اللغة هي نافذة الطفل إلى العالم، وهي التي تصوغ فكره، وتثري وجدانه، وتبني هويته. وفي عالم يموج بالتغيرات الثقافية والاجتماعية، تأتي الحاجة إلى مشروعات تسعى إلى تعزيز مكانة اللغة العربية في وجدان الطفل، وجعلها لغة حياة يومية وثقافة عميقة، لا مجرد مادة تعليمية جامدة.
في هذا السياق، يبرز مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية بوصفه منارة تجمع بين الأصالة والابتكار، لتضع لغة الطفل العربي في قلب الاهتمام، بعدّها بوابة للارتقاء بالثقافة والهوية.
مرحلة الطفولة ليست مجرد بداية الحياة؛ بل هي لَبنات المستقبل. فالطفل الذي ينمو في بيئة لغوية غنية يصبح أكثر قدرة على التعبير عن نفسه، وأكثر تفوقًا في التفكير الإبداعي. إدراكًا لذلك؛ انطلق مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية، منذ تأسيسه عام (2020) م، لتعزيز مكانة اللغة العربية، مستهدفًا الفئات العمرية جميعها؛ وأهمها الأطفال.
اختار المجمع نهجًا مختلفًا يقوم على الجمع بين التربية والترفيه، والتقليد والحداثة، فوظَّف أدوات متنوعة، مثل: المعارض، والقصص، والألعاب، والمحتوى الرقمي؛ لتقديم اللغة العربية بطريقة تعكس ثراءها وجمالياتها، وتجعلها محببة للأطفال من مختلف الخلفيات.
فأنشأ المجمع عددًا من المشروعات الرائدة التي تُسهم في تنمية لغة الطفل بطريقة شمولية، ومنها: (الإطار الإرشادي للحقوق اللغوية للطفل)، وهو وثيقة تأسيسية تضمن حق الطفل في التفاعل مع لغته الأم بإثراء هويته وانتمائه الثقافي. تشمل الحقوق مجالات التعليم، والهوية، والحماية من التمييز، مما يجعلها أداة شاملة لمساعدة المؤسسات التربوية على تطوير برامجها، و(معرض اللغة العربية للطفل) الذي يُعد تجرِبة فريدة تهدف إلى غرس حب اللغة في نفوس الأطفال عبر أنشطة تفاعلية ممتعة.
ويركز المعرض على تحفيز الحس اللغوي بطريقة تجعل الطفل يكتشف اللغة كجزء من هُويته اليومية، وليس فقط كمادة دراسية، و(مسابقة تحدي الإلقاء) للأطفال - وهي مبادرة دولية- تُعيد إحياء فنون الخطابة والشعر بين الأطفال، مستهدفة تنمية مهاراتهم اللغوية والإبداعية، وغرس الثقة بالنفس، وتشجيعهم على التعبير عن أفكارهم بطريقة إبداعية، إضافة إلى إصدارات تعليمية مبتكرة، منها: (كتب الألعاب اللغوية، وسلسلة تعليم العربية للأطفال الناطقين بغيرها، وسلسلة أطفال العربية).
كما يُقدِّم المجمع محتوى رقميًا وترفيهيًا، مثل: مقطع مرئي (عالم اللغة الخيالي، ولعبة الإبل)، كما أُطلقت قناة (العربية للعالم للأطفال)؛ لتكون وسيلة رقمية تفاعلية تقدم مقاطع مرئية قصيرة تعلم الأطفال اللغة بطريقة إبداعية، موجهة للأطفال الناطقين باللغة العربية وبغيرها، مما يُسهم في الحفاظ على ارتباطهم الثقافي بها.
وسَّع المجمع اهتمامه ليشمل استخدام الأدب والفنون في خدمة اللغة، إذ حرص على تقديم قصص وأغنيات للأطفال؛ تُعزز وعيهم اللغوي بأسلوب يحاكي عاطفتهم وفضولهم. كما يدعم المجمع الثقافة والفنون بوصفه أداة فعالة لتقديم اللغة العربية عبر عروض تمزج بين التعليم والترفيه.
إلى جانب ذلك، أدرك المجمع أهمية الإعلام وتأثيره في الطفل، فقدم محتوى موجَّهًا يراعي مستويات الأطفال العمرية واللغوية، مع الالتزام بالمعايير التربوية التي تُعزِّز المفردات الصحيحة، والعبارات الملائمة، مما يجعل الإعلام وسيلة للتعليم وليس أداة ترفيه فقط.
إن مشروعات مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية في مجال لغة الطفل استثمار إستراتيجي في أجيال المستقبل، فالطفل الذي ينشأ مُحبًّا للغته الأم، واثقًا بقدراته التعبيرية؛ يصبح أكثر ارتباطًا بهويته الثقافية، وأكثر قدرة على مواجهة تحديات العصر.
وهذه الجهود، تتوافق مع رؤية السعودية (2030)، وتعكس إيمان المملكة بدور اللغة العربية بصفتها رافعة للتنمية الثقافية، ووسيلة للحفاظ على الهوية في ظل العولمة، والمشروعات الطموحة التي يقدمها المجمع. يمكن القول إن اللغة العربية ليست في أيدٍ أمينة فقط، بل تنمو وتزدهر في عقول وقلوب أجيالها القادمة.
** **
مها العتيبي - رئيسة قطاع البرامج الثقافية بمجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية