د. إبراهيم الشمسان أبو أوس
إذا توالى صوتان مثلان أو متقاربان قد تماثلا وكان أولهما ساكنًا والآخِر متحركًا أُدغم الصوت في الصوت، فيُبدأ بنطق الأول وينتهى بنطق الآخِر من غير فصل، فتقل مؤنة نطق اللفظين منفصلين، وجمهرة أفعال الإنسان سعي نحو التخفيف والإيجاز والاقتصاد، وقد يَعرض للصوتين المدغمين ما يحول دون ادّغامهما، لوجوب سكون الآخِر فيحور الأول متحركًا، تقول: مرّ زيدٌ، سكنت الراء الأولى لتدغمها في الراء الآخرة، فإن أسندت الفعل إلى ضمير رفع متحرك وجب سكون آخر الفعل فوجب التخلص من لقاء الساكنين بتحريك الصوت الأول، تقول: مرَرْتُ، مرَرْتَ، مرَرْتِ، مرَرْنا، مرَرْتم، مرَرْتُنَّ، وكذلك مضارعه المسند إلى نون النسوة: يمرُرْنَ.
ومما يقتضي سكون آخر المدغمين جزم الفعل المضارع، والجزم قطع للحركة، فيلتقي ساكنان فيكون التخلص من لقائهما بتحريك الأول، تقول في جزم الفعل المضارع (يمرُّ): لم يمرُرْ زيدٌ. وهذه لغة الحجاز الموافقة للقياس، وثمّ لغة تميم التي عمدت إلى طريقة أخرى من التخلص فأجَدَّت تحريك الحرف الآخِر بالفتحة: لم يمرَّ زيدٌ. قال السيرافي «وقد جاء القرآن باللغتين جميعًا، قال الله عز وجل: (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ) [217-البقرة] وقال تعالى: (وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ)[282-البقرة]»(1). وقد اجتمع الإدغام وفكه في قوله تعالى (إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا) [120-آل عمران]، ويلاحظ العدول إلى التخلص بالضمة إتباعًا لما قبلها. وقد يجتمع الإدغام وفكّه في فعل واحد، قال أبو شامة «وقد جاء التنزيل بالأمرين: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى) [115-النساء]، (وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ) [4-الحشر]»(2). ويلاحظ العدول إلى الكسر.
ولكن الناس اليوم يُبقون على الإدغام ويتخلصون بإقحام ياء وقاية تتحمل السكون (مرَّيْت)، وهم في نطقهم يُميلون حرف اللين أي الفتحة والياء فتصيران فتحة طويلة ممالة نحو الياء (ألفًا ممالة)، ولعلهم قاسوا على ظاهرة مشابهة وهي التخلص من أحد المتماثلات بحذفه وإقحام ياء الوقاية لتفصل بين الحركة والضمير، نحو: تقصَّصْتُ، يصير تقصَّيْتُ، وتعذر فكّ الإدغام بعد الحذف لأن ذلك مفسد للبنية مفوت لغرض الادغام، وذكر سيبويه لهذا أمثلة، وإن كان ذهب إلى الإبدال لا الحذف، قال «وشبّهها بقولهم: تظنّيت وتقصّيت في معنى: تظنّنت وتقصّصت، أبدلوا ياءً من الحرف الأخير، لما كرهوا التضعيف»(3). والحادث في تقديري هو حذف المِثْل الثالث والتعويض عنه بمطل فتحة الحرف المضعف: تقصَّصَ) تقصَّى، فعند إسناده إلى ضمير متحرك أقحمت ياء الوقاية أو ياء فارقة كما سماها أستاذنا أحمد مختار عمر رحمه الله، قال في تعليقه على الفعل (احتجَّيْتُ) «ويمكن أن يظلّ الإدغام كما هو هروبًا من ثقل التوالي لحرفين مثلين بينهما حركة، وحينئذٍ تضاف ياء فارقة بين صيغتي المتكلم والغائبة المؤنثة [احتجَّتْ/ احتجَّتُ*، عند الوقف تذهب الحركة]. ولهذا ما يشبهه عند العرب، حين عمدوا إلى إبدال بعض الحروف المكررة ياء، في مثل: (يَتَسَنَّن ويتسَنَّى)، و(تَظَنَّنْتُ وتَظَنَّيتُ)، و(تقضَّضْتُ وتَقَضَّيْتُ)، و(تَسَرَّرْتُ وتَسَرَّيْتُ)، و(دَسَّسَ ودَسَّى)، و(تَمَطَّطَ وتَمَطَّى)، و(تَحَنَّنتُ وتحنَّيْتُ)، و(أمْلَلْتُ وأمْلَيْتُ)، و(مربَّبٌ ومربَّى)، وغير ذلك؛ ومن ثمَّ يمكن قبول الاستعمال المرفوض»(4).
ولكن ما ذكره سيبويه من المقبول لغة؛ لأنه اجتمع ثلاثة أمثال وأما (استمرّيت واستعدّيت) فهو من استعمال المحدثين وليس فيه سوى مثلين، ولكنهم مع ذلك أرادوا الاستخفاف، وأما (اضطرّ) فإن كان مبنيًّا للفاعل مثل: اضطرَّ زيدٌ زميله إلى الانصراف، واضطَررْته إلى ذلك فيمكن أن تدخل ياء الوقاية (اضطرَّيْتُه إلى ذلك). فإن كان الفعل مبنيًّا للمجهول (اضطُرَّ زيدٌ إلى الذهاب، واضطُررْتُ إلى الذهاب) لم يمكن الإدغام والتخلص بالياء ولا فتح الطاء لأنه سيختلط المبني للمفعول بالمبني للفاعل.
**__**__**__**__**__**
(1) شرح كتاب سيبويه للسيرافي، 4/ 265.
(2) شرح الشاطبية إبراز المعاني من حرز الأماني لأبي شامة، ص431.
(3) شرح كتاب سيبويه للسيرافي، 1/ 226.
(4) معجم الصواب اللغوي لأحمد مختار عمر1/ 100.