القراء على أنواع ومستويات، ولا يمكن أن نتعامل معهم على حد سواء، أو أن نعاملهم وكأنهم شريحة واحدة ونقدم لهم مادة واحدة. ينبغي التعامل مع القراء كما يتعامل معدو الطعام حين يُعِدّون الأطباق المتنوعة التي تناسب مختلف الأذواق. ففي القراءة سوق لكل صنف من الأدب والثقافة؛ فهناك مؤيدون للشعر، وهناك مشجعون للرواية، وآخرون للقصة القصيرة والقصة القصيرة جدًّا. كما أن هناك من يميل للكتب الدينية وآخرين للفلسفية أو الفكرية أو التاريخية أو العلمية. ولدينا في السنوات الأخيرة إضافة للكتب الورقية الكتب الرقمية ثم الكتب المسموعة.
وأمام هذا التنوع ينبغي أن تتنوع جوانب وأشكال النشر لدينا لكي ترضي جميع الأذواق القرائية وتعطي كلًّا حسب ما يريد في هذه الظروف التي تشهد ابتعادًا عالميًّا عن القراءة الجادة لحساب القراءات السطحية أو التافهة، المتمثلة في بعض ما ينشر في وسائل التواصل الاجتماعي.
وتقول بعض الدراسات مثلًا إن هناك صنفًا من القراء، من مختلف الأعمار، يمكن وصفهم بالقراء المترددين. من صفات هؤلاء أنهم يحبون القراءة ويدركون أهميتها في حياتهم وما تقدمه على المستوى الفردي والاجتماعي، لكنهم يترددون كثيرًا في الإقدام عليها لعدة أسباب؛ منها استثقالهم لها؛ لكونها تحتاج إلى جهد ذهني وابتعاد عن أمور أكثر سهولة وجاذبية ولا تحتاج إلا إلى الاسترخاء، مثل التلفاز أو الأجهزة الذكية، فضلًا عما تتضمنه من مواقع وتطبيقات وألعاب. هذا الصنف من الناس- كما تقول الدراسات- أفضل القراءات لهم هي الرقمية، حيث يشعرون معها بدرجة من الفائدة المصحوبة بالترفيه أو بمقاطع الفيديو أو الصوتيات أو الصور الجاذبة وعالية الدقة، حتى وإن كانت الفائدة منها أقل من الكتب الورقية.
وينصح بعض الخبراء في مجال القراءة ألا يُجبَر هؤلاء على كتب أو عناوين بعينها، وأن نقبل منهم أن يختاروا الطريقة التي تناسبهم في القراءة، ورقية أو رقمية أو سمعية أو تصويرية، وأن يترك لهم المجال لاختيار ما يناسبهم من مواد قرائية، وعدم توجيههم إلى كتب وعناوين معينة حتى تبقى القراءة بالنسبة لهم وقتًا محفوفًا بالمتعة والراحة مع قليل من الفائدة. وعندما نطمئن من تحقق ذلك يمكننا أن ننتقل إلى خطوة أخرى إلى الأمام تتمثل في زيادة عدد صفحات القراءة أو الوقت المخصص لها، أو تغيير وتطوير وسائط القراءة، إن تطلب الأمر، من أجل مزيد من استيعاب المواد المقروءة.
كذلك يمكن توفير كتب جاذبة لهم ذات أغلفة براقة وصفحات مصقولة وملونة، وجعلها قريبة من متناولهم حتى يستطيعوا البدء بقراءتها متى ما قرروا ذلك، على أمل أن يتحولوا مع الوقت من قراء مترددين إلى قراء شغوفين يرون في القراءة منقذًا لهم من حياة الرتابة والجمود.
** **
- يوسف أحمد الحسن
@yousefalhasan