أ.د. محمد خير محمود البقاعي
ينصب هدف التقرير الذي نترجمه على جلاء سيرة الضابطين الفرنسيين اللذين تتشابه أسماء نسبتهما لفظا وتختلف إملاء؛ فيسيير (جوزيف) وفايسيير (ألكسندر). لإبراز دور العنصر الأوروبي في الحملة على الدولة السعودية الأولى. وأود قبل متابعة الترجمة الوقوف عند شخصية تكتسب أهمية كبيرة في سياسة محمد علي وحروبه وسياساته وفي الحركة الثقافية والعلمية في عصره، ويصفه جومار بأنه شخصية عجيبة، متعددة المواهب، وكان يلقى من محمد علي تقديرا واحتراما وكان كما يقال: «بيت مشورته»؛ إنه برناردينو ميشيل ماري دروفيتي (1776- 1852م) Bernardino Michele Maria Drovetti وهو إيطالي نال الجنسية الفرنسية، متعدد المواهب والاهتمامات، دبلوماسي بارع، كان قنصل فرنسا في مصر، مغامرا، ذا ثبات وتاجرا لا يعرف الخوف، ومدافعا شرسا عن الآثار المصرية، متفوقا من أي جانب أتيته. في التاسعة عشرة التحق بجيش نابليون، واشتهر ببراعته وشجاعته، وشارك عام 1798م مجرد جندي في الحملة على مصر، وشارك في الحملة على إيطاليا ومارينغو، وسرعان ما نال رتبة قائد كتيبة. ولما فكر تاليران Talleyrand بتعيين قنصل مقيم في مصر فكر فيه، وما إن وصل إلى مصر في عام 1801م حتى امتلك مجموعة ثمينة من التحف الأثرية. سرعان ما نشب تنافس محموم مع القنصل البريطاني في هذا الخصوص، وأصبحت كل الوسائل مباحة في هذا التنافس، ووظف كل منهما رسامين ونحاتين من ذوي البراعة. وفي عام 1818م استقبل شامبليون في الإسكندرية قبل أن يرحل إلى إيطاليا مريضا حيث توفي عام 1851م.
نشرت الأكاديمية سيلفي غيشار Sylvie Guichard رسائله بعنوان: رسائل برناردينو دروفيتي، قنصل فرنسا في الإسكندرية (1808- 1830م) باريس، 2003م=
Lettres de Bernardino Drovetti, consul de France à Alexandrie, 1803-1830, Paris, 2003.
لقد كان ذا نفوذ لدى محمد علي وأوصى بإلحاق عدد كبير من الإيطاليين والفرنسيين وغيرهم من الأوروبيين في جيش محمد علي، وعلى رأسهم جوزيف فيسيير الذي كان إبراهيم باشا لا يلقي بالا لمشورته في بداية الحملة ثم أصبح إبراهيم مجرد منفذ للخطط العسكرية لفيسيير وللضباط الأوروبيين في جيشه.
ونعود الآن إلى ترجمة التقرير الذي يظهر ما قلناه. يقول جومار:
[150] ولا ذكر لفيسبير أيضا في أعمال بايلي. سان-جون (1822- 1859م) Bayle Saint-John
(كاتب ورحالة وبيوغراف بريطاني، أقام سنتين في مصر، أتقن العربية وزار واحة سيوة، وله كتب متعددة عن الصحراء الليبية ومصر).
وليس لرجلنا ذكر في الكتب التي اشترك في تأليفها «إدمون بيير ماري» دو كادالفين (1799- 1852م)
«Edmond Pierre Marie» de Cadalvène
(وهو ملحق سفارة ثم مدير للمركز الفرنسي في الإسكندرية «1829م»، وبعدها في سمرن ثم في إستانبول، مؤرخ وعالم مسكوكات، وعالم مصريات وعضو جمعية النقوش والفنون الجميلة).
و»جول- إكزافييه دو» بروفييري (1805- 1876م) «Jules-Xavier Saguez» de Breuvery
(وهو عالم آثار ورجل سياسة فرنسي).
(وأشهر كتبهما: «مصر وتركيا من عام 1829م إلى 1836م مع خريطة وملحق يتضمن أيضا كتاب: مصر والنوبة، ج1، نشر ارتروس برتران، وج2، 1841م لدى الناشر نفسه=
L»Egypte et la Turquie de 1829 a? 1836 / par Mm. Ed. de Cadalve?ne et J. de Breuvery ; avec cartes et planches.
comprenant également L»Egypte et la Nubie (tome 1), Editions Arthus-Bertrand, L»Egypte et la Nubie (tome 2)- 1841.
ولا أثر له في كتب الأوصاف الأخلاقية لـ «إدوارد وليم لين (1801- 1876م) “Edward William Lane”
(المستشرق والمترجم والمعجمي البريطاني المشهور، وصاحب إنتاج ضخم عن الآثار والعادات والتقاليد المصرية. وكان له اهتمام بعصر محمد علي. وأشهر كتبه: «أخلاق المصريين المعاصرين وعاداتهم» Manners and Customs of the Modern Egyptians (1836م).
ولا نجد له ذكرا في الكتاب الذائع الصيت، «رسائل المشرق 1830-1831» جوزيف فرانسوا ميشو
(1767- 1839م) Joseph-François Michaud وباتيستان بوجولا (1809- 1864م)
Baptistin Poujoulat.
(مؤرخ فرنسي) ورسائله المنشورة في الكتاب المذكور التي أرسلها لميشو عنوانها:
رحلة في آسيا الوسطى وإلى بلاد الرافدين وتدمر في سورية وإلى فلسطين وإلى مصر وهو مجموع الرسائل التي أرسلها إلى ميشو وإلى أخيه=
Voyage dans l’Asie mineure en Mésopotamie, à Palmyre, en Syrie en Palestine et en Egypte. regroupe les lettres qu’il envoya à Michaud et à son frère).
إن سيرة فيسيير لم تقتصر في الحقيقة على حملة الدرعية، بل إنه حسب معلومات دقيقة قدمها «أنطوان بران» رولليه (1807- 1858م) Antoine Brun-Rollet وغيوم لوجان (1824- 1871م)
Guillaume Lejean، مكتشفا النيل الأعلى، وآخرون من الرواد الذين لا يعرفهم إلا باحثون من الطراز الأول مثل تيبو Thibaut عضو البعثة المصرية المرسلة في عام 1840م لاستكشاف منابع النيل الأبيض فإننا نجد فيسيير منذ عام 1823م في كردفان، وفي نحو عام 1830م في الحبشة.
(وغيوم لوجان، جغرافي عمل بين عامي 1850 -1853 سكرتيرا لـ لامارتين، ولم تكن تجربة مرضية له. وفي عام 1856م أصبح عضوا في الجمعية، وأسهم بين عامي 1860 و1863م في اكتشاف منابع النيل، وفي عام 1862م عين نائباً للقنصل الفرنسي في الحبشة).
لقد ذكرنا ما يكفي من كتب الببليوغرافيا.
أسند محمد علي في عام 1816م لإبراهيم باشا قيادة جيشه [151] لمواجهة الوهابيين؛ إذ إن طوسون الذي قاد الحملات السابقة، ولم يكن النصر حليفه في كل ذلك في بلاد العرب، توفي مؤخراً في مدينة دمنهور.
إن القائد العام الجديد، شأنه شأن أبيه، كان عازما على خوض معركة حاسمة. ولكي يضاعف فرصه في النجاح اجتذب أعدادا من الإيطاليين المتمرسين، وألحق بجيشه فيسيير برتبة مستشار عسكري؛ ويقول عن فيسيير بعض معاصريه إنه أحد مخضرمي إمبراطورية نابليون وفارس جوقة الشرف، وقائد فرقة إبان معركة المئة يوم Cent Jours (التي عاد بها نابليون إلى الحكم مؤقتا).
ودفعه سقوط نابليون إلى المنفى. ولا نعرف على وجه الدقة تاريخ وصوله إلى مصر، لكن ذلك من المحتمل أن يكون في بداية عام 1816م.
(الحاشية رقم 1، ص151: رسالة غير منشورة، مؤرخة في 21 فبراير، 1816م، من تيدانات دوفان Thédenat Duvent استخرجها من أرشيف وزارة الخارجية الفرنسية السيد جان أوت M. Jean Ott
ونصها: السيد فيسيير Le sieur Vessièr (sic) (خطأ إملائي)
التحق بخدمة باشا مصر الذي منحه رتبة قائد فرقة، وأجبره على ارتداء الزي العربي=
Lettre inédite du ar février 1816, de Thédenat-Duvent, relevée par M. Jean Ott aux Affaires Etrangères : «Le sieur Vessière (sic) ‹ est entré au service du Bacha d»Egypte, qui lui passe la paie de « chef de bataillon et qui l»a obligé à s»habiller à l»orientale»).
ونجهل أيضا الشروط التي اشترطها محمد علي لتوظيفه، وربما كان يدين بذلك لعميد التقنيين لدى نائب السلطان، دروفيتي ، Drovetti هذه الشخصية المدهشة، كان في آن معا رجل تقنية وقانون، ودبلوماسيا وتاجرا وجامع تحف ( ناهيك عن كونه عالم آثار)، دروفيتي الذي لم يحد من نفوذه في مصر استدعاؤه في عام 1814م ليتولى منصب القنصل العام لحكومة آل بوربون Le gouvernement des Bourbons
(خلال مرحلة الإصلاح الثانية بين عامي 1815-1830م).
وكتب إليه محمد علي أيضا في عام 1815م ليخبره بانتصاره في تربة، وخاطبه قائلا: «الصديق المخلص، الحصيف، ذو الرؤية الثاقبة».
(الحاشية رقم 2، ص 151: رسالة مؤرخة في 18 يناير، 1816م، درييو Driault في كتاب: محمد علي ونابليون، القاهرة، 1925م، ص 256.
= Lettre du 18 janvier 1815, in Driault, Moh.-Ali et Napoléon, Le Caire, 1925, P. 256).
ويدعم هذا ما يذكره «ميشيل نيكولا دو تري» بيلافوان (1723- 1794م)
«Michel-Nicolas de Trie-Pillavoine
(وهو من قدماء سلاح الفرسان برتبة مقدم). يقول بيلافون: إن دروفيتي دعم فيسيير لدى الباشا الكبير.
(الحاشية 3، ص151: رسالة غير منشورة، بلا تاريخ، رقم 25، مايو- يونيو (1920م) (أرشيف وزارة الخارجية الفرنسية=
Lettre inédite s. d. N° 25 (Mai-Juin 1920) (Archives des Affaires
Etrangères).
[152] ولكن الحدث المقصود هو حدث يسبق وصول فيسيير إلى مصر بأربع سنوات. لم يكن على أية حال التحاق فيسيير بجيش محمد علي من المهمات التي أنجزها روسيل Roussel القنصل الذي تولى مباشرة بعد دروفيتي، لأن الدلائل لا تدل فقط على أن هذا القنصل العام؛ روسيل، يجهل الاسم الأول لفيسيير، وإنما يجهل أيضا الإملاء الصحيح لاسم اللقب فهو يكتبه مرة ( Vessière) وأخرى (Vaissières)، ويجهل رتبته العسكرية: فهو يجعله مرة «قائد كتيبة».
(الحاشية رقم 1، ص 152: رسالة مؤرخة في الأول من ديسمبر 1816م، من كتاب درييو، تأسيس إمبراطورية محمد علي، ص 37 =
Letre du 1er décembre، 1816, in Driault, La fondation….. P. 37).
ثم يكتفي بعد حين بالقول: إنه ضابط فرنسي.
وإن ما هو أكثر غرابة مما ذكرنا أن فيسيير نفسه يقول في رسائله: إنه «ضابط فرنسي» بلا أية تفاصيل أخرى؟
(حاشية2، ص 152؛ مقتطعة من رسالة لفيسيير، مؤرخة في 1 مارس، 1818م=
Extrait d’un lettre de Vaissière, du 1er Mars, 1818).
ولنا لقاء.