هناك أسباب كثيرة لأفضلية الكتاب الورقي على الرقمي نوقشت من نواحٍ عديدة، لكننا نحاول هنا مناقشة الموضوع من جوانب قلّ أن تناقش فيها. فهناك مشكلة تواجه قارئ الكتاب الرقمي وهي صعوبة التنقّل ما بين الصفحات المتباعدة، أو الرجوع إلى صفحة معينة، خاصة إذا كان القارئ لا يعرف رقم الصفحة، ولا يعرف في أي فصل، وربما لا يعرف حتى الكلمات التي تتضمنها، لكنه يريد العودة إلى صفحة ما قبل الصفحة التي يقرأ فيها الآن؛ إما لمراجعة معلومة أو للتأكد منها أو لأي سبب آخر، أو لمجرد الاستمتاع بإعادة قراءتها من جديد. أما الحال في الكتاب الورقي فأسهل بكثير، أو أن بعض القراء اعتادوا عليه، فما على القارئ سوى تقليب صفحات الكتاب حتى يصل إلى الصفحة المطلوبة، وربما وصل إليها في ثانية واحدة إذا كان قد وضع علامة أو ورقة فيها. والمشكلة في الكتاب الرقمي أنه حتى حينما تجد الصفحة التي تريد فإنك قد تواجه (في بعض أنظمة تشغيل الكتب الرقمية) صعوبة في العودة إلى الصفحة التي أتيت منها قبل لحظات، في حين يعرف القراء أنهم في الكتاب الورقي يقومون إما بوضع ورقة يعودون إليها حينما ينتهون، أو ببساطة يضعون أصبعهم بين أوراق الكتاب بحيث يعودون إليها بسرعة.
ومن شأن هذه الصعوبة في التنقّل ما بين الصفحات أن توجد تشتتًا في ذهن القراء، خاصة الأطفال منهم، وقد يفقدون التسلسل في قراءة الصفحات وربما فقدوا الشغف في القراءة، خاصة مع وجود بدائل أخرى في الأجهزة الذكية أكثر سهولة وجاذبية من الكتب.
والمشكلة أن القارئ غالبًا ما يحلو له أن يعود عدة مرات لبعض الصفحات التي قرأها (خاصة مع الروايات) لكي يقرأها ثانية، لا لشيء سوى أنه يرغب في التلذذ بقراءتها ثانية، وهو أمر سهل جدًّا في الكتاب الورقي في حين يتطلب جهدًا في الرقمي.
وتتعب الشاشات عيون القراء أكثر مما تفعل الكتب الورقية، وقد تتسبب مع الوقت في تشويش في الرؤية أو جفاف أو احمرار وحكة في العين.
ومن الأمور التي قد يفتقدها قراء الكتب الرقمية رائحة الكتب التي يستمتع بها بعض القراء كثيرًا، وبعضهم يعود إلى قراءة بعض الكتب ثانية فقط لإعادة شم رائحتها، ربما بدافع ما يسمى نوستالجيا الكتب (وهو الحنين إلى ماضٍ مرتبط بالكتب). وقد قام بعض العلماء بتحليل رائحة الكتب (القديم منها) فوجدوا أنها تتضمن رائحة الفانيلا، كما ورد في موقع https://www.howlifeunfolds.com/ الذي أضاف أن الاستمتاع باستنشاق رائحة كتاب قديم يشبه إلى حد ما الاستمتاع باستنشاق رائحة العطر أو الزهور، وأن دراسات أظهرت أن الكتب يمكن أن تجعلنا أكثر سعادة، وتلهمنا السفر، وتشجعنا على اتخاذ قرارات تغير حياتنا. يقول الموقع كذلك- طبقًا لدراسات أخرى- إن مستوى الاستيعاب يكون أعلى مع الكتب الورقية، ولا سيما في الكتب غير الخيالية، كالكتب العلمية أو الأدبية أو ما شابهها.
أما موقع https://hechingerreport.org/ فإنه يقول إن الذاكرة المكانية للصفحات الورقية يمكن أن تساعد الطالب على تذكر المعلومات.
وفي دراسة أجريت على أطفال ما بين الثالثة والخامسة تبين أنه حتى في حال كان الوالدان هما من يقرأ للطفل فإن استيعاب الأطفال يكون للكتاب الرقمي أقل منه للورقي.
* أحيانا يعطيك كتاب من الدفء ما لا تعطيك إيّاه رفقة البشر، فأبطاله على الأقل لا يكذبون عليك، وعندما تغلق الكتاب لن يغتابوك. الكاتبة أحلام مستغانمي
** **
- يوسف أحمد الحسن
@yousefalhasan