الثقافية - كتب:
صدر كتاب: «دراسات نقدية في الأدب السعودي»، للدكتور: محمد بن عبدالله العوين، الذي صدر هذا العام 2024م، وهو كتاب من القطع المتوسط، يقع في (400) صفحة، صدر عن دار الثلوثية، تضمن إلى جانب مادته ملحقًا للصور في (25) صفحة حوت لقاءات للمؤلف في مناسبات متعددة، إلى جانب صوره مع عدد من الشخصيات الأدبية الذين التقى معهم خلال مسيرته في الإذاعة والتلفزيون السعودي، يقول المؤلف في سياق حديثه عن هذا الكتاب: «في عطلة صيف عام 1393هـ كانت مكتبة النور كما كانت تُسمى آنذاك التابعة لوزارة المعارف بمدينة حوطة بني تميم ملجأي ثلاثة أشهر الصيف، أقضي فيها ثلاث ساعات صباحاً من بعد التاسعة ضحى وساعتين مساءً من بعدِ الرابعة عصراً ، فقرأتُ في تلك الفترة عشرات الروايات والكتب التاريخية والأدبية والقصص الشعبية وغيرها، بالإضافة إلى ما يرد للمكتبة من المجلات والصحف.
فكانت روايتا «ثمن التضحية» و «ومرت الأيام» لحامد دمنهوري من أنفس ما وقع في يدي من القصص والروايات العربية المطبوعة في بيروت والقاهرة وغيرهما من العواصم ، لم تكن وزارة المعارف - آنذاك تبخل بالشراء من دور النشر المحلية والعربية وتزويد مكتباتها العامة المنتشرة في أنحاء المملكة بالجديد والتليد ؛ بل إنها من حرصها على المحافظة على ما تزود به المكتبات لا ترسل الكتب إلا مجلدة تجليداً ممتازا في الأعم الأغلب من الكتب.
قرأت ثمن التضحية للدمنهوري، وسرح خيالي بعيداً مع القاص الماهر الحاذق الملتقط أدق التفاصيل في حياة شخوصه، فدخلت معه إلى بيت العائلة المكية، وتعرفتُ على نمط تفكير الأم المسنة، وحياء وخفر الفتاة المراهقة الأمية آنذاك فاطمة، وتطلع الشاب المتوقد المحتشد بالآمال العراض أحمد، وصفاء المودة وعمق التعاون بين الأخوين المسنين والدِ أحمد ووالد فاطمة اللذين تعاهدا ضمناً على أن الفتى للفتاة.
بسط الروائي القولَ عامداً في تتبع المفهومات التقليدية في الأسرة حينما يكون معظم أفرادها غير متعلمين؛ وعلى الأخص طبقة الأمهات اللائي لم يدركنَ فرصة التعليم، فلم ينلن منه إلا حظاً يسيراً على أيدى الفقيهات في الكتاتيب يُقمن به أمور دينهن ويعلمن منه ما ليس منه بد لإقامة الصلاة والصيام وسائرِ فروضِ الإسلام كقراءة القرآن وفهم بعض الأحاديث النبوية.
ثم نقلني القاص عبر تطور أحداث روايته أو لأكون دقيقاً في التعبير من الجانب العلمي سيرته الروائية التي صاغها على أنه بريء بعيد عن أحداثها ؛ بينما تكمن الحقيقة في التفاصيل وفي مقارنة حياة الكاتب الأسرية والعملية الحقيقية بما نسجه من خياله اعتماداً على الحقائق الواقعية التي عاش كثيراً من فصولها ، فهو ابن مكة، وهو ابن الحارة الشعبية، بل أكاد أقول إنه ابنُ سوق الليل أو سقيفة الصفا أو الأسواق القريبة الملتفة حول الحرم الشريف، وهو الشاب النابه المتطلع إلى المعرفة الذي ارتحل إلى مصر للدراسة في جامعتها حينما لم تكن في مكة أو جدة أو الرياض جامعة آنذاك، كما هو شأن بطله أحمد في روايته، فلا غرابة أن نضعه في مكان أحمد، وأن نتصور أن فاطمة هي ابنة عمه التي ضحى من أجلها فوفي بوعد أبيه لعمه ووعد أمه لزوجة عمه وقسى على قلبه فتناسى قصة الحب أو الإعجاب العاصفة التي نشأت بينه وبين سعاد الفتاة المصرية المثقفة المطلعة المحاورة الشغوفة بمتابعة الأفلام ومشاهدة أول عرض لها في دور السينما في القاهرة. لقد التقاها صدفة في الجامعة فنشأت علاقة عاطفية متنامية متصاعدة كما هو شأن أي شاب وشابة يجمعهما محيط عمل أو دراسة، فذهبا سوياً يتمشيان على النيل، ودخلا معاً لمشاهدة أفلام، وجلسا في قاعة واحدة للاستماع إلى محاضرة أستاذ في الجامعة، وتبادلا العواطف المشبوبة، وخرجت منه بوعد الزواج بعد مرور فترة طويلة من العلاقة حين وجد فيها الفتاة المثقفة الحلم، وأخذ خياله بين حين وحين يذهب به إلى فاطمة في مكة فيراها الأمية أو شبه الأمية الخجول التي لم تقرأ ما قرأت سعاد ولم تخض في مجال المعارف والحوارات ما خاضت سعاد، فكيف يمكن أن يفي لوالده وعمه بذلك الوعد الأسري القديم الذي صاحبهما منذ ولادة فاطمة وترعرعها وبلوغ أحمد ونضجه على مشارف البلوغ ؟ إنه وعد أشبه بالحصار أو أقرب إلى الاعتقال العاطفي أو غلق الأبواب فلا يرى خارج بيتي أبيه وعمه من العالم شيئاً»، ويعكس هذا الكتاب جانبًا من تاريخ الأجناس الأدبية السعودية ومسيرتها الحافلة.