د. شاهر النهاري
من أهم مكونات أي جسد حيواني أو إنساني، أو حتى الحشرات وكل ما هو أقل حجما، أو غير مرئي، توجد الحاجة الماسة لالتهام البروتين، تلك المادة الغنية بمختلف مكوناتها الحيوية، والتي يتم تصنيعها وتنميتها في أجساد الكائنات، من مصادر البروتين، سواء النباتي أو الحيواني، أو المصنع، والذي تحتويه وجبات مختلف الكائنات.
أجساد الحيوانات المتوحشة المفترسة تحتاج للطاقة النقية والقوة واستمرارية الصحة الكامنة في طاقة البروتين، فتبحث عنها أول ما تبحث في أجساد الحيوانات الأقل قوة وحيلة منها، وهذا يفسر جري الوحوش، والإصرار على الاقتناص، واستطالة الأمل بهروب الغافلين والعاجزين عن الذود عن أنفسهم، في دائرة سلسلة غذائية، تستدير، وتسمح بأن يأكل القوي الضعيف.
ومن أهم مصادر البروتين لجسد الإنسان الصغير بداية بما تهبه له أمه من بروتين في حليبها، فيشعر بقيمته وسعادته، ولكنه سرعان ما يصاب بمزيد من الجوع البروتيني بعد أن يكبر قليلا، ويتجه إلى موارد بروتينات جديدة، وبكميات أكبر وأغزر تسمح لجسده بالنمو الطبيعي، والوقاية من أمراض وأوبئة هو في غنى عنها، فلا يجد قمة اللذة إلا في لحوم الحيوانات بمختلف أنواعها، وبيضها وحليبها، والتي يجد فيها الشبع المتنوع الكافي لحاجته، ويجد في لحومها أقرب وألذ أنواع البروتين، مما يصعب الاستعاضة عنه طوال العمر بأي بروتين نباتي، إلا فيما ندر، وعند من يكرهون أن يكونوا عالة على كيانات حية غيرهم.
الإنسان وحش مفترس تمكن من الترقي قليلا في طريقة اختيار وتناول وجباته البروتينية، فيظل بالعموم يقتل الحيوانات برغبة وإسراف، ويتفنن في تقطيعها، وحفظها بالملح والتجفيف أو التجميد، أو بالطرق الحديثة بين المواد والصبغات الحافظة، وكم يبدع في تجريدها من الزوائد، ويشويها ويقليها ويطبخها بالزيوت ويسلقها بالمياه والبخار، لينال منها صافي حصته من البروتين حد الشبع.
وعلى مر الأحقاب أبدع الإنسان في طرق القتل ليس فقط للحيوانات اللبونة، ولكن لمختلف أنواع وأحجام كائنات البر والبحر والجو، ولم يترك أيضا حتى النباتات والبقوليات، والتي تعطيه بعض كميات من البروتين، مع أنها بحسه الحيواني الدموي النهم تفتقد حماس وحرارة الدم الطازج، وهو كبشري يظل يحن لبدايات الوجود، ويفضل الطري الطازج، وإراقة الدماء شهوة، بأحاسيس البشرية البدائية يفعلونها، ويقدمونها قداسة قرابين للآلهة بإهراق دمائها على أقدام التماثيل والأنصاب والأزلام، وبين أيدي السحرة والكهنة والمشعوذين، إكبارا لمقام من تقدم لهم بكل فخر وتأكيد على أحقية استحقاق الجزاء، حيث أنها، أندر وأسمن وأنفس أنواع البروتين الطازجة المغسولة بحرارة قطرات دمائها.
دورة تغذية معقدة نشاهدها في كل أجزاء الحياة، ومرات نكون جزءا منها، والكواسر تفعل، وحتى حشرات العنكبوت تفعل ذلك بصبر ويقين ولذة، تمتص فيها دماء من يحط على شباكها، مستمتعة بمحتواها البروتيني، وبعد أن تقوم بلف خيوطها على جسده، لحفظ يبقيه لها وجبات دسمة في فصل شتاء يمنع من كثرة الحركة، ويحتاج للطاقة والغذاء.
والأسماك والحوت والإخطبوط وبقية كائنات البحر تفعل ذلك بأوضح الصور وأبشعها، وكل فم بتار أكبر، يلتهم العظم الأصغر، وكل كائن سام يحاول تخدير فريسته، حتى يتمتع هو وصغاره بمحتواها البروتيني، وبقصد بناء سليم لجسده وأجساد صغاره، على فناء من هو أقل قدرة، يتم فصفصته، وخلع صورة الحياة عنه بمنتهى جمود المشاعر، مستفيدا من معظم أجزائه الحيوية، عضلاته، وأحشائه، ومخ عظامه، فلا يفرط في شيء مما بين يديه من نعمة بروتين تسمح له بالبقاء أكثر مغتبطا بوقود الحياة الأمثل.
الطير يفعل ذلك، صغيرا كان أو كبيرا، ويحمل صيدته، والنسر يحمل الحمل أو الأرنب ويطير منتشيا بالهبة البروتينية، وفريسته تحاول الإفلات ثم تستسلم لأداء دورها ضمن أطوار حياة تعيشها، وتجمد في كامل وعيها المرتعب، وهو يطير بها فوق عش صغاره، ويشبعهم ببروتين حديث قطرات الدم، وحتى كبار الحيوانات اللبونة، والتي تعتبر أجسادها عظيمة بالنسبة لمن يتعقبها وينصب الفخاخ لها، ويصيدها غدر وقوة، بحجم الفيل والزرافة والحوت الضخم، متحديا كل القياسات والعقبات، ومتسلقا لسائر الحيل، لينعم بشعور القوة، والسيطرة، والأمن، والتنعم بما يبلغه من كميات بروتين طازج، لا يختلف كثيرا عن بروتين جسده، ولكنه لا يرى التناقض في ذلك، وبنفس مشاعر الأسد والفهد والنمر المفترسين، والذئب والضبع ومن يشابههم ممن يتجمعون على بقايا أجساد لفضت أنفاسها وتبقى فيها بعض بروتين.
بعض البشر يفكرون في العمق، ويصابون بالقرف، ويتألمون لألم غيرهم مهما كان أضعف، ليصبح بعض البشر نباتيين، خصوصا مع تقدم العلوم، ووجود البدائل الصناعية الشبيهة بالبروتين، ونمو علوم الاستنساخ، وإنتاج اللحوم الصناعية، واللعب في الجينات، ما يجعل بعض الموجود كافيا لو أدير بتعقل وعدالة ومحبة وإ نسانية، ودون التجني على أنواع حيوانات تواجه الانقراض، ضمن عبث وسخط ما نراه من تعنيف وذبح جائر، وتفريط في مستوى الموجود المستهلك، لمجرد إطفاء الجوع الأعمى، والتلذذ المفرط بالطازج حديث الذبح.
نعم، قد يكون ذلك يوما، رغم أن لذة الدم الطازج هنا ستفتقد، ولنا أن نبدأ بمنع كم الهدر المفرط في التبذير بولائم شنيعة، ليس لها وصف، إلا أنها أقل تعقلا حتى من أفعال وحوش الغاب عديمي الوعي والضمير وإيجاد البدائل.