للغة العربية مكانة بارزة على خريطة اللغات العالمية، على مستوى امتدادها الجغرافي، وعلى مستوى عدد الناطقين بها لغةً أولى أو ثانية، وعلى مستوى تأثيرها الديني والاقتصادي والدبلوماسي، وقبل ذلك على مستوى أثرها الحضاري والثقافي؛ إذ كانت جسرًا للعلوم والمعارف البشرية. ومنذ الثامن عشر من ديسمبر لعام (1973)م، أصبحت اللغة العربية واحدة من اللغات الست في الأمم المتحدة، رغم دخولها أروقة الأمم المتحدة والعديد من المنظمات الدولية قبل ذلك التاريخ.
ويأتي مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية ليمثِّل مرجعية وطنية، وإقليمية، ودولية رائدة؛ للحفاظ على اللغة العربية وخدمتها. ويأتي ضمن الركائز الإستراتيجية للمجمع الريادة في التخطيط اللغوي والسياسة اللغوية، ومن أبرز أنشطته العمل الإستراتيجي للغة العربية وتمكينها في سياقات ذات أولوية.
ونظرًا إلى ما للمنظمات من تأثير عالمي، ولكونها بوابة واسعة للعمل الثقافي والمحافظة على الإرث المشترك، وتطوير المعارف والعلوم، والتطلع إلى مستقبل إنساني أفضل؛ فقد برزت الحاجة إلى أن يكون للغة العربية حضورها المستحق في أروقة المنظمات الدولية. ومن هنا كان ضمن مسارات العمل الرئيسة للمجمع، دعم اللغة العربية في المنظمات الدولية. وتصاعدت أعمال المجمع في هذا السياق بدءًا من تنظيم مؤتمره الأول، بعنوان: (اللغة العربية في المنظمات الدولية)، برعاية كريمة من مقام خادم الحرمين الشريفين؛ حيث افتتح المؤتمر سمو وزير الثقافة رئيس مجلس أمناء المجمع، وحضره ما يزيد على خمسين منظمة دولية، وأكثر من مئة شخصية اعتبارية، والعديد من الخبراء والباحثين. ثم توالت أعمال المجمع بدءًا بتفعيل الاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية في مقر الأمم المتحدة، وطرح مبادرات عدة في الأمم المتحدة؛ لتعزيز اللغة العربية، مثل: إنجاز دراسة عن تاريخ اللغة العربية في المنظمة وتاريخه وواقعه وتطلعاته، وإنجاز مشروع بحثي عن الترجمة العربية في الأمم المتحدة، ومشروع آخر عن الترجمة الشفوية في المنظمات الدولية، إضافة إلى إطلاق برامج تدريبية لدعم مترجمي اللغة العربية في المنظمات الدَّوْلية، والسعي إلى ترجمة بعض الوثائق المهمة للمنظمات الدَّوْلية، إضافة إلى التعاون في ترجمة المصطلحات المتخصصة؛ لإثراء بوابة المصطلحات الرسمية لمنظمة الأمم المتحدة، كما يؤدي المجمع أعمالًا متنوعة مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)؛ لدعم حضور اللغة العربية في سياقات مختلفة.
وفي سياق المنظمات الإقليمية، ينشط المجمع مع منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو) في مسارات عدة، منها: العمل على رصد حالة تعليم العربية لغة ثانية في أكثر من (30) دولة. كما يعمل المجمع مع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو) في سياقات متنوعة، ومنها: دراسة السياسات اللغوية العربية في الدول العربية الاثنتين والعشرين. وينشط المجمع في العمل مع مجلس التعاون لدول الخليج العربية ممثلًا في مركز الترجمة والتعريب والاهتمام باللغة العربية، وقد أنجز دراسة لرصد الواقع اللغوي للعربية في مجلس التعاون الخليجي، وبناء إستراتيجية خليجية لدعم اللغة العربية وتمكين حضورها. كما وسَّع المجمع نطاق عمله في (المستشار اللغوي)، فأضاف مسارًا لتقديم الاستشارات اللغوية المتخصصة للترجمة في المنظمات الدولية. إن المرجعية السعودية في اللغة العربية، والتاريخ السعودي الحافل في خدمة اللغة العربية وتمكينها كلاهما تشريف، وهو في الوقت ذاته تكليف لبذل المزيد من الأعمال النوعية لتمكين اللغة العربية في المنظمات الدولية.
** **
أ.د. محمود بن عبد الله المحمود - رئيس قطاع التخطيط والسياسة اللغوية - مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية