خالد محمد الدوس
لاشك أن الأسرة تعد ظاهرة اجتماعية قديمة قدم الإنسان على الأرض، وقد مرت بمراحل تطور كبيرة سواء في نظامها أو في وظائفها ومهمتها التي تعددت من وظائف اجتماعية واقتصادية إلى وظائف سياسية وتربوية.. فهي أساس وجود المجتمع ومصدر الأخلاق والدعامة الأولى لضبط السلوك، والإطار الذي يتلقى فيه الإنسان أول دروس الحياة الاجتماعية، وربما كان ذلك هو مجمل منظور علم الاجتماع إلى الأسرة باعتبارها نظاماً اجتماعياً، ومع ذلك فإن رواد هذا العلم الخصب لم يهتموا كثيراً بالوحدات الاجتماعية الصغيرة كالأسرة في تحليلهم للمجتمع، ولذلك لم تنتعش دراسات الأسرة إلا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين على يد الأنثربولوجيا وعلماء الآثار الذين اهتموا بدراسة الأسرة في الثقافات البدائية, وفي الحضارات القديمة قبل تطور هذه الدراسات وتتجه بوصلتها إلى علم الاجتماع.
وتبعاً لذلك بدأت دراسات الأسرة تحتل مكانة مهمة في العلوم الاجتماعية. ولأن الأسرة تعتبر أقدم نظم المجتمعات الإنسانية فقد مرت دراسات البناء الأسري بمراحل تطورت خاصة في مراحل التاريخ البشري ومن اتجاهات مختلفة.
ولأهمية الأسرة كركيزة أساسية لبناء المجتمع، وضع الإسلام للأسرة من التشريعات والضوابط؛ ما يجعلها إحدى أهم سمات المجتمع الإسلامي, غير أنه لا يمكن أن نفصل فصلاً تاماً بين الأسرة في القديم والأسرة الإسلامية والأسرة المعاصرة, فقد تأثر كل منها بالآخر, ويبقى أن الأسرة خاضعة لما يفرضه عليها المجتمع من قواعد وقوانين, وهي تستجيب لكل ذلك مستسلمة تارة ومقاومة تارة أخرى بحسب ما لديها من مفاهيم وأفكار تتفق أو تختلف مع ما يأتي به المجتمع من تشريعات ونظم.
كثيرة هي المعوقات التي تحول بين الأسرة وقيامها بوظائفها، ويبقى أخطر هذه المعوقات انتشار الفساد ونشر ثقافة غريبة تحت ستار العولمة عبر مؤتمرات ومؤامرات دولية مشبوهة، يقوم على إدارتها أناس لهم أهدافهم المشبوهة, وعلى الرغم من كل هذه المعوقات, فإن القناعة الثابتة هي بقاء الأسرة واستمرارها, فهي ستبقى على الرغم من كل الهجمات التي واجهتها وتواجهها حتى الآن. يساعدها في ذلك أيضاً الديانات السماوية, وأهم هذه الديانات هي الإسلام الذي أعطى النموذج المثالي حكماً عملياً في الحفاظ على الأسرة وبقاء كينونتها.
ومن الكتب الحديثة التي اهتمت بالشأن الأسري وعلاقته التفاعلية مع المجتمع.. كتاب رائد علم الاجتماع السعودي الأستاذ الدكتور إبراهيم بن مبارك آل جوير أستاذ علم الاجتماع بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بعنوان: (الأسرة والمجتمع) وهو من الكتب التي تثري مكتبة علم الاجتماع العربية وتراثها الأصيل.
تناول مدخل الكتاب موضوع (أثر وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة على العلاقات الاجتماعية)، تضمنت الأصول الاجتماعية والنفسية لاستخدامات وسائل الاتصال وتأثير الإنترنت على المجتمع السعودي. ثم موضوع (الأسرة وأثرها في تحقيق الأمن الفردي والمجتمعي) شملت أثرها في المجالات التربوية والاقتصادية والتنموية إلى جانب دورها في الحد من الانحراف والجريمة وكذلك رؤية حول مستقبل الأسرة, كما استعرض الكتاب موضوع (التربية الإسلامية ودورها في علاج الجانحين)، شملت العوامل المرتبطة بجنوح الأحداث والنظريات المفسرة لعوامل الانحراف ودور المنهج الإسلامي وأبعاده في مواجهة انحراف الصغار.
كما تناول موضوعاً مهماً يتمثل في (الحوار ودوره في حل المشكلات الأسرية والتربوية).. استعرض فيه أهمية الحوار بوصفه أسلوباً اجتماعياً وتربوياً في حل الكثير من المشكلات والمثالب الأسرية، لما له من دور فاعل ومثمر في تحقيق الاستقرار والتوازن داخل البناء الأسري, كما تضمن الكتاب موضوع العلاقات الزوجية وكيفية إفضاء معاني الحب والصدق وبناء الثقة والمشاعر المتبادلة؛ بما يحقق حياة أسرية سعيدة تقوم على المشاعر الصادقة والأحاسيس الفياضة والتقدير والامتنان.
واختتم الكتاب بتناول موضوع (العولمة والأسرة) استعرض فيها المؤلف بخبرته الأكاديمية ورؤيته الشمولية الرصينة.. أبرز المشكلات التي تواجه الأسرة المعاصرة في ظل العولمة وتحدياتها المستقبلية, وتأثير إعلام العولمة على البناء الأسري بالإضافة إلى الدور المشبوه للمؤتمرات الدولية وتحت ستار العولمة.. محدداً أهم عوامل بقاء الأسرة المعاصرة في ضوء ما تواجه اليوم من تغيرات بنائية ووظيفية، وتحديات ثقافية واجتماعية وتكنولوجية رهيبة على مستوى الوطن العربي.
الكتاب الذي يتميز بجودة محتواه.. يقدم زاداً فكرياً ورصيداً معرفياً للباحثين والدارسين والمهتمين بعلم الاجتماع الأسري واتجاهاته البنائية والوظيفية.