حاورها - محمد صالح الهلال:
(صوت العرب) الإذاعة العربية المعنية بالقضايا الاجتماعية والثقافية والسياسية في الوطن العربي، وقد مرت الإذاعة بتحولات كثيرة ومتعددة في مسيرتها التي تتجاوز نصف قرن، وخلال هذه المدة الطويلة برزت أسماء معروفة في هذه الإذاعة التي تأسست في جمهورية مصر العربية، وكان لهذا التأسيس حكايات وأحداث.
نستضيف في هذا الحوار الإذاعية المصرية المعروفة منال هيكل إحدى أبرز الأسماء التي أدارت إذاعة صوت العرب، لتحدثنا عن انطلاقة هذه الإذاعة، وعن تاريخها، وعن ولادتها، ومؤسسييها، وعن تجربتها في إدارة (صوت العرب) حيث تولت هيكل رئاستها عام 2022م، فإلى نص الحوار..
تأسيس إذاعة صوت العرب
لم يفصل بين الثورة وولادة إذاعة صوت العرب سوى عام واحد، حيث قدمت برامج متنوعة جمعت بين الفن والثقافة والسياسة، هل يمكن أن تحدّثينا عن تلك المرحلة؟ ومن هم أبرز صُنّاع هذه التجربة؟ وكيف تأسست الإذاعة؟
- بدأت فكرة صوت العرب مباشرة بعد ثورة 23 يوليو 1952م، وكان جمال عبد الناصر، قبل أن يتولى رئاسة الجمهورية، هو من أدار هذا المشروع بالتعاون مع اللواء محمد نجيب، أول رئيس لمصر، وقد أُسندت المهمة إلى فتحي الديب أحد مؤسسي جهاز المخابرات العامة، الذي كان مسؤولًا عن توظيف «الكلمة» كأداة من أدوات القوة الناعمة، لخدمة أهداف الثورة، وعلى رأسها تحقيق استقلال مصر.
لقد كان زكريا محيي الدين وجمال عبد الناصر من أوائل المسؤولين عن هذا المشروع، وكلف الضابط فتحي الديب بتولي ملف الإذاعة عن قرب، لاختيار العناصر المناسبة وتحديد آليات التنفيذ والتواصل مع الشخصيات المؤثرة. وقد وقع اختياره على شخصيتين محوريتين في ذلك الوقت: الشاعر صالح جودت، والمذيع أحمد سعيد، ليتحملا مسؤولية إعداد وإطلاق إذاعة تحمل اسم صوت العرب.
كان الهدف الرئيس من الإذاعة هو دعم مشروع الجلاء والاستقلال، وهو من أبرز شعارات ثورة يوليو.
وقد بذل كل من صالح جودت وأحمد سعيد جهدًا كبيرًا، من خلال تنظيم لقاءات مع مفكرين وأكاديميين وعلماء وشيوخ، للاستفادة من خبراتهم، وجمع مواد معرفية تسند انطلاقة إذاعة عربية قادرة على التأثير، ومع تطور المشروع، تحمّل المذيع أحمد سعيد العبء الأكبر، إذ تولّى إدارة الإذاعة منذ انطلاقتها في 4 يوليو 1953م وحتى عام 1967م، وقت نكسة حزيران. خلال تلك السنوات، كان صوت أحمد سعيد هو الصوت الرسمي للإذاعة، وهي بدورها كانت صوت مصر.
حضور «صوت العرب»
حضر صوت العرب في الخمسينيات والستينيات، فهل استثمرته الإذاعة؟ وأين موقعها بين الإذاعات العربية اليوم؟
- إذاعة صوت العرب حضرت فترة الخمسينيات والستينيات، وهي فترة الانطلاق والبداية، ويرجع الأمر أيضاً إلى أنها فترة شديدة الخصوبة.
الحقيقة أن صوت العرب حضر لفترة زمنية طويلة وإلى اليوم، وحضوره ربما يرتفع وينخفض في بعض الأحيان، نظرًا لكثرة الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي مرت بها المنطقة العربية أو تمر بها، لكن إلى اليوم لا تزال إذاعة صوت العرب لها موقع بين الإذاعات العربية؛ فهي تتواصل مع كل الشخصيات والأفكار والأصوات، والأمر تدريجيًّا مع تطور الأحداث، وتطور الزمن، وتطور الحالة الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية في المنطقة؛ فلم يعد دور صوت العرب يقتصر على السياسة فقط، بل امتد إلى كل مجالات الحياة المختلفة، من سياسة واقتصاد وثقافة وفنون وتنمية اجتماعية وبيئة وبحث علمي.
ولم يعد يقتصر الأمر على السياسة فقط، بل امتد إلى مجالات أخرى، فالعالم اتسعت ملامحه، وتعددت قضاياه، ولم يعد مختصرًا على الأفكار السياسية، فلكل مرحلة أهدافها وطريقتها، البداية كانت بسبب الاحتلال والمطالبة بالاستقلال، وكان التوجه سياسيًّا ثوريًّا بحتًا، وكانت أغلب البرامج تصب في هذا الاتجاه، ولكن بمجرد انتهاء الفكرة الأساسية وحصول بعض الدول العربية على الاستقلال، كان لا بد أن تسير صوت العرب في اتجاه ربما يختلف – قليلاً – عن الهدف الأساسي، ولكن يبقى الهدف الجامع؛ وهو التواصل مع كل الدول العربية والأفريقية في المناحي والمجالات كافة، وعبر الحدود، وتغطية كل المناسبات.
التوجه الثقافي لـ«صوت العرب»
من يتابع برامج إذاعة صوت العرب خلال هذه الفترة يلاحظ أن التوجه الثقافي والفني يغلب على برامج الإذاعة، وأن الجانب السياسي لا يحظى بالاهتمام لماذا؟
- إن الهدف الأساسي الذي من أجله أسست إذاعة صوت العرب على الموجات الإذاعية اختلف باختلاف المعايير والأهداف والقضايا الاقتصادية والسياسية والظروف المجتمعية الموجودة في كل دول العالم العربي، هذا الاختلاف والتغيير استدعى - أيضًا - تغييرًا في طبيعة ما يتم بثّه من برامج وفقرات على موجات صوت العرب، فكان الاهتمام ليس - فقط - بالسياسة كما هو حال البداية، ولكن لمزيد من المتابعة والتقارب، أصبح هناك تواصل ثقافي، واقتصادي، وفني، وديني، وعلمي، وبيئي، وتنموي، واجتماعي، وتكنولوجي، وهي مجالات أصبحت لها تأثير كبير جدًا، وكل ما يخص تفاصيل المجتمعات العربية.
فالتغييرات التي مرّت بها منطقتنا العربية - على امتداد سنوات - أتاحت فرصة لظهور هذا التنوع في برامج صوت العرب، لكي تواكب حالة التطور والتنوير التي يمر بها عالمنا العربي.
التجربة الإعلامية
ماذا أضفتِ لصوت العرب؟ وماذا أضافت لك؟
- الحقيقة إن إذاعة «صوت العرب» أضافت لي أشياء كثيرة، فأنا بدأت عملي بصوت العرب، مذيعة أخبار والبرامج الإخبارية والسياسية تعلمك الدقة في نقل الأحداث، وسرعة في عملية النقل، والآنية والحيادية، وتغطية الأحداث من الاتجاهات والجوانب كافة، وعدم الاعتماد على مصدر واحد - فقط - للمعلومات. فقد أضافت إليّ الكثير، أضافت لي معرفة مصادر كثيرة وضيوفًا مختلفين. أضافت إلي فرصة الاقتراب من أفكار عديدة، وعلى كل المستويات، بدءاً من المستوى السياسي مروراً بالاقتصادي والثقافي والفني والفكري والاجتماعي والعلمي، وأبقتني بوعي كامل بما يجري في مجتمعنا المصري والعربي، ففكرة الاقتراب من الأحداث تجعلك أكثر دراية بما يمكن أن يقال وما يمكن تأجيله لوقت آخر، أضافت إلي شكل التعامل مع الضيوف العرب المختلفين، كلٍّ بثقافته وفكره، وطبيعة عاداته وتقاليده، وفتح المجال أمامي لمعرفة تفاصيل تلك العادات، ومدى التشابه والقرب والاختلاف، وكيف يمكن أن يكون القرب وسيلة من وسائل التواصل والقوة ودعم التنوير.
البرامج المتنوعة والبث المباشر
ما أقرب البرامج إلى نفسك؟ السياسية أم الثقافية؟ وكيف يكون استعدادك لبرامج البث المباشر؟
- في الحقيقة، قدّمت عبر مسيرتي الإذاعية عددًا كبيرًا من البرامج، بعضها لا أزال أذكره، وبعضها الآخر قد يضيع مني وسط زحام التجربة وطول المشوار. لكن من أقرب البرامج إلى قلبي:
«جريدة العرب»: برنامج شامل يغطي تفاصيل المشهد العربي العام.
«حوار مع مستمع»: برنامج تفاعلي له طابع إنساني مباشر.
«بيت العرب»: متخصص في نقل تفاصيل وأحداث الجامعة العربية.
«لقاء السبت»: برنامج أسبوعي على الهواء مباشرة، قدمته على مدى 15 عامًا، وكان يناقش قضايا محورية على المستوى المصري والعربي.
«يا هلا»: برنامج مباشر أيضًا، تناول موضوعات آنية بتفاعل حيّ.
«بالعربي»: برنامج أسبوعي ناقش قضايا متنوعة ومهمة على الصعيدين المصري والعربي، بمختلف محاورها المجتمعية.
«صوت الإذاعات العربية»: برنامج يعرّف المستمع بطبيعة البرامج الإذاعية في الدول العربية، خاصة في شهر رمضان وفترات الأعياد، حيث تختلف النكهات والأساليب.
كما كان لي شرف تغطية العديد من القمم والمناسبات العربية، إضافة إلى برامج خاصة بميلاد شخصيات فنية وثقافية واقتصادية. إنها مسيرة طويلة وممتدة، وأرشيف غنيّ بالبرامج المؤثرة.
أما عن الاستعداد للبث المباشر، فهي مسألة في غاية الأهمية والدقة، فالكلمة حين تخرج على الهواء لا مجال لاستعادتها. يبدأ التحضير بتحديد الإطار العام للحلقة: ما موضوعها؟ وما المحاور الرئيسة؟ ثم تأتي مرحلة إعداد الأسئلة، وفق طبيعة الموضوع والضيف معًا. لا بد من معرفة خلفية الضيف، اهتماماته، آخر مؤلفاته إن وُجدت، والتخصص الذي يتم الحوار حوله.
ببساطة، يجب أن تكون الصورة ذهنية متكاملة، واضحة ومشبَعة، لكل تفاصيل الحلقة. كذلك من المهم أن تضع نفسك مكان المستمع: ما الذي يثير اهتمامه؟ ما الأسئلة التي يتمنى أن تُطرح؟ لأن البث لا يُقدّم للمذيع ولا للضيف، بل للمستمع أولًا وآخرًا.
كما تختلف طبيعة التحضير إذا كان الضيف داخل الاستديو، عن حالة الاتصال الخارجي مع ضيف من دولة عربية، أو خلال قمة عربية أو بث مشترك بين أكثر من إذاعة. فلكل نوع من هذه البرامج طبيعته واستعداداته الخاصة، ولغته في الطرح، وطريقته في إدارة الحوار.
مذيعو «صوت العرب»
علام يبني صوت العرب اختياره للعاملين فيه في جميع المجالات؟ وماذا يقدم لتطوير أدائهم؟
- فكرة الاختيار للعاملين بصوت العرب، ربما القاسم المشترك الأكبر، يعتمد على أن من يرغب في العمل بصوت العرب عليه أن يكون محبًّا ومدركاً لطبيعة صوت العرب؛ لأنها ذات طبيعة ليست بسهلة، وليست بالبسيطة، لابد أن يكون شخصية مرنة، قادرة على التطوير، قادرة على التعامل مع الشخصيات والأفكار والمحاور كافة. وأن تكون اللغة العربية، لغة سليمة جداً وواضحة، أن يكون هناك معرفة لمعظم مجالات الحياة، حتى يمكن أجراء الحوارات بشكل أكثر سهولة.
فكرة التطوير أعتقد أنها فكرة شخصية بحتة، بمعنى تطوير الإنسان لنفسه يعتمد على قدرته لمعرفة ما يدور حوله من أحداث، يتعرف على الجديد، وكيف يمكن اللحاق بهذا الجديد. فكرة الانتقال للدول المختلفة ومعرفة ما يدور في فلكها. ما قصدت قوله: إن فكرة التطوير هي فكرة شخصية من الأساس. الإنسان هو القادر على تطوير نفسه، تطوير أفكاره، تطوير أدواته، لمعرفة الجديد حتى يتمكن من التعامل مع هذه الأجواء والأفكار، لأن من يقف عند حد معين. لا أعتقد أنهُ قادر على استكمال المسيرة الإعلامية التي تحتاج إلى قدر كبير من التطور والتغيير ما بين الحين والآخر.
وسائل التواصل (السوشيال ميديا) والإذاعة
ما تأثير وسائل التواصل (السوشيال ميديا) والفضائيات على نسب الاستماع للإذاعة عامة؟ ولصوت العرب خاصة؟
- لا شك أن للسوشيال ميديا والفضائيات تأثيرها وأساليبها الخاصة، ولها بعض الجوانب الإيجابية والسلبية، ومن الجوانب الإيجابية أن الإذاعات التقليدية أو الحكومية إذا جاز التعبير ومنها إذاعة صوت العرب، هي إذاعات يمكن أيضاً أن تتعامل مع التكنولوجيا، وتفاصيلها المختلفة، للتطوير والتغيير والوصول إلى جمهور أكثر من خلال وسائل التواصل الاجتماعي من فيس بوك، وأنستغرام، وتويتر، وسناب شات، تكتوك، ويمكن الاستعانة بهذه القنوات للتواصل مع عدد أكبر من الضيوف المهمين في مجالات متعددة، وتتواصل معهم ومتابعة تطور الأحداث التي تتسع باتساع العالم العربي، فمن خلال تلك الشبكات نرتبط – نحن - بما يدور من حولنا من قضايا وأحداث، بالدول الأخرى. (السوشيال ميديا) غيرت كثيراً في نمط حياة مستمع صوت العرب، وغيرت كثيراً في أسلوب الحياة بشكل عام، وطبيعة التفكير، هذا يجب أن نضعه في الاعتبار ونحن نبث أي إذاعة، سواء إذاعة صوت العرب أو أي إذاعة عربية أخرى؛ لأن هذه التأثيرات يجب الوقوف عندها، والاقتراب منها؛ لنرى الصورة بوضوح أكبر، نعرف ما التغييرات التي لحقت بمجتمعاتنا العربية؟ ماذا تحتاج هذه المجتمعات؟ ماذا تحتاج الأعمار السنية المختلفة بهذه المجتمعات؟ لبدء التعامل معها، وسائل التواصل الاجتماعي عامل مساعد، وليس عامل هدم، هي عامل مساعد بالأساس يمكن من خلالها تغيير الكثير من الأفكار، نصل عن طريقها لأفكار جديدة، ضيوف جدد، محاور وحوارات وطرح جديد، ويمكن زيادة نسب الاستماع، لكل عصر أدواته وطرقه ولكن النقطة الفارقة والمهمة كيفية الاستفادة من تلك الأدوات، والتطور، بما يخدم شكل الوسيلة الإعلامية التي نعمل بها، وكما قال أساتذتنا الكبار الذين تعلمنا على أيديهم: كيف نكون إعلاميين؟ لا يوجد وسيلة إعلامية يمكن أن تقتل وسيلة أخرى، أو تساعد على اختفاء وسيلة أخرى، كل وسيلة إعلامية لها شكلها، ولها طبيعتها، ولها قدرتها على التواصل، يمكن أن تستفيد من الوسائل الأخرى لتطوير نفسها؛ لتصبح جنباً إلى جنب مع الوسائل الأخرى.