قال محمد بن سلام الجمحي، قال يونس بن حبيب: «أول من تكلم بالعربية ونسي لسان أبيه إسماعيل بن إبراهيم صلوات الله عليهما».
وفي الأثر: «أول من فتق الله لسانه بالعربية المبينة إسماعيل وهو ابن أربع عشرة سنة».
قال ابن حجر معلقاً على حديث ابن عباس الذي رواه البخاري في قوله: «وتعلم العربية منهم»، فيه إشعار بأن لسان أبيه وأمه لم يكن عربياً، وفيه تضعيف لقول من روى أنه أول من تكلم بالعربية، وروى الزبير من حديث علي بإسناد حسن قال: «أول من فتق الله لسانه بالعربية المبينة إسماعيل»، وبهذا القيد يجمع بين الخبرين، فتكون أوليته في ذلك بحسب الزيادة في البيان لا الأولية المطلقة، ويشهد لهذا ما حكاه ابن هشام عن الشرقي عربية إسماعيل كانت أفصح من عربية يعرب ابن قحطان.
فنقول إن اللغة الفصحى نشأت في عصر متأخر من ظهور العربية، فبدايتها كانت مع إسماعيل عليه السلام، وما زال بنوه يهذبون فيها، وتأثرت بهم بقية العرب المجاورة؛ لقصدهم إلى ديار بني إسماعيل في الحج.
وهذه اللغة تظافر فصحاء العرب وبلغاؤهم في وضعها وذلك يظهر فيما يأتي:
- اختيارهم اللغة الأدبية، أو ما يسميها بعض العلماء لغة قريش، وهي انتقاء أجود ما تنتجه القبائل العربية، ودمجه في لغتهم.
- اعتناء الشعراء بقصائدهم، وتحبيرها ومراجعتها، وهذا يولد عبارات وأساليب راقية، ونماذج عالية من اللغة.
- افتخار القبائل بوجود شاعر فيهم؛ لأن الشاعر يعير عنهم بأجمل العبارات وأجزل الكلام.
- الحث على حفظ الشعر والتحضيض على روايته.
يقول شوقي ضيف: «ليس من السهل تحديد الزمن الذي اتخذت فيه لغتنا العربية شكلها النهائي الذي تصوره الفصحى الجاهلية، وهذه الصورة التامة لم تصل إليها إلا بعد مراحل طويلة من النمو والتطور، فتكاملت الفصحى نفسها، وأخذت شكلها النهائي بشهادة نصوص الشعر الجاهلي الذي يرجع أقدمها إلى أواخر القرن الخامس، فمنذ هذا التاريخ تقاربت لهجات القبائل، وأصبحت هناك لغة أدبية عامة هي الفصحى، ينظم بها شعراء العرب جميعاً شعرهم»، فنزل القرآن في المرحلة الأخيرة التي فيها كمال العربية، وعلوها فصاحة ًوبيانا وإبلاغا.
** **
- محمد الخنين
aooa14301@