أ.د.عبدالرزاق الصاعدي
حين نستعرض جهود علمائنا في العربية وصناعة المعجم نقف لهم إجلالًا واحترامًا، وتأخذنا الدهشة من العمل اللغويّ الفخم المنجز الذي تركوه للأجيال بعدهم، على قلّة المتاح لهم في زمانهم من أدواتٍ ووسائل، ومع صعوبة الانتقال في بلاد العرب الواسعة.
معلوم أنّ صناعة المعجم من أكثر علوم العربية مشقّة وحاجة إلى الوقت والجهد والمشافهة والرواية والتنقل بين القبائل والبيئات والأمصار، لاستقراء كلام العرب كله ورصده وجمع متفرّقه وتدوينه وحفظه في أضابير ومجاميع، ثم تصنيفه على الحروف في معاجم أكبر، فرأينا مُصنّفي العين والجمهرة والتهذيب والمحيط والصحاح والمحكم والعباب واللسان والقاموس والتاج يبذلون ما في الوسع، ولكنهم لم يدّعوا الكمال والإحاطة، بل وجدنا لاحقهم يستدرك على سابقهم، في كل عصورهم، ولم يزعم أحد منهم أنه أحصى كلام العرب كلَّه في معجمه.
ومن المستقرّ عند رواة اللغة وصُناع المعاجم وأهل النظر من العلماء أن لغة العرب لم يدُوّن منها في المعاجم إلا جمهورُها، وأنه فات المدوّنين المعجميين قدرٌ صالحٌ من فصيحها وغريبها وشواردها ولهجاتها وشواهدها وشعرها ونثرها، فضاع من الفائت ما ضاع، ودرس منه ما درس، وبقي شيء غير قليل في مصادر الأدب واللغة غير المعاجم، ولم يزل شيء من الفائت جارياً على ألسنة كبار السنّ في بلاد المنبع اللغوي إلى اليوم، وبلاد المنبع هي المملكة العربية السعودية، حماها الله، بنجدها وحجازها وسرواتها وتهامتها وشرقها وشمالها.
ولم يكن الفائت قليلًا، وليس لنا فيه إلا التقدير، ولعلّي أقدّره بنحو الربع مما في المعاجم، وهذا كثير، فمنه ما دونته المصادر غير المعاجم، أو كان في المعاجم ولكنه جاء عرضاً في غير جذره أو لم يدوّن وبقي على ألسنة الناس، واندثر بعض قبل أن يصل إلينا وبقي بعضه إلى اليوم، وهو ما أسمّيه: الفوائت الظنية، وجمعت منه في نحو خمس عشرة سنة ما يقارب 5000 كلمة وأسعى إلى جمع 10000 كلمة.
والفوائت نوعان: قطعية وظنية، وسأذكرها في المقال الآتي، ثم أورد بعد ذلك طائفة من الفوائت مما حفظته لنا المصادر وفات المعجميين، وأسأل الله العون.