أهدتني القاصة د. سميرة الكناني الزهراني مجموعتها القصصية الموسومة بتوقيعها «تراسلني فراشاتي» الصادرة عن مركز الأدب العربي للنشر والتوزيع عام 2020م، احتوت المجموعة على 37 قصة تتنوع بين القصة القصيرة والقصة القصيرة جداً (الومضة).
العتبات النصية:
اشتمل غلاف المجموعة على رسمة لفتاة وخلفها نافذة، بينما تحلق ثلاث فراشات في حالة ترقب، مما يثير إحساساً بالتأمل والانفتاح على عالم القصص. أما الإهداء، فقد خصصته القاصة لملهمتها والدتها، التي زرعت الأمل وحب الحياة في روحها.
القصص وتحليلها:
«حرمان» ص 7
استهلت القاصة المجموعة بهذه القصة، التي تسلط الضوء على معاناة الأطفال الذين فقدوا ذويهم وما يواجهونه من ألم وحرمان. تشير القصة إلى الحلم البسيط الذي قد يكون بعيد المنال في حياة البعض، حيث يصور النص أن الفقد قد يرافق الإنسان حتى في أحلامه. في القصة تمنّى الطفل المستحيل، وهو عودة أمه، مما يجعل النص يلامس قضية إنسانية مهمة بأسلوب موجز ومؤثر، قريب من القلوب.
«حلم» ص 36
تنتمي هذه القصة إلى أدب القصة القصيرة جداً (الومضة)، وتحمل ثقلاً شعورياً مكثفاً. تناولت القاصة موضوعاً عاطفياً حساساً يتعلق بالأمومة، والأمل، والفقد. اعتمدت على السرد المكثف، حيث نقلت اللحظة المحورية دون تفاصيل زائدة، مما أضفى على النص قوة وتأثيراً درامياً.
العنوان «الحلم» المستخدم كأداة تعبيرية، أضفى بُعداً رمزياً، حيث كان مشهد الطيران استعارة للأمل والانعتاق من القيود الجسدية التي كانت تعاني منها الطفلة؛ يعكس النص رؤى عميقة عن الأمنيات والآمال التي نرسمها لأنفسنا ولمن نحب، والتي قد تتحطم فجأة أمام قسوة الواقع.
«إرث» ص 31
في هذه القصة، نقرأ:
«فتح صندوق والده الذي وضع فيه وصيته. وجد وصية وكثيراً من وثائق الطلاق والزواج. بدأ رحلة البحث عن إخوته لتربيتهم والعناية بهم».
تتناول القصة موقفاً درامياً مكثفاً يبدأ بفتح الابن صندوق والده بعد وفاته، ليكتشف وصية ووثائق زواج وطلاق. يتطور النص ليكشف عن عمق المسؤولية التي تقع على عاتق الابن، حيث يبدأ رحلة البحث عن إخوته. يتميز النص بإيجاز شديد، مما يندرج ضمن أدب القصة القصيرة جداً، حيث تُوظَّف الكلمات بعناية فائقة لتحقيق التأثير. يعكس المضمون قيماً إنسانية مثل التضحية، والمسؤولية، والترابط الأسري، مع التركيز على أثر قرارات الآباء على الأبناء.
«عروس» ص 52
تقدم القاصة قصة مثيرة للتأمل:
«حضر مسرعاً إلى العنوان الذي أعطته له في آخر لقاء بينهما، واتفقا فيه على الخطبة والزواج. قدمت له الخادمة قهوته بانتظار وصول والدي العروس. رأى وجه الخادمة الباهر، فغير وجهته!».
يثير النص تساؤلات حول دوافع الرجل وأخلاقياته، حيث يظهر كاذباً، إذ إن الحب الحقيقي لا ينهار بمثل هذا المشهد الدرامي. يطرح النص فكرة مثيرة عن القرارات العاطفية وأثر الانجذاب السطحي أو الكاذب.
يترك النص مساحة للقارئ للتأمل في التحول المفاجئ في قرار الرجل، مما يجعل تصرفه يبدو غير منطقي، ولكنه يظل قابلاً للحدوث في سياقات معينة.
في الختام نستطيع القول إن مجموعة «تراسلني فراشاتي» تميزت بتنوع موضوعاتها وثراء رموزها؛ فقد مزجت القاصة بين الإيجاز والتكثيف، مما جعل النصوص تلامس القلوب وتثير التفكير العميق في قضايا إنسانية واجتماعية متعددة.
** **
- براك البلوي