«الثقافية» - متابعة:
أكد الروائي أحمد السماري، في حديث خص به "الجزيرة الثقافية" أن الكتابة ليست مجرد موهبة، بل هي أيضًا حصيلة شغف طويل وتجربة ممتدة عبر الزمن.
عندما بدأت رحلتي مع القراءة المكثفة قبل خمس عشرة سنة، لم أكن أتخيل أنني سأصل يومًا إلى مرحلة كتابة روايتي الأولى. لكن مع مرور الوقت وقراءتي المتواصلة لجنس الرواية تحديداً، وجدت نفسي مشبعًا بالأساليب السردية، والشخصيات المتنوعة، والعوالم الخيالية التي شكلت ذائقتي الأدبية ووعيي بالكتابة.
القراءة كانت المدرسة الأولى لي، فمنها تعلمت كيف تُبنى الحبكة، وكيف يُرسم العمق النفسي للشخصيات، وكيف تُستخدم اللغة بأسلوب يعكس المشاعر والأفكار.
لم تكن القراءة مجرد ترفيه، بل كانت تدريبًا غير مباشر على الكتابة، حيث كنت ألاحظ نقاط القوة والضعف في كل عمل أدبي، وأتعلم منها.
وأشار في سياق حدثيه إلى تأثره بالدكتور: أحمد خالد توفيق رحمه الله، يقول؛ كان يؤمن بشدة أن القراءة هي الأساس لأي كاتب جيد، وكان دائمًا ينصح بها كخطوة أولى قبل الشروع في الكتابة: “لا يمكن أن تكون كاتبًا جيدًا ما لم تكن قارئًا نهمًا. فالكاتب الذي لا يقرأ هو مجرد شخص يحاول أن يعزف دون أن يستمع إلى الموسيقى”.
ومن أقواله كذلك: “إذا أردت أن تكتب، اقرأ ألف كتاب أولًا. فالكتابة تأتي بعد أن تمتلئ بالأفكار والأساليب والتجارب”.
كان يرى أن الكاتب الذي لا يقرأ كثيرًا سيكون محكومًا بالتكرار والسطحية، بينما القارئ الجيد تتشكل لديه لغة غنية، وخيال واسع، وفهم أعمق للحياة، مما يساعده على أن يكون كاتبًا مميزًا.
عندما بدأت تجربتي الخاصة، كان ذلك مع بداية العام 2010م عندما قررت تكثيف مستوى القراءة، بعد أن كانت محدودة وغير مترابطة زمنياً، بوضع برنامج سنوي صارم بقراءة مائة رواية سنوياً ولمدة عشر سنين، وفي نهاية البرنامج استطعت قراءة ألف رواية بجميع أنواعها، ولغاتها، حتى وجدت نفسي أكتب روايتي الأولى (الصريم) سنة 2020م، فتابعت القراءة ولم أتوقف. وبعدها بسنتين كتبت الرواية الثانية (قنطرة)، وأكملت على نفس النسق فصدرت ليّ رواية (إبنة ليليت) سنة 2024م، والرابعة في الطريق بإذن الله. لم يكن أمر الكتابة سهلًا. فقد وجدت نفسي أمام تحديات كبيرة، مثل اختيار الفكرة المناسبة، وتطوير الشخصيات، وصياغة الحوار بطريقة واقعية. كنت أدرك أنني، رغم كثرة قراءتي، لا أزال مبتدئًا في الكتابة، لذا كنت أراجع ما أكتبه مرارًا، وأبحث عن الأخطاء لتحسينها. وأستشير من سبقني من الكتاب والأصدقاء، وأتقبل ملاحظاتهم وتوجيهاتهم قبل وبعد النشر بصدر رحب.
أبرز الصعوبات التي واجهتها كانت الخوف من عدم الوصول إلى مستوى الأعمال التي قرأتها. كنت أخشى أن تكون كتابتي تقليدية أو مملة، لكنني أدركت مع الوقت أن لكل كاتب صوته الخاص، وأن التجربة هي التي تصقل الأسلوب. كما كان الالتزام بإنهاء الرواية تحديًا آخر، فالإلهام وحده لا يكفي، بل لا بد من الانضباط والكتابة المستمرة.
عندما أضع النقطة الأخيرة في إحدى رواياتي، أشعر بمزيج من الفخر والرهبة. لقد كانت رحلة طويلة، لكنها كانت تستحق العناء. أصبحت الآن أكثر فهمًا لعملية الكتابة، وأكثر تقديرًا للجهد الذي يبذله الكُتّاب في تقديم أعمالهم.
صديقي الروائي القادم والحالم، إذا كنت تحلم بكتابة رواية، فابدأ بالقراءة الواسعة، وعندما تكمل (المهر)، اكتب بلا خوف. لا تنتظر أن تكون كتابتك مثالية من المحاولة الأولى، فالتعلم يأتي مع الممارسة. الأهم هو أن تكتب من قلبك، لأن الصدق في الكتابة يصل دائمًا إلى القارئ.