حامد أحمد الشريف
لن نأتي بجديد إذا تحدثنا عن الفرق بين النقد والانتقاد، ومع ذلك فإن الخلط بينهما يقع في كثير من الأحيان، حتى من أهل الاختصاص المعنيين بهذا الفرع المهم جدا من الأدب، فنجد الناقد يمارس الانتقاد بأعلى صوره؛ وهو يظن في نفسه أنه ينقد النصوص التي أمامه. وذلك يدفعنا إلى اختبار ما نقول وما نكتب في حديثنا عن النصوص، وأن نوازن بين السلبيات والإيجابيات ونشتغل على كليهما بنفس الدرجة من الأهمية، بل قد يكون الاهتمام بالمحاسن هاجسنا الحقيقي؛ لما فيه من ترقيق للقلوب والتواصل الجيد مع الاستدراكات التي ستأتي لاحقا، والأهم من ذلك كله أن البحث عن المزايا يغذي مخزوننا من المهارات والمعارف، وهو ما نحتاجه بالفعل لتطوير مهاراتنا في كل الاتجاهات، ما يعني أن القراءة الناقدة بصورتها المثالية والمتوازنة سبيلنا للتعلم، إذ إنها تبصرنا بخلل نصوصنا ومواطن قوتها، وتيسر لنا الوصول إلى للكتابة الإبداعية التي نبحث عنها.
يتحقق كل ذلك يقينا بالعودة إلى أرشيف إبداعاتنا العربية، وتلمس النصوص التي تحقق استفادتنا القصوى من تدارسها ونقدها؛ بما تحويه من مهارات كتابية، وإظهارها لتقنيات سردية قد لا نجدها في كل النصوص؛ خاصة بعض النصوص المتقدمة التي نحت السرد جانبا، واستهانت باشتراطاته في مقابل مواكبة احتياجات العصر، من سرعة غير منضبطة، واستسهال ممجوج، واستخدام الأدب وسيلة للظهور والشهرة، وبالتأكيد يأتي في مقدمة هؤلاء العمالقة الكاتب المصري الكبير «يوسف إدريس» الذي يعد في نظر كثير من النقاد ضمن المؤسسين للقصة العربية الحديثة، وله أرشيف غني من القصص الإبداعية التي يمكن تعلم كتابة القصة القصيرة من خلال قراءتها.
إن وقفتنا هذه ومحاولة تشريح نصوصه، هي ما نحتاجه بالفعل للتعلم الحقيقي حيث إن قيمة النصوص لا يظهرها غير مشرط النقد؛ الذي يفشي أسرار جمالها، ويفاقم من دهشتنا عند الانتهاء منها، فالجمال كما هو معلوم في الأغلب ما يطمس عقولنا، ويجعلنا لا نقف على تفاصيله؛ إن لم نحسن التوقف، وتجاوز لحظة الانبهار الابتدائية، ومحاولة اكتشاف أسراره. وهو ما سنقوم به في تدارسنا لنص «الشهادة»؛ بداية من عتبة العنوان الذي أتى بمفردة واحدة، خلقت لنا تساؤلا مستحوذا لا نملك الإجابة عنه، فعن أي شهادة يتحدث؟!
إن هذا العنوان الإبداعي حقق هدفا رئيسا في الكتابة السردية، بطرحه سؤالا تصعب الإجابة عنه، أو الجزم بإجابة محددة ومباشرة من دون الاطلاع على تفاصيل السردية، ما يعني بكل بساطة؛ تكفله بأول خيوط تعلق القارئ بالنص، محققا المرجو منه بدرجة امتياز، وهو ما ضمنته مفردة الشهادة لاحتمالها عدة معانٍ؛ غير محسومة، كشهادة التوحيد، والشهادة التي يعتمد عليها للتحاكم والفصل بين المتخاصمين، والشهادة الدراسية، والشهادة التي تخولنا للنهوض ببعض الأعمال، والشهادة الصحية، وكذلك الموت في سبيل الله، وغيرها من المعاني المتصلة بهذه المفردة العميقة.
كل هذه الاحتمالات لم يحسمها العنوان، وإنما طرحها للبحث والتقصي واشغال الذهن بها، فيكون بذلك قد حقق مبتغاه؛ بربط القارئ بالنص، عكس العناوين الفاضحة التي تفقد قيمتها وتكشف النص مبكرا، وفي كتابة القصة الإبداعية يعد هذا مطلبا مهما جدا لا تنازل عنه، ما يشير بوضوح إلى نجاح النص في اختيار العنوان.
ومع إيماننا بأهمية العنوان، واعتباره نقطة الانطلاق في قراءة النصوص، إلا أنه لا ينهض بهذا الدور وحده، إن لم تواكبه بقية عناصر السرد وتمنحه القوة التي يريدها، وتأتي البداية ضمن أهم العناصر التي تختبر جودتها في النصوص، ولقد كانت في هذا النص على قدر المسؤولية، فلم تفصح عن شيء يتعلق بالعنوان، وإنما وصفت لنا موقفا ما، فيه تنشيط للذاكرة، ودفعها لاجترار زمن ماضٍ وربطه بالزمن الحاضر، والانطلاق في سرد وصفي لا يجيب عن الأسئلة، بقدر ما يزيد من غلتها ويخلق استفزازا حقيقيا يزيد من التعلق بالنص، ومحاولة فك شفرته، نشعر بذلك من خلال قوله:
«ما كدت أضع قدمي في قطار حلوان حتى استرعى انتباهي رجل جالس في آخر العربة، منهمك في مطالعة جريدة.
وتوقفت لحظة، وفي ثانية واحدة كان كل شيء أعرفه عن هذا الرجل قد بدا في ذاكرتي كالأنوار الخافتة البعيدة، وأمسك وعيي بخيوط واهية تربطني بجزء قديم من حياتي وراح يجذبها برفق. وفي كل جذبة كنت أستعيد يوما.. وأياما.. وأعواما غير قليلة قضيتها في مدرسة دمياط الثانوية، وأستعيد معها أحلام صباي وسحرية دمياط تتقاذفها وتلهو بها، وأماني مراهقتي تدفعني وحيدا غريبا في عالم البلدة الذي يكسوه ضباب شاعري يلف الناس والوحدة والسكون..» انتهى كلامه.
وكما نلاحظ، فإن النص بدأ يأخذ بأيدينا ويساعدنا للوصول إلى الحكاية، ولكن بطريقة متدرجة غاية في الجمال والروعة، وبلغة باذخة من دون كشف كل أوراقه، وشكل بذلك البداية المستفزة لحواسنا التي تسأل أكثر مما تجيب، وهي الصفة التي ينبغي أن تكون عليها النصوص الإبداعية، قبل بلوغنا النهاية وعثورنا على الإجابات المطلوبة، التي تستديم حضورنا حول النص وتخلق قيمته الباقية. نلاحظ ذلك في قوله:
«وجاءت المعادي وكاد ينسى أنها محطته، وشد على يدي وهو يشكرني بأنصاف كلمات ولا أدري على أي شيء كان يشكرني، ودعته حتى باب العربة.. وابتعد القطار بي وهو يلوح بيده، وفرحة كبيرة تقلق خطواته، والابتسامة تتموج في وجهه، وسعادة غامرة تطفح من عينيه.. كان كالطفل الذي نجح للتو في الشهادة الابتدائية». انتهى النص.
إن هذه النهاية المدهشة تحسم جدل العنوان، الذي أصبح يشير إلى شهادة إتمام الدراسة الابتدائية، فما علاقتها بالصراع الكبير الذي سردته القصة، وأخذ منها أربع صفحات من القطع الكبير؟! وحتى نكتشف كل ذلك الجمال، سنصطحبكم معنا في رحلة ماتعة نتجول خلالها داخل النص، وسنحاول معرفة قيمته الحقيقية اعتمادا على عناصر السرد الأربعة، (المكان، والزمان، والصراع، والشخوص) التي تشكل بنيوية النص وهيكليته المحورية، المتعلقة بالحكاية أو الفكرة التي خلق هذا النص من أجلها.
وفيما يتعلق بالمكان نجد أن النص وظفه بشكل متزن، لا يتجاوز احتياج الصراع فظهر لدينا بداية «عربة القطار» و»المقاعد المتقابلة» وذكرت اسما فقط ولم توصف، بسبب عدم تداخلها مع السرد، إلا بهذا القدر، كما هي الحال نفسها مع مدينة «حلوان» ومنطقة «المعادي»، بينما في المدرسة الثانوية بدمياط، كان الأمر مختلفا، فنجد السارد قد احتاج لوصف أكبر، كونها الفضاء المكاني الذي شهد أغلب الصراع فذكر أنها «كبيرة» و «حوشها واسع» و «الفصل الضيق» وذكر «الصفوف الأمامية» و»الصفوف الخلفية»، ولعل من المهم الانتباه لمثل هذه الأمور البسيطة في قراءتنا التعلمية للنصوص فأغلب ترهل النصوص يأتي من هذه الموازنات الخاطئة، عندما نسرف في إحضار جزئيات من عناصر القصة من دون الحاجة لها.
ومع الزمن، وهو العنصر المهم جدا في تحديد قيمة النصوص الإبداعية، نجد المؤلف وظفه بدقة متناهية وبالقدر الذي يحتاجه، فأطلعنا على ثلاثة أزمنة، هي الزمن الماضي، والزمن الحالي، والزمن الذي عاشه بيومي بعيدا عن طلابه وبلغ عشرة أعوام. ثم الإشارة إليها بعبارات بسيطة تؤدي الغرض منها دون زيادة أو نقصان، واختزلها النص في التغيرات الطفيفة التي طرأت عليه، وكانت إجمالا تغيرات متوقعة صرحت بها مبكرا شخصيته الموصوفة، كانفصاله عن زوجته، واتجاه ابنه للسينما، واستيلاء طليقته على مرتبه، وازدراء القيادات التعليمية له، وبقائه في نفس موقعه القديم... وهو ما يشير إلى ضرورة تتبع الزمن في قراءتنا التعلمية للنصوص الإبداعية وترجمته في كتاباتنا المستقبلية.
وإذا ما انتقلنا في قراءتنا إلى الشخوص، نجد أننا نتحدث عن العنصر المهم الذي استحوذ على معظم مساحة السرد، فالنص أغرق في وصف الشخصيات، ولكن بتقنين ومنهجية احترافية، فرق خلالها بين الشخصيات، فأحضر بعضها وغيب جلها، وكان الحضور بقدر الحاجة فقط، كوصفه لأهل مدينة دمياط في قوله: «ومع أن تلاميذ الفصل كان لهم هدوء أهل دمياط». انتهى كلامه.
في وقت نجد النص قد أسرف في وصف البطل الحقيقي لهذه السردية، وأعني بذلك معلم الكيمياء وخصه بمزية لم ينلها غيره، عند تفرده بذكر اسمه الثلاثي «الحفني أفندي مصطفى» وهو الوصف الذي شكل احتياجا نصيا وأتى في مواضع متعددة، وكان ذلك مبررا، بسبب إدارة كامل الصراع حول هذه الصفات كقوله: «يكاد يحتل كل ما بقي في الفصل من فراغ، بكرشه الضخم ورقبته الغامضة المختفية وراء شحم كثير ينسدل من تحت فكه، ووجهه السمين ذي التجاعيد الغليظة، وسترته التي حال لونها والتي كانت أصغر بكثير من جسده، وسرواله الذي يحشو فيه ساقيه المنتفختين حشوا فيبدو كشراب طويل، وكلماته البطيئة التي تفصلها فترات حزق طويلة وهو يشرح، حتى إذا ما أخذه الحماس واستطرد مسرعا في شرحه تتلاحق أنفاسه لاهثة، ويمد يده يخرج منديله المنكوش يمسح به العرق الذي يقطر من حواف تجاعيده.» انتهى كلامه
هذا الاهتمام بالشخصية التي يفترض أن تكون سنيدة للبطل، وأفراد كل هذه المساحة السردية للحديث عنها، لم يلتفت لبطء السرد والملل الذي قد يتسرب للقارئ نتيجة ذلك، إيمانا منه بحاجة النص لهذه التفصيلات الدقيقة، خلاف قدرته على تقديمها بلغة أدبية غاية في الجمال، وبأسلوب فكاهي يقلل من تأثيراتها السلبية، وحتى ندرك أن النص يعي جيدا ما يفعل، نجده في مواضع أخرى إما غيب الوصف بشكل كلي أو حضر بالقدر الذي يحتاجه، كقوله في وصف طلاب الصفوف الخلفية: «وكان المخضرمون الجالسون في أواخر المقاعد هم أحسن من يقلدونه وأول من يضحكون عليه إذا أدار ظهره... إلخ» فنجد النص هنا اكتفى في وصفه بعبارة «المخضرمون» التي نفهم منها أنهم كبار في السن نتيجة إعادتهم للدراسة في نفس الصف بعد رسوبهم، وترك للمتلقي استكمال بقية الصفات التي عادة ما تلتصق بهم، فضرب عصفورين بحجر حيث أشعل فتيل ذكاء النص واقتصد كثيرا في وصفهم.
ومما يؤكد هذا المنحى الاختزالي في وصف الشخوص، وتوافقه في ذلك مع احتياجات السرد؛ إحجامه عن ذكر النواحي الجسدية لبطل هذه الحكاية، رغم إمساكه بزمام الحكي وقدرته على النهوض بهذا الأمر، مؤثرا وصف سلوكياته وردود أفعاله فقط بغية إظهار فعل المعلم وإيصال المغازي التي يستهدفها النص كقوله: «وبعد كثير بأن على الرجل أنه تذكرني.. وبالأحرى تذكر صبيا صغيرا يشبهني من تلاميذه» أي أن النص أشار فقط للجزئية التي تديم الصراع وتوصله إلى ذروته، ولقد نجح بالتأكيد في ذلك مع كل الشخوص، وهي الصفة الإبداعية في الكتابة التي نحتاج لمعرفتها وتطبيقها.
وإذا ما انتقلنا إلى الصراع نجد أنه انتظم بطريقة ذكية جدا ومدروسة، واصفا العلاقة المتوترة والكوميدية بين المعلم «الحفني» وطلابه وزملائه والكادر الإداري، ظهر ذلك في علاقة السارد المتكلم «الطالب» بمعلم الكيمياء في ثانوية دمياط وتحديدا في الحجرة الدراسية التي شهدت معظم هذا الصراع إن لم يكن كله. وهو الصراع الذي يستمتع به القارئ كثيرا رغم كبر المساحة المخصصة له، وتداخله مع مستهدفات فهمية، أرادها النص سنتحدث عنها لاحقا، وكل ذلك يشير إلى أهمية توازن المتن الحكائي بين القيمة والمتعة، في جميع مستوياته القرائية، وفي مقدمتها النص الظاهر السطحي؛ أو المستوى الأول، وأيضا عدم طغيان أحدها على الآخر، وهو ما تحقق بدرجة كبيرة في هذا النص كقوله: «ومع ذلك كان يعاملنا كالرجال الكبار، وكثيرا ما كان يقطع الدرس ويحدثنا عن متاعبه، فقد كان يقيم وحيدا في لوكندة، وكانت عائلته في مصر، فيكلمنا عن الجزار الذي خدعه وباع له رطلا من اللحم ثلاثة أرباعه عظم،.. الخ». انتهى كلامه.. وكما يظهر هنا نلاحظ المزاوجة بين ظاهر النص وباطنه بطريقة غاية في الإتقان والجمال.
تميز هذا النص الإبداعي أيضا، باعتماده على ضمير المتكلم في كامل السرد، بما في ذلك حديث النفس «المونولوج الداخلي»، بصورة مبتكرة؛ تجاوزت الصورة المتعارف عليها لهذا الضمير، التي تقصر عادة الحديث على الراوي المتكلم، وتهمش بقية شخوص السرد، فوجدنا الكاتب يستحضر ببراعة كبيرة بطل الحكاية «بيومي» بكل تفصيلاته الجسدية والنفسية والسلوكية والوجدانية، ويوظفه بطريقة رائعة داخل النص رغم إسناد سرد كامل الحكاية للطالب، فظهر وكأن السارد العليم هو من يروي لنا هذه الحكاية في تحدٍ كبير نجح فيه المؤلف بامتياز، يمكننا ملاحظة ذلك في قوله:
«وبين الفينة والفينة يردد:
- والله عال... أهو واحد من دمياط نفع... والله عال... واحد نفع..
وأقول له إننا كلنا نفعنا، ولكنه لم يكن معي، وإنما كان يستغرقه شعور قوي يشيع فيه أحاسيس لا عهد له بها».
يظهر هنا أن الراوي المتكلم استطاع باقتدار إحضار البطل السنيد بكل تفصيلاته من خلال وصف الحالة التي أمامه، مستخدما زوايا سردية معينة، جعلتنا نحيط بالموقف ونستظهر كل تفصيلاته التخييلية، ومهم هنا معرفة أن هذه التفصيلة الصغيرة ما كان لنا الحصول عليها؛ لولا قراءتنا الناقدة للنص التي ستؤهلنا لاحقا لكتابة نص يوازي هذا الجمال وربما يتفوق عليه.
وبالنسبة للحوارات السردية، فإنها حضرت بالقدر الذي يحتاجه النص فقط، فقنن ظهورها وتناسب حجمها وزرعت داخل النص بحرفية عالية، ولم تتجاوز احتياجات الصراع مطلقا وراعت كثيرا عنصر التشويق والإثارة واستخدمت سيميائيات توصل مغازي النص ومستهدفاته الفهمية والقيمية، أي أنها كانت حلقة وصل بين مستوياته القرائية وكان حضورها فقط في الجزء الأخير عند اقتراب الوصول لدهشة النهاية وحاجة النص لإيصال رسالته في قوله:
«وحين وصلت إلى هذا الحد انفجر في ضحكة طويلة اهتزت لها كل أرجاء جسمه، وزغدني في كتفي وهو يقول:
- يا شيخ اتلهي! اتلهي!
وحتى حين أطلعته على بطاقتي الشخصية وأنا أقول له:
- كل ده بفضلك.
بان عليه حرج كبير وضرب كفا بكف وهو يقول:
- في المدة القصيرة دي.. تبقى دكتور! دكتور!
وإذا نظرنا للنص من زاوية العمق والمضامين القيمية، سنجد أنه يعد الوجه الآخر لمسرحية مدرسة المشاغبين؛ في تعريته لمشهد التعليم في مصر، ومسلسل انحداره، ومناقشة أسباب ذلك بتجرد، حيث رمى جلها في سلة المعلم من خلال الأستاذ بيومي؛ الذي ظهرت علاقته الشخصية بالحالة السيئة التي كان عليها، وأغرت الطلاب بممارسة التنمر عليه، رغم الهدوء والأدب الذي يتصف به أهل مدينة دمياط، نتيجة شخصيته المهترئة، وإن أظهر الدور الذي تلعبه المنظومة التعليمية بإبقائها على هذه العينة من المعلمين الفاشلين، واستيلادهم، ورعايتهم بالإهمال الذى يعيشونه على كافة الأصعدة، والأهم من ذلك كله أن النص بدا وكأنه يلقي باللائمة على الشهادات العلمية، التي لم تعد قادرة على إظهار قيمة الأشخاص الحقيقية، وهو الوصف العبقري الذي يمكننا الوصول إليه من العبارة الأخيرة التي قال فيها:
«كان كالطفل الذي نجح لتوه في الشهادة الابتدائية» فالطفل في هذه المرحلة السنية لا يدرك قيمة الأشياء؛ ويكاد ينفصل تماما عن الشهادة التي بات يحملها، بالضبط كما يحدث من بعض حملة الشهادات العليا الذين ليس لهم من شهادتهم نصيب».
وخلاصة القول: فإن تعلمنا الحقيقي يقتضي أن نكون نقادا لإبداعات الآخرين، بالمنهجيات العلمية الصحيحة حتى نتطور ونبلغ ما بلغوه، وما تحصلت عليه نصوصهم، ونتلافى السلبيات التي أسقطت غيرهم، وهي الصورة المثالية التي تظهر لنا قيمة النقد، وحاجتنا إليه، وتجعلنا ندرك تماما أننا مطالبون لتجويد كتاباتنا؛ إن نحسن قراءة ما يكتبه غيرنا.