تُعَدّ الثقافة إحدى أهم السمات المكتسبة التي تُشكل الوعي الجمعي، وسلسلة «عالم المعرفة» واحدة من أبرز المكونات لرأس المال الثقافي العربي على مدى أكثر من أربعين عامًا. منذ تأسيسها عام 1978، راهن الشاعر الكويتي أحمد مشاري العدواني والمفكر المصري د. فؤاد زكريا على نجاحها، وهو رهان أثبت صحته.
ذكرياتي مع إصدارات «عالم المعرفة» عديدة، إذ تستحث عناوينها فضول القارئ للبحث والتعمق. كان من بينها كتاب «علم الاجتماع الآلي» للدكتور علي محمد رحومة، الذي دفعني إلى التوغل في مجال علم الاجتماع الرقمي، مما أدى إلى اختيار «ثقافة الفضاء الافتراضي ورأس المال الاجتماعي» موضوعًا لرسالتي للماجستير. بالفعل، لا يكاد يخلو إنتاج ثقافي أو أكاديمي عربي من الإشارة أو التوثيق لإحدى إصدارات هذه السلسلة.
خلال العقود الأربعة الماضية، لعبت السلسلة دورًا جوهريًا في بناء المكتبات المنزلية والجامعية، وعززت الاتصال الثقافي بين مختلف أرجاء الوطن العربي. كما فتحت عقول الشباب على قضايا عالمية ومتغيرات عصرية. في زمن سادت فيه «سلعنة الثقافة»، حاربت «عالم المعرفة» هذه الظاهرة وانتشلت العقول العربية من الاستسلام لاستهلاك ثقافي نمطي.
مثل التعليم الموازي، قدمت السلسلة مفاهيم أساسية في علوم الاقتصاد والسياسة والعمران، وناقشت قضايا البيئة، مع تنوع ملحوظ في مجالاتها، شمل العلوم، الأدب، الفنون، النقد، علوم الأديان، علم النفس، والقصص العالمية المترجمة. في ظل ارتفاع أسعار الكتب، أتاحت السلسلة كتبًا قيمة بأسعار مناسبة للبسطاء، ووفرت أرشيف أعدادها إلكترونيًا.
في عصر تهدد فيه «الحداثة السائلة» الحياة الثقافية، تواصل «عالم المعرفة» رسالتها بعناوين توقظ العقول وتعرض لأهم روائع الفكر العالمي، مما يساعد على تضييق الفجوة المعرفية مع العالم المتقدم. الرسالة الأسمى لهذه السلسلة تكمن في تحفيز الشباب وإعطائهم الأمل نحو مستقبل مشرق.
الاهتمام بالهوية العربية في عالم مليء بمحاولات لطمسها، يستند بالأساس إلى تحصين المعارف وتعزيزها. فالثقافة والقراءة هما الحصن الأخير في مواجهة هذه التحديات.
إننا بحاجة ملحة إلى إصدارات نوعية تشعل التفكير النقدي، وتشجع على استكشاف منابع المعرفة. أدعو وزارات الثقافة والمجالس الثقافية العربية إلى دعم مشروعات ثقافية عابرة للحدود، تُقدِّم إصدارات مدعومة تُشبع شغف القارئ الباحث عن المعرفة الموسوعية.
التراث الثقافي لا يُبنى عبر نوع واحد من الإنتاج الفكري، وهذا ما أدركته سلسلة «عالم المعرفة». تحية إجلال لكل من أسهم في استمرارها.
** **
داليا عاصم - باحثة مصرية