أ.د.صالح معيض الغامدي
تكتب الرسائل الشخصية عادة للاستعمال الشخصي الخاص وليس للتداول العام، فلا يقصد عادة من كتابتها وتبادلها بين الأقران أو الأصدقاء نشرها. وكثيرا ما تنشر بعد وفاة صاحبيها أو أحدهما. ويتولى نشرها عادة أحد المتراسلين أو ورثة الأشخاص المتراسلين أو بعض الأشخاص المقربين منهم، أو بعض الدارسين. وهي وسيلة للتعبير عن الأفكار والمشاعر وشؤون الحياة الأخرى بطريقة أكثر شخصية وحميمية. ومع ذلك، قد تتم مشاركة بعض الرسائل الشخصية مع الآخرين إذا وافق المرسل والمستلم على القيام بذلك. وفي الحقيقة فإن الغرض من الرسائل الشخصية هو التواصل على مستوى شخصي أكثر والحفاظ على التواصل.
لماذا يهتم بعضنا بقراءة الرسائل الشخصية التي يتبادلها الأشخاص فيما بينهم قديما وحديثا، طالما أننا لسنا معنيين بها ولسنا أحد طرفي التراسل فيها؟!
الحقيقة أن هناك ربما عدة أسباب تبرر هذا الاهتمام، منها أن الفضول يلعب دورا مهما في قراءة الرسائل الشخصية للآخرين، فمن الطبيعي أن يشعر الإنسان بالفضول تجاه أفكار الآخرين وعواطفهم وتجاربهم، وخاصة المقربين منا. ومنها أن الرسائل الشخصية تقدم لنا لمحة عن العالم الداخلي لشخص ما، وتكشف عن وجهات نظره وأسراره وتاريخه الشخصي، ومنها أيضا أن هذه الرسائل قد تحمل قيمة توثيقية بوصفها مصدرا مهما للمعلومات التاريخية، ومستودعا للرؤى الثقافية، والحكايات الشخصية، والروابط العاطفية، والأعمال الأدبية. فمن خلال قراءة الرسائل الشخصية، يمكننا توسيع معارفنا ومداركنا، واكتساب نظرات ثاقبة حول فترات زمنية متنوعة وثقافات مختلفة، كما يمكننا الوقوف على التجارب الإنسانية للآخرين بشكل عام.
ولكن ما علاقة الرسائل الشخصية بالسيرة الذاتية؟
الرسالة الشخصية الحقيقية والسيرة الذاتية كلاهما ينتمي إلى الأدب الذاتي، ولكن الرسالة لغتها أكثر حميمية وموضوعاتها محدودة ومحصورة في جوانب معينة، تغطي فترة زمنية قصيرة لا تعكس تجارب الكاتب الحياتية المتنوعة، والمخاطب فيها شخص محدد في كثير من الأحيان، وليست موجهة للجمهور القارئ بشكل عام. وفي الأغلب ما تستدعي الرسائل أو حتى تحتم ردا من المرسل إليه. والرسالة أو الرسائل الشخصية قد تكون في بعض جوانبها مكونا مهما من مكونات السيرة الذاتية لاحقا. والرسالة يغلب عليها الوصف والإخبار والاستخبار وليس السرد الاسترجاعي للتجارب والأحداث الماضية، وتكتب بأسلوب الزمن الحاضر للكتابة في الغالب. أما السيرة الذاتية فهي بخلاف ما سبق إلى حد كبير. وأخيرا، يمكن لبعض الرسائل ألشخيصية أن تكون سيرا ذاتية الطابع لكنها بالتأكيد ليس سيرة ذاتية لأنها تفتقد عناصر السيرة الذاتية المتعارف عليها، ولعل من أهمها المقصدية التي نجدها عادة في السيرة الذاتية متمثلة فيما يعرف بالعقد السيرذاتي الذي يبرمه الكاتب مع قرائه.