العامية هي لغة العامة، وهي خلاف الفصحى، والعامي المنسوب إلى العامة، وتكون عادة مختلفة عن اللغة الفصحى بسبب اختلاف واختلاط الشعوب بعضها ببعض، وميل الناس إلى التيسير في الكلام، وسميت باللغة العامة لأنها تأتي على ألسنة عامة الناس فهي الأكثر تداولاً بين الناس، وذلك من أحاديثهم اليومية، سواء في الأسواق والمنازل والشوارع والنوادي، أما دواعي حضور اللهجات العامية في نصوص أدب الرحلة السعودي، فيمكن أن نَعُد هذا الحضور للهجات العامية في النصوص الرِّحْلَيّة مؤديًا لعدد من الجوانب والوظائف اللغوية المختلفة ومنها الوظيفة التداولية لأن استعمال اللهجات العامية في النصوص الرَّحْلَيّة يؤدي وظيفة تداولية بين الناس داخل النص الرِّحْلي - كما هو متخيل - من ناحية، وبين الكاتب والقارئ لهذه النصوص من ناحية أخرى، حيث يسعى المؤلف إلى إدراج القارئ أو المتلقي في خضم النص الرِّحْلي، من خلال هذه النصوص المحتوية على اللهجات العامية التي تُعد قريبة من المتلقي في النص الرِّحْلي السعودي، فتؤدي هذه اللهجات العامية بهذا القرب من لهجة القارئ وظائف تداولية أكثر تفاعلاً في بعض نواحي هذه النصوص، حيث إنها لغة متداولة ومتعارف عليها بين المؤلف والقارئ لمثل هذه النصوص الرِّحْلَيّة السعودية، فنجد حضور العامية في رحلة النخيل والقرميد للأديب الأستاذ يوسف المحيميد عندما زار قطر، إذ يقول: طوال التجوال في شوارع الدوحة وهي تنعس ليلاً باكرًا كان أبو شيخة يتوجد على (أيام أوّل) أيام تجار اللؤلؤ، والنواخذة المهاجرين إلى الهند، حائكات البراقع، ورائحة البخور وماء زمزم الذي يعادل ماء الذهب، بيوت الطين القديمة بنوافذها الخشبية، رائحة الزنجبيل الساخن في الصبح، شفاه النساء الطرية وهي تصطبغ بالديرم أو الديرمان، أشجار السدر الضخمة في أفنية البيوت الطينية، نخلة بيت أبيه بجذعها المائل في جوار البئر، الصيف والرطوبة التي تثير الحنق والكآبة، عطر الصندل،عطر جوز الهند، الزري المضروب في ثياب النساء. حلوى (الرهش) الشعبية، قماش (الوزرة) المقلم، إذ يلتحف به الرجال والصيادون في المقاهي.
فاستخدامه لهذه الكلمات العامية مثل (أيام أول) و(الوزرة) و(الرهش) يؤدي وظائف تداولية داخلة في عمق اللغة أو اللهجة المستعملة، فهذه الكلمات العامية المستعملة هي كلمات تتداول بين أفراد كثير من الشعوب الخليجية، ويتواصلون بها فيما بينهم تواصلاً يؤدي لتفاعلات تداولية من خلال هذه اللهجات العامية، وكذلك ما تحمله هذه الكلمات من شوق دفين وذكريات ماضية يُضفي بعض الحميمية على رحلته ويُخفف على نفسه عناء غربته.
ومن ذلك أيضًا قوله عندما زار الكويت: كنت قرويًا أفتح فمي دهشة وذهولاً وأنا أرى - أول مرة - امرأة تقود سيارة. المرأة التي أعرف لا يمكن أن تغادر المطبخ والبيت، ولو ركبت السيارة كأمي ونساء أعمامي مثلاً، فهن يركبن في الصندوق الخلفي للسيارة، مخفورات بالعباءات السوداء التي يطرقها الهواء، وغناء أعمامي في مقصورة القيادة، يرتفع، وهم يغنون هجينية قديمة:
يا راكب اللي تخر الزيت
من الرعوجي شريناها
بعنا الغنم ثم بعنا البيت
حتى الحمارة رهناها
نجد أن ذكره لهذه الأبيات العامية المتداولة بين أفراد المجتمع المحلي في القرية يؤدي وظيفة في عمق التداولية، فهذه الأبيات ليست وليدة اللحظة، بل إنها محفوظة ومتداولة في أذهان الكثيرين في هذا المجتمع المحلي البسيط وتلك الحياة البسيطة، ويحفظها الكثير من الناس ويتداولونها على ألسنتهم كنوع من الترويح أو الفكاهة أو تذكر الماضي وحياة الآباء والأجداد في مجتمعهم البسيط، فالنص الرِّحْلي السعودي لم يغفل الكتابة باللهجات العامية المحكية، وحضورها يضفي مظاهر الإمتاع والمتعة والجمال على النص الرِّحْلي السعودي، وعلى هذا الجنس الأدبي.
** **
د. فهد عدنان الشمري - دكتوراه بالأدب والنقد والبلاغة
منصة إكس:- Fahad2626