيف نجعل المنهج البنيوي مطواعا دراميا غي إحداث فلم ما ؟
- أهمية الدراسة، ولماذا يستحق النظر ولماذا اخترته ؟
اخترته لأجل الربط بين البنيوية والدراما، وهذا يحتاج منا البحث تعريفا ثم انطلاقة هذه التوأمة أو الربط إن جاز لي التعبير.
اللفظ «بنية» وجدناها مشتقة من الفعل الثلاثي «بنى»، وهي في المعجم الوسيط «هيئة البناء، ومنه بنية الكلمة: أي صيغتها». أما من حيث الدلالة الاصطلاحية، فنجد «معجم المصطلحات الأدبية» يقدم التعريف التالي: «البنية نظام تحويلي، يشتمل على قوانين، ويغتني عبر لعبة تحولاته نفسها، دون أن تتجاوز هذه التحولات حدوده، أو تلتجئ إلى عناصر خارجية. وتشتمل البنية على ثلاث سمات، هي:
1. الكلية(الشمولية) وتعني خضوع العناصر التي تُشكّل البنية لقوانين تُميّز المجموعة كمجموعة، أو الكل ككلّ واحد، وهذه الخاصية انطلقت منها البنيوية في نقدها للأدب من المُسَلَّمة القائلة إنّ البنية تكتفي بذاتها، ولا يتطلب إدراكها اللجوء إلى عناصر غريبة عنها وعن طبيعتها، فالعمل الأدبي إذًا يخضع لعدة قواعد وقوانين تطبع هذه العناصر بصفات تختص بها هذه العناصر عن غيرها، أي أنّ البنيوية تضيف طابعًا من التركيبة على العمل الأدبي، مثل خاصية شمولية البنية وكليتها التي لا تسمح بالاكتفاء بأجزاء منها عند الدراسة، وكذا لا تسمح بإدخال ما ليس منها؛ لأنّ ذلك يؤدي إلى تغيير في البنية
2. التحول :يعني أنّ هناك قانونًا داخليًّا يقوم بالتغيرات داخل البنية التي لا يتبقى في حالة ثابتة فهي دائمة التغير، فكل عنصر من عناصر المنهج يتضمن جزءًا من البناء الداخلي للعمل الأدبي وله دور في البناء الهيكلي للعمل، وهو ما يعطي النص عملية التجدد لكون النّص الخاضع للتحولات الداخلية حاملًا لأفكار في داخله منتجًا لأفكار جديدة إذا ما دخلت على البنية التحولات
3. التنظيم الذاتي (الانضباط الداخلي، وهذا ما أقصد لاحقا من الصوت الداخلي والخارجي للنص) أي أنّ البنية تستطيع تنظيم ذاتها بذاتها لتحافظ على وحدتها واستمراريتها، فكما يقول بياجي إنّ أي بنية باستطاعتها ضبط نفسها ضبطًا ذاتيًّا يؤدي للحفاظ عليها، ويضمن لها نوعًا من الانغلاق الإيجابي، وهو ما يجعل البنية تحكم الذاتية بمكوناتها، بحيث لا تحتاج إلى شيء آخر يلجأ المتلقي ليستعين به على فهمها ودراستها وتذوقها.
مشكلة الدراسة
في تحديد ملامح البنيوية رغم أنها ظاهرة فيما كتبت سابقا لكن في ربطها مع الدراما وهذا يجعلنا نبحث باختصار عن مفهوم الدراما :
«المرء لا يختار قدره، إنما القدر يختار المرء. هذه هى رؤية الدراما الاغريقية للعالم. وفلسفة المأساة -حسب أرسطو- لا تأتى، للسخرية، من نقاط الضعف فى شخصية البطل وإنما من حسناته. لا يتورط الناس فى المأساة بسبب عيوبهم وإنما بسبب فضائلهم. وأعظم مثل على ذلك مسرحية الملك أوديب لسوفوكليس. لم تكن مأساة أوديب كسله أو غباءه، وإنما شجاعته وأمانته، ولهذا لم يستطع الهرب من مهازل الاقدار.
ولكن سخرية القدر تزيد عمق الشخصية، وتساعد علي بلوغها النضج. وعلي المدى الاعلي تكون المدخل إلي طريق الخلاص، إلي مكان تجد فيه الامل أكثر شمولية « .
اسئلة البحث
وهل هناك صوت داخلي بفيلم 200جنيه وخارجي ؟
ماذا يخبرنا به الفيلم؟
يعتمد العمل على 8 قصص مختلفة ومتنوعة
يدور الفيلم حول مبلغ 200 جنيه تنتقل من شخص لآخر من مختلف الطبقات الاجتماعية والأماكن السكنية، حيث السيدة عزيزة التي يسرق ابنها عنتر 200 جنيه من معاشها، ويتفق مع صديقه شيمي على اقتسامها، وتدور الدوائر..
إخراج: محمد أمين
تأليف: أحمد عبدالله
طاقم العمل: أحمد رزق ، أحمد السقا، هاني رمزي، إسعاد يونس ، خالد الصاوي ، طارق عبدالعزيز، صابرين ، ليلى علوي:
الشخصيات وعلاقتها مع بعض
- الأماكن وارتباطها بمكانين مختلفتين بدولتين
العنوان وعلاقته بعزيزة السيد
الثيمة التي اثقلت الفلم بحمولات « الراقصة والتي تتكرر في أفلام السينما المصرية من قبل السيناريست
الواقع من منظور درامي بالفيلم
من قلق وصراخ صامت مشوبا بالفرح والحزن وعلاقتها بالعنوان 200جنية من خلال استحداثالواقع من منظور ورقة نقدية واستباق الأحداث في الفلم من خلاص كل حكاية فيه .
وأخيرا القيمة والهدف
الثيمة التي يحملها العرض ولغتها:
المفردات والدلالات ومعانيها من خلال اللغة تحمل هم الفقر في الشارع المصري المعاصر وإن كانت إنتاج الفلم عام 2021وتم عرضه على التلفاز عام 2024 يدل على أننا في فلم يبحث بلغته المثقفة لنخبة مثقفة بعيدا عن ال أحلام الوردية وخيال وطموح كل إنسان بتملك المال بأي طريقة كانت مشروعة أم غير مشروعة هذه نقطة جدا خطيرة وهي : أن في سبيل المال نضع كل الأخلاق الحسنة للأسف تحت أقدامنا ونضع ذريعة الفقر شماعة لأخطائنا ، من أجل القلق على مستقبلنا وأولادنا تكررت في حكايتين في حكاية الراقصة التي ترقص لأجل تعليم ابنها ، الفنان خالد الصاوي في دور الطبقة البرجوازية وكانت التفاتة من المؤلف مهمة حتى هذه الطبقة تحتار مع نفسها في حواره مع الشغالة من خلال مشاهد بنتو مايم مشهد صامت أخرجه محمد أمين من صدريهما أقصد الغني في فلته والشغالة التي تعمل فيه وحين يتواجهان يلبسون على وجهيهم الأقنعة ، أما حكاية الفنان أحمد السقا النقطة البيضاء في جبين هذا الفيلم فرغم ظروفه إلا أنه ساعد السباك ودفع نقود عمليته ، كذلك دافع عن السيدة من التحرش الذي تعرضت له ليبقى الولد الجدع بطلا هيرو مهما تكالبت عليه الظروف وقال كلمة لخلصت الثيمة التي يحملها الفلم وهي « المركب الي لله مش حيغرق»
الشخصيات، الأماكن وعدم ارتباطها ببعض
هذا القلق يستمر في الشخصيات حتى في منطوقها الشخصيات بلهجتها المصرية الحارة الشارع ، الفيلا ، الشقة ، غرفة أو غرفة وصالة ، محل مرقص وأصوات الأغاني , المستشفى ، الأستاذ الجامعي وقاعة الطبل مع طلابه ، كل هذا وأكثر ليقول لنا المؤلف والمخرج معا وكل عناصر الفلم بأن الواقع أكثر من ذلك بؤسا وفقرا
الصوت الداخلي بخلاف الموسيقى التصويرية
إذاً فأين الصوت في العرض ؟
صوت الشخصيات الكادحة التي تبحث عن خرم إبرة للعيش بسلام عزيزة السيد مع ابنها عنتر وسرقة المئة جنية ومنها انطلق الفلم للعالم الحكايات ثم عادت لعزيزة هذه الورقة النقدية في يديها ولكن متى ؟ بعد أن مات عنتر هنا هبوط 200جنية إلى حقيبة يد ثم صعودها بسرقة عنتر لها في يده ثم تناقلتها الأيدي بعد ذلك ، ثم عادت في آخر الفلم ليد عزيزة لتسقط على الأرض في الحارة اليد كانت محور الحكاية والنقود تحكي سردا دراميا هذا الصوت الداخلي في الفلم حركة 200 جنية وهي تنتقل من يد ليد وهذه الأيدي من حرامي ، عامل البنزين ، الرجل الجدع ، الأستاذ ، الفنانة ، الغني ، الفقير، الراقصة ، الأنثى الخائنة .. هي مختصر ومفترق كل الحكايات
أما الصوت الخارجي فيبدأ بالتالي:
صوت الشاحنة ، التاجر الذي طرد العاملة المسكينة ، الآلات تنفيذ مشهد سرقة الحقيبة في الدور الذي قامت به الفنانة صابرين ، المشهور الذي يقول ما يبطنه من أجل المال وضرب لمبادئه عرض الحائط .. كل هذا وأكثر صوت خارجي تعامد مع صوت الشخصيات قلقا ورعبا وحزنا وفرحا وإلهاما وتعاملا وخططا وأهدافا وهبوطا وصعودا في إيقاع الفيلم وأحداثه:
الانتظار ، القلق ، الشوق ، الحنين ، الصراخ فما الذي يدل على ذلك ؟ إنه في حركة الشخصيات واسترجاعه للذكريات»)
الخاتمة:
إسعاد يونس صاحبة السعادة
تعود إسعاد يونس إلى السينما بعد غياب 11 عاما حيث كان آخر أعمالها السينمائية فيلم زهايمر عام 2010.
لماذا اختارت هذه المبدعة العودة لسينما من خلال فلم 200جنيه ؟ لأن الفيلم يستحق أن كل مبدع وفنان أن يشارك فيه، ولأنها صاحبة السعادة سعاد فأكيد عرفت أن الفيلم لديه رسالة قوية ولأنه يحكي الواقع بكل تفاصيله وتجلياته، كثرا ما كنت اسأل نفسي بعد مشاهدة فلم 200 جنيه: لماذا لم يختار مسؤولو الفيلم اسم « غزيزة السيد»؟ والتي قامت بدور البارعة إسعاد يونس ، المشاهد كلها لا تتعدى ثلاثة إلى أربعة مشاهد تمثيلية لكنها بلغة السينما « مستر سين « علامة فارقة في الفيلم حتى هذه الفنانة المبدعة ظهرت دون مكياج ولا ميك أب ولا شيء لأن الدور يتطلب ذلك إن لحظة وصول في يدها 200 جنيه الذابلة بعد أن تناقلتها الأيدي ومعرفتها عزيزة بأن ابنها عنتر مات بعد أن دعت على من سرق نقودها مشهد درامي بامتياز يدرّس..
خلاصة البحث
إن البنيوية هي اللغة موت المؤلف الشكلانية عن الروس .. بينما أصل الدراما هي فعل ، حركة ، مواجهة ، صوت وكذلك لغة حروف تنطق ، وجسد يتحرك كلاما ، فاجتمع المنهجان إن جاز لي التعبير في فيلم 200جنيه ، وهذا ما خلصت منه اجتهادا نقديا ودرسا في التطبيق.