خالد محمد الدوس
نوافذ من علم الاجتماع الثقافي زاوية نسلط الضوء فيها على العديد من المفاهيم والموضوعات والنظريات المرتبطة بهذا العلم الفتي الذي يدرس أثر الثقافة على الحياة الاجتماعية كحقل خصب يتفاعل مع التحولات الثقافية والتغيرات الاجتماعية والتحديات العولمية التي يشهدها عالمنا المعاصر.
نتناول اليوم موضوع «الحصانة الثقافية» وهي من الموضوعات المهمة في ميدان علم الاجتماع الثقافي.. التي تشير إلى القدرة على الحفاظ على الهوية الثقافية والتميز الحضاري في وجه التحديات المختلفة، بما في ذلك العولمة، الاستعمار الثقافي، والتأثيرات الأجنبية. إذ تُعد الحصانة الثقافية أساسًا للحفاظ على التنوع الثقافي، الذي يُثري المجتمعات المعاصرة، ويمنحها القدرة على التكيف والبقاء في عالم يتسم بالتغير المستمر.
كما تعني قدرة الأفراد أو المجتمعات على الحفاظ على هويتهم الثقافية والتكيف مع التحديات الثقافية والاجتماعية دون أن يتأثروا سلبًا بالقيم والعادات الوافدة. ولذلك تبرز هذه الحصانة كضرورة في عصر العولمة وتحدياتها، حيث يزداد التداخل الثقافي بسبب التقدم التكنولوجي، والتبادل التجاري، والهجرة، مما يعرض الثقافات الأصيلة لخطر الانصهار أو الضياع.
ويشير علم الاجتماع الثقافي إلى مفهوم الحصانة الثقافية التي تعني القدرة على حماية الثقافة المحلية من التأثيرات الخارجية التي قد تذيب أو تغير معالمها الأساسية ومن الافكار الوافدة التي قد تهدد المعايير الاجتماعية السائدة.
وتشمل هذه الحصانة المحافظة على اللغة، القيم، العادات، التقاليد، والممارسات التي تُشكل هوية المجتمع. ويُعتبر هذا المفهوم معقدًا ومتشابكًا، حيث لا يمكن حصره في حماية الموروث الثقافي فقط، بل يتعدى ذلك ليشمل التصدي للتغيرات التي قد تمس جوهر الهوية الثقافية.
وبالطبع فإن الحصانة الثقافية ليست مجرد حماية للتراث والتقاليد، بل تشمل أيضًا تطوير قدرة المجتمعات على التعرف على الثقافات الأخرى وتقديرها دون التأثير على جوهر ثقافتها الخاصة. تتضمن الحصانة الثقافية قدرة الأفراد على التفاعل مع العالم الخارجي بطريقة تسمح لهم بانتقاء القيم الإيجابية ودمجها دون المساس بقيمهم الأصلية. ولذلك نجد أن للحصانة الثقافية أسسا تتمثل في:
* الهوية الثقافية: التي تشكل العمود الفقري لأي مجتمع، وتتضمن اللغة، العادات، الدين، والرموز الثقافية.
* الوعي الثقافي: وهو فهم الفرد لثقافته وثقافة الآخرين بطريقة نقدية تُمكّنه من التفاعل الإيجابي.
* التربية والتعليم: فالتعليم يُعد أداة أساسية لغرس القيم الثقافية، وتوعية الأجيال بمخاطر الاستلاب الثقافي وتحدياته في خضم العولمة الثقافية وإرهاصاتها.
وفي هذا السياق تعزى الحاجة المتزايدة للحصانة الثقافية إلى عدة عوامل، أبرزها:
* العولمة: بما تحمله من انفتاح اقتصادي وثقافي يهدد بإضعاف الثقافات المحلية لصالح الثقافة الغربية المهيمنة.
* الاستعمار الثقافي: حيث تُفرض ثقافات معينة على شعوب أخرى عبر وسائل الإعلام التقليدية والتقنية ، مما يؤدي إلى تبني أنماط حياتية وقيم دخيلة.
* الهجرة: تؤدي حركة الأشخاص بين الدول إلى احتكاك الثقافات، مما قد ينتج عنه تآكل الثقافة الأصلية للمهاجرين أو اللاجئين.!!
وتكمن أهمية الحصانة الثقافية في الحفاظ على التنوع الثقافي الذي يشكل مصدرًا للثراء الإنساني. كما أن الثقافات الأصيلة تعزز من الشعور بالفخر والهوية لدى الأفراد، مما يساهم في الاستقرار الاجتماعي والنفسي. كما أن الحصانة الثقافية توفر أيضًا إطارًا يمكن من خلاله تقييم الثقافات الأخرى بشكل نقدي واختيار ما يناسب منها دون إلغاء الذات الثقافية. ويمكن تحديد أهميتها فيما يلي:
* تُساعد الحصانة الثقافية على حماية الهوية الثقافية من الضياع والتلاشي، مما يُمكّن الأجيال الجديدة من التعرف على تاريخهم وإرثهم الثقافي وتساهم الحصانة الثقافية في الحفاظ على الهوية الثقافية للأمم والشعوب، مما يعزز الشعور بالانتماء والفخر بالتراث..
* التنوع الثقافي يُعتبر أحد مقومات الحياة البشرية، إذ يضيف قيمة جمالية وروحية للمجتمع. الحصانة الثقافية تضمن بقاء هذا التنوع، مما يُسهم في إثراء التجربة الإنسانية من خلال حماية الثقافات المختلفة، يمكننا تعزيز التنوع الثقافي الذي يثري الإنسانية بشكل عام..
* توفر الحصانة الثقافية شعورًا بالانتماء للأفراد داخل مجتمعاتهم، مما يزيد من تلاحمهم واستقرارهم النفسي والاجتماعي.
* تساعد الحصانة الثقافية في مواجهة التأثيرات السلبية للعولمة التي قد تؤدي إلى تهميش الثقافات المحلية لصالح الثقافة العالمية المهيمنة..!
* الحصانة الثقافية تساعد المجتمعات على مقاومة الاستلاب الثقافي والذوبان في ثقافات أخرى، مما يُحافظ على استقلاليتها الفكرية والثقافية.
وأخيرا لابد الاشارة إلى أن الهوية الثقافية في بعض المجتمعات الانسانية هي المستهدف الاول بالنسبة للغزو الثقافي- في ظل العولمة الثقافية - والذي يتجه الى محو هذه الهويات والثقافات للأمم والشعوب أو على الاقل إضعافها..!! وبالتالي تبقى الحصانة الثقافية الفكرية وتقويتها.. حماية وصيانة الهوية الثقافية والقيم الاجتماعية السائدة في المجتمع المعاصر ضد الافكار المستوردة والآراء الهدامة.!!