سهام القحطاني
- 2 -
نحن اليوم أمام «ثقافة جديدة للصورة» لم تعدّ تحت حكم السينما والتلفاز، لتنفرد بخصوصية الخطاب الذي يوجزها الغذامي في الثقافة التلفزيونية بقوله»إن فعل الصورة و مفعوليتها لا تكون عبر تصديقها أو تكذيبها،إنما عبر قدرتهاعلى إحداث الأثر»، و كذلك قدرتها على خلق مؤثرين جدد.
فمن هم المؤثرون الجدد في زمن التفاهة.. أو الثقافة الجديدة الصورة في معناها الإضافي وليس التأسيسيّ؟.
لكل زمن مؤثروه؛ ففي زمن الحرب يبرز الأبطال و الشعراء، وفي زمن النهضة يبرز العلماء والمفكرون، وفي زمن التفاهة يبرز السطحيون و المسالمون و المبتهجون الذين يرون الأمور كما هي بلا سلة فكرية، هم البسطاء الذين يفضلون النظر إلى الجزء الممتلئ من الكوب، وهم المتمردون و الغاضبون والمحبطون من الحياة والذين يعبرون عن غضبهم و إحباطهم بالتصادم و لمس الأكتاف،وهم المهرجون الذين يقفزون فوق حبال رغبات الناس و غرائزهم، وهم القلة من الجاديين.
وهذه الأصناف موجودة في كل خطاب ثقافي عبر العصور، لكنها لم تكن هي المسيطرة على الثقافة، ولم تكن تملك حق تأسيس «قيم جديدة غير تقليدية و غير معروفة» الغذامي.
ولكل صنف جمهور داعم، أي أننا أمام «تبعية ولاء».
فكيف نشأت «طبقة المؤثرين الجدد في زمن التفاهة أو الثقافة الجديدة للصورة»؟ وأظن أن هناك أربعة عوامل، ولكن قبل التطرق إليها.
هل استطاع المؤثرون الجدد بمحتواهم المقدم من خلال الصورة الحيّة أن يمثلوا ثقافة جديدة تؤسس خطابا مختلفاً عن خطاب ثقافة الصورة الذي تصاحب مع نشأة السينما أو التلفاز؟.
استطاع المؤثرون الجدد أن يشكلوا، بقصد أو دون قصد، نصا تداويا له معجمه اللغوي الخاص،وأنماطه السلوكية و قوانينه الذوقيّة وخط إنتاجه الإعلامي بمفرداته التسويقية الذي انتقل إلى جمهورهم عبر الأثر، لتأتي «قدرة الصورة على تأسيس دلالات مزدوجة بما أنها تورية ثقافية جديدة وحادة الأثر، فمن حيث هي نقلة أولية في الحركة»،الغذامي.
أما كيف نشأت طبقة المؤثرين الجدد؟.. فعبر المظاهر الآتية:
* صناعة الصورة ونجومية صانعها؛ ترتبط نشأة كل مؤثر في زمن ما بخصوصية الوسيط الذي يسهم في خلق تأثيره، فكان « الشعر» الوسيط الذي خلق من الشعراء مؤثرين ،ثم جاءت «النظريات « كوسيط خلقت من المفكرين مؤثرين، ثم ظهرت السينما و التلفاز كوسيط خلقت من الممثلين مؤثرين، ثم جاءت الصورة عبر حائطها الافتراضي كوسيط خلق من محتوى و صانع تلك الصورة مؤثرا عبر محتواه الذي يعتمد على الصورة وحركتها في اتجاهاتها المختلفة والمتضمنة لنمط تفكيري و سلوكيّ ولغوي خاص في مجمله ترفيهي لا يعني بمنظومة قيّم، وهو ما يجعل محتوى تلك الصورة أسرع تأثيرا في الفهم و التداول، وهذه «خاصية دلالية للصورة تجعلها حرة و مستقلة عن أي سلطة تأويلية سابقة.» وتخلق من صانعها»القائد الفكري والثقافي»-الغذامي-
* فئة الجمهور، المراهقون وهي الفئة الأكثر انجذابا إلى الصورة بثقافتها الجديدة كونها «صيغة لغوية جديدة»-الغذامي. صيغة يتضمن محتواها التمرد الذي يعتمد على الغرابة و التصادمية و المغامرة والذي يتوافق مع خصائص المراهقين و طرقهم في التعبير عن ذواتهم،و بالتالي فإن تلك الصيغة الجديدة «تعطي مجالا للمزيد من البشر للتعبير عن أنفسهم»-الغذامي- وتكشف «ما يحبه الناس و يندمجون فيه..وهو ما يوافق أهواءهم المكبوتة»-الغذامي.
* الواقعية،إنّ كل ما نراه هو صدق من حيث الإدراك الحسي، فما يقدمه المؤثرون الجدد من خلال محتواهم هو حدث حيّ صادق بالواقعية من خلال الحركة و الكلام في نظر جمهورهم، وهذا التساوي بين واقع محتوى الصورة و واقع المتلقي أعطى المحتوى»فعلا تأثيريا إضافيا»الغذامي،كالصدق والتعايش و المشاركة الوجدانية.
* التفاعل الحيّ،إن الاختلاف الأكبر و الأعظم في «الثقافة الجديدة للصورة» هو التفاعل الحيّ بين الجمهور و المؤثرين مباشرة من خلال «البثوث الحيّة» أو التعليقات و الردود،و من خلال ذلك التفاعل الحيّ يخلق المتأثر كما المؤثِّر مساحته الخاصة للفضفضة من خلال هوية افتراضية تمنحه حائطا عازلا عن المسؤولية،
وفتحت «مجالا تعبيريا عريضا لفئات بشرية واسعة لكي تفصح عن نفسها»-الغذامي-
وهذا التفاعل الحيّ يحقق للمتلقي «إلغاء السياق الذهني للحدث» وهو إلغاء يرفع عنه جهد فهم اللغة ويجعلها في «خانة المهمل» «وعزل العلاقة المنطقية التقليدية في الارتباط بين الأسباب والنتائج»-الغذامي-
وهو عزل يحمى الصورة من أي مساءلة أو محاكمة من قبل المتلقي ويحمي في ذات الوقت المتلقي من ضمير أنساقه الثقافية.
إن المؤثرين الجدد أشبه بقول إيريك هوفر هم»الحجر المطروح في الشارع» الذي يُصبح حينا « حجر الزاوية في بناء عالم جديد»- ص53ت/غازي القصيبي-المؤمن الصادق.