د.أمل بنت محمد التميمي
انطلقتُ إلى مسقط في رحلة ثقافية غنية، حيث كان معرض مسقط الدولي للكتاب (29) نقطة التقاء لعالم الثقافة والفن. أمثِّلُ وطني الغالي المملكة العربية السعودية في جناحها، برعاية هيئة الأدب والنشر والترجمة، مقدمة محاضرة بعنوان «المسرح التجريبي: بين كسر القواعد وخلق لغات جديدة». كانت تلك الجلسة حوارية بين الفكر والفن، حيث ناقشنا أبعاد المسرح المعاصر وأثره على الثقافة العربية.
في صباح دافئ من أبريل، حملت حقيبتي وقلبي الممتلئ بالفخر متجهة إلى سلطنة عمان، منذ اللحظة الأولى لوصولي إلى المعرض، شعرتُ بأن هذه الرحلة ستكون مختلفة. كانت الاستضافة كريمة، والاستقبال دافئًا. استقبلني بحرارة كل من مرام الصحن، المشرفة على الجناح، وحاتم المحاربي، حيث قدما لي جولة تعريفية في الجناح السعودي. لكن ما أسعدني أكثر هو اللقاء مع أشقائنا العمانيين، مثل الدكتورة عائشة الدرمكي، الدكتورة فوزية الفهدي، والحكواتية ثمنة الجندل. كان حديثنا مشحونًا بحكايات عمانية قديمة وجمالياتها الفريدة، سأصف لكم هذه الرحلة باختصار شديد.
محطتي الأساسية كانت جلسة حوارية بعنوان: «المسرح التجريبي: بين كسر القواعد وخلق لغات جديدة»، وهي جلسة حاولت من خلالها أن أجيب على الأسئلة التي كان يطرحها بدر الحارثي: كيف يمكن للمسرح أن يتحرر من قوالبه؟ وكيف نخلق لغات جديدة للتعبير المسرحي دون أن نفقد صلته بجمهوره؟ استعرضت بعض النماذج من التجارب المسرحية، وناقشتُ كيف يمكن للمسرح السعودي أن يواصل تطوره في هذا الاتجاه التجريبي الذي لا يخشى المغامرة الفنية. واستعرضنا تاريخ المسرح التجريبي العربي والعالمي والسعودي والدراسات السعودية التي أنجزت في هذا المجال على سبيل المثال: دراسة جابر النجادي المسرح التجريبي في النص السعودي الفصيح، ودراسة ياسر المدخلي أزمة النص المسرحي والكثير من التجارب الرائدة، مثل تجربة فهد ردة الحاثي.
(الجزء الثاني المعصرات) بعد أن انتهت الجلسة الحوارية التي ألقيتها ضمن فعاليات المعرض، وجدتني محاطة بمشاعر الامتنان والدفء. لم تكن فقط التصفيقات التي استقبلت كلماتي ما أثر في نفسي، بل ذلك الحضور العميق من الزميلات العمانيات اللواتي قدمن لي باقات من الورد، وعلبًا من الحلوى العمانية، وكؤوسًا من القهوة، وشيئًا من اللبان الذي تفوح منه رائحة الأرض والذاكرة.
لحظات التكريم هذه لم تكن رسمية، بل إنسانية بامتياز. بعدها، انتقلنا إلى جلسة عُمانية في ركن من أركان المعرض أصيلة تُعرف محليًا بـ(المعصرات)، وهي جلسة ما بعد العصر، تشبه المجلس، لكنها محملة بالحكايات، والتعليقات اللطيفة، والضحك الذي يخرج من القلب.
كنا نجلس في ركن مفعم بالأنس، تقوده الدكتورة عائشة الدرمكي، الوجه الثقافي المعروف في سلطنة عمان، وصاحبة الحضور اللافت وصاحبة مركز ثقافي نشط. كان يسلم عليها كل من مر بجلستنا الجميلة، والدكتورة عائشة التي بدورها كانت تعرفهم إليّ بكل حب: «هذه أمل التميمي من السعودية، كاتبة وباحثة .. اسمعوا منها، واحكوا لها!»
وهكذا، تحولت الجلسة إلى مهرجان صغير للحكايات الشعبية. طلبت د عائشة من كل واحدة أن تسرد حكاية من لهجتها ومنطقتها.
كانت اللحظة ذهبية. من بين من حضرن، كانت هناك ذكرى، التي أتحفتنا بحكايات بلهجة (أهل بهلا)، تلك المنطقة العمانية الجميلة، وقد سردت لنا القصص بلهجتها المحلية، موضحة المعاني، وطريقة النطق، وعابرة بنا بين زمن الجدات ومخزون التراث الذي يفيض دفئًا.
في تلك اللحظة، شعرت أنني لم أكن ضيفة، بل جزء من نسيج ثقافي حي. كانت الجلسة مليئة بالقصص، ولكنها أيضًا كانت مليئة بالحب، والكرم، وروح الأصالة.
(الجزء الثالث الفن العماني) بعد دفء جلسة المعصرات التي جمعتني بأسماء ثقافية بارزة من سلطنة عمان، جلسة العصر المليئة بالحكايات، والنكهات اللهجية المتنوعة، انطلقنا في جولة جديدة نحو ركن مختلف من المعرض، حيث المعرض الفني المصاحب المقام في الطابق السفلي.
كنا نتحرك برفقة الزميلات في ممر طويل، بدا وكأنه جزء من متحف شعبي صغير. على امتداد الممر، كانت تنتشر صناديق خشبية صغيرة مزخرفة، تُعرف في عمان باسم «المندوس». أخبرتني الزميلات أن المندوس هو صندوق تراثي خاص بجهاز العروس وكل ما يليق ببداية جديدة، وفرق بينه وبين الصّحارى التي تُخزّن فيها الذكريات، والذهب، والعطور، وكل ما يليق بأشياء المرأة الثمينة. كم كان جميلاً أن أتعرف على هذا الرمز الثقافي المميز، الذي يجمع بين الجمال الوظيفي والرمزية العاطفية.
واصلنا السير حتى وصلنا إلى المعرض الفني، حيث التقيتُ الفنان التشكيلي خميس البلوشي، والذي قدّم نفسه مازحًا باسم لافت:
«فنان تشكيلي... وأشكّلك!»
كان الفنان يعرض أعمالًا لفنانين من المعلمين والمعلمات، ممن علّمهم بنفسه، باستخدام عجينة الورق المُعاد تدويره، لإنتاج أعمال تشكيلية ذات بعد إنساني عميق.
تأملتُ لوحات الوجوه التي عرضها، وكانت جميعها تُظهر وجهًا بملامح واحدة فقط – بعين واحدة أو نظرة مركزية قوية، وكأنها تنقل كل ما يمكن أن يختبئ خلف تعبير واحد: دهشة، حزن، تأمل، أو حتى رضا ساكن.
شرح لنا الفنان خميس البلوشي فلسفته في استخدام الورق المُعاد تدويره، وكيف أن فن الوجوه لديه قدرة على أن يعكس مشاعر الإنسان الداخلية إلى الخارج. كانت لوحاته تتحدث بلغة صامتة، لكنها بالغة في التعبير.
خرجت من المعرض الفني وأنا محملة بتجربة جديدة؛ مزج بين البيئة، الفن، التعليم، والتعبير الإنساني، وهي أبعاد أراها قريبة جدًا من روحي كأكاديمية تهتم بفنون الأداء، والتجريب، والبعد التعبيري في كل شكل من أشكال الإبداع.
(الجزء الرابع المرأة العمانية في الفن) واصلنا جولتنا في أروقة المعرض الفني، برفقة الدكتورة عائشة الدرمكي، التي لا يمكن المرور بها دون أن تشعر بدفء حضورها الإنساني. كل من يراها يسلم عليها، يبتسم لها، يتوقف ليحادثها، فهي وجهٌ ثقافيٌ معروف، وصاحبة حضور أصيل في المشهد الثقافي العماني. كانت تعرفني بكل من نصادفه، كما لو أننا عائلة واحدة كبيرة تتشارك المعرفة والشغف بالفن.
في أحد الأركان، توقفنا أمام فنان موهوب يرسم بالفحم على السجاد، ينسج وجوهًا وخطوطًا بالأسود والرمادي على نسيج الأرض، فتصبح الأرضية معرضًا ناطقًا بالفن، لا مجرد بساط يُداس. ثم جذبنا ركن آخر تفيض منه رائحة الزعفران. هناك، كانت لوحات تشكيلية تجسد عادات أهل عمان في زينة النساء: تسريحات الشعر الممشط بـ»الياس»، والياس (الآس) كما ذكرت لنا د فوزية لتعطير الشعر ويشبه رائحة الهيل، وتجميل وجوه الفتيات الصغيرات بالزعفران، وكحل «المفرق»، والبراقع التي تختلف أشكالها بين المناطق. كانت اللوحات ليست فقط فنًا بصريًا، بل توثيق حسي لثقافة متجذرة في التفاصيل.
تعرفنا أيضًا على المدرسة الفنية لمناطق الباطنة، حيث تتداخل الألوان والرموز المستلهمة من البيئة البحرية والريفية. الفن هنا لا يُنتج فقط، بل يُحكى به.
وفي زاوية مهيبة، وقفنا أمام أعمال فناني عُمان الراحلين، حيث تم تكريمهم بعرض إنتاجاتهم الفنية الخالدة. من بينهم: الفنان أيوب ملنج، ومحمد نظام، وموسى عمر، كل واحد منهم كان يحمل بصمته، مدرسته الخاصة، وصوته الفني الذي لا يزال يتردد رغم الغياب. رأينا كيف تجسدت هوية عُمان في خطوطهم وألوانهم، وكيف تحدثت كل لوحة عن الأرض، والإنسان، والتاريخ.
وفي لحظة تأمل، توقفنا أمام عمل نحتي مميز من السيراميك، نحته أحد الفنانين العمانيين، وقد جسّد فيه مشهدًا مؤثرًا: رسالة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم- إلى أهل عُمان، المنحوتة بتفاصيل دقيقة تُجسد الحدث التاريخي ومكانته الروحية في الذاكرة العمانية. كانت تلك الجولة أشبه بعبور في ذاكرة وطن، عبر الفن.
(الجزء الخامس سوق مَطْرّح) بعد جولة المعرض الفني، التي كانت رحلة في أعماق الفن العماني، قررنا أن نغادر الأروقة الفنية قليلاً، ونكتشف سحر سوق مطرح الشهير، الذي ينبض بالحياة والموروث العماني. كان لنا موعد مع التاريخ، حيث توجهنا إلى هذا السوق التقليدي، والذي يعدّ نقطة التقاء بين الأصالة والحداثة، بين الناس والذوق، وبين الباعة وأصواتهم التي تملأ الأرجاء.
سارعت الدكتورة فوزية الفهدي ومرام الصحن في تعريفنا بكل زاوية من زوايا سوق مطرح. فبداية من الممرات الضيقة التي تنبعث منها روائح التوابل والبخور العمانية، إلى المحلات التي تزدحم بالأقمشة الملونة والمصنوعات اليدوية، كانت المشاهد كأنها لوحة فنية تُعرض أمام ناظري. وقفنا أمام بيت سبيل بن بهران الذي مكتوب عليه تاريخ 1939 الذي كان يطلّ برشاقة على البحر، وقد شيد هذا البناء على الطريقة العمانية القديمة، بـ(برنداته) أي شرفاته العتيقة التي تشهد على حكايات الماضي.
بعد ذلك، توجهنا بالأقدام نحو ميناء السلطان قابوس، حيث يرسو اليخت الفاخر «فلك السلامة»، الذي يعدّ رمزًا من رموز الفخامة العمانية. كان الميناء يشع بالهدوء، حيث تجمعت سفن صغيرة يحيط بها صمت البحر، فيما كانت نسمات الهواء تأتي محملة برائحة الموج المالح.
لكن أكثر ما لفت انتباهي كان منظر اليخت السلطاني (يخت آل سعيد) الذي كان يرسو بالقرب. هنا، كان التاريخ ينبض على الماء، وتنساب بيننا اللحظات العابقة بالحكايات التي تحكيها المراكب. استمتعتُ أيضًا بزيارة قلعة مطرح، التي كانت محاطة بالمقاهي الصغيرة التي تقدم القهوة العمانية الطيبة. القلعة نفسها كانت حارسًا صامتًا للتاريخ العماني، ولا يزال (سور اللواتية) التجار يشهد على العراقة ويُضيف بُعدًا آخر للمشهد.
واحتفظت ذاكرتي لحظة جميلة أخرى، عندما مررنا بالقرب من (نصب الدلفين) استحضرت د فوزية الكثير من الحكايات عن (جزيرة الديناميات)، حيث الدلافين تسبح في ال مياه الزرقاء وتتحرك برشاقة وكأنها جزء من الحكاية العمانية القديمة. ومشهد السلاحف وهي تبيض كأن المكان يجسد صلة الإنسان بالبحر، واحتفظت الصورة في ذهني عن الحكايات مشهدا جميلا.
وفي هذا السياق العتيق، أتممنا جولتنا بشراء بعض الهدايا من سوق مطرح، حيث اشتريت اللبان العماني الممزوج بالعطر الفاخر من العنبر والمسك واللافندر والسلطاني. كان عطره يحملني إلى عالم آخر، عالم من الزهور والأرض العمانية الطيبة. ثم اخترنا بعض البخور الذي يعبق برائحة الماضي، وبرائحة الرمان الذي ينساب عصيره كرمز للخصب والنماء.
لم تكتمل الرحلة دون أن نستمتع بجمال اللباس العماني التقليدي، فاشترينا من الكومة (اللباس العماني التقليدي) والدشداشة العمانية، وتلك الملابس التي تروي حكايات الأجداد. كانت تجربة ممتعة، حيث تجسد الثقافة في الملابس، والمكان، والرائحة، واللمسة التي يحملها كل منتج. لم يكن هذا اليوم مجرد جولة سياحية، بل كان رحلة ثقافية عميقة، تجسد ما عايشته عمان عبر الأزمان، وتنقله لي بكل تفاصيله الصغيرة والكبيرة.
(الجزء السادس العيش القبولي العماني) بعد أن خرجنا من سوق مطرح، كانت الدكتورة فوزية الفهدي تردد في ذهننا كلمات سيف الرحبي عن مدينة مطرح. وكأن قصيدته كانت تكتب أمام أعيننا، بين زقاق السوق وعبير اللبان الذي لا يغادر ذاكرته. قالت لنا بحنان: «مطرح... مدينة البحر والتاريخ.» كانت تلك الكلمات تتناغم مع الأجواء العمانية التي تنبض بالحياة والذكريات.
واصلنا طريقنا، فمررنا أمام أوبرا مسقط، حيث كانت الدكتورة فوزية تروي لنا حكايات عن القصائد التي تغنى على مسرح الأوبرا. كانت تروي كيف أن هذا المكان يعكس جمال عمان وروحها، حيث تلتقي الموسيقى بالفنون الرفيعة، ويغني الفنان العماني على خشبته، وتنتقل الأصوات بين الأفق والجمهور، كأنها تعبير عن تاريخ طويل يتنقل بين الأجيال.
بعد ذلك، توجهنا إلى ولاية السيب لتناول العشاء في أحد المطاعم العمانية الرائعة، والذي صُمم بعناية ليعكس العمارة العمانية التقليدية. كان تصميمه العمراني يحاكي الهندسة العمانية الأصيلة، حيث انتشر السماط الورقي على شكل الحرف القديمة المصنوعة من سعف النخيل، ليتناغم مع البيئة المحيطة وكأن المطعم جزء من التاريخ نفسه. واكتملت التجربة، ونحن نتناول الطعام الذي يأخذك إلى الأعماق العمانية.
أما عن الطعام العماني، فلا أستطيع أن أصف لكم لذته، خاصة عندما نحدث عن (العيش القبولي العماني)؛ الرز الذي يتم طهوه مع اللحم داخل ورق الموز، ليحافظ على نكهته الطبيعية، كان أشهى مما يمكن أن أتخيل. كانت لذة الأكل العماني فريدة، تنبض بكل ذرة من أصالة الأرض. وفجأة، وكأنها تكشف عن سر صغير، قالت لي الدكتورة فوزية بابتسامة مشوقة: «السر في خل التمر، هو الذي يعطي الطعام العماني هذه النكهة المميزة.»
لقد كان لحديثها طعماً آخر، وكنت أشعر وكأنني أكتشف جزءاً من ثقافة هذا البلد عبر أطباقه المميزة. كنت أتذوق ليس فقط الطعام، بل قصة متكاملة تجمع بين الأجيال، والتراث، والعادات، وكل ما يميز عمان عن غيرها.
(الجزء السابع وطني المملكة العربية السعودية) وفي ختام هذه الرحلة الثقافية التي لا تُنسى، لا يسعني إلا أن أتقدم بشكر كبير للمملكة العربية السعودية، التي قدمت لنا هذه الفرصة الرائعة للقاء أشقائنا العرب في سلطنة عمان. كانت هذه الزيارة بمثابة جسر من التبادل الثقافي والحوار بيننا، حيث تبادلنا الحكايات، والأفكار، والهدايا، وكل ما هو ثمين من ثقافاتنا العربية المشتركة.
لقد كانت هذه الرحلة فرصة حقيقية لرؤية جهود السعودية الكبيرة في رسم معالم ثقافية خاصة بها على الساحة الدولية، وعزّزت فيها مكانتها بين الشعوب العربية. كان للهيئة هيئة الأدب والنشر والترجمة دورٌ بالغ الأهمية في تسهيل هذه التجربة، وجعلها محطة فاصلة في بناء جسور الثقافات. لقد منحونا هذه الفرصة الذهبية، كي نكون جزءًا من هذا الحوار الحضاري الذي يسهم في إثراء المشهد الثقافي العربي بشكل عام.
أثبتت هذه الرحلة أن الثقافة هي لغة عالمية، يتحدث بها الجميع، وأن الكتاب والفن والمسرح قادرون على تقليص المسافات بين الشعوب وتعميق التفاهم والتقدير المتبادل. كانت هذه الزيارة أيضًا بمثابة دفتر مذكرات خاص وجميل وثمين، سأتذكره طيلة حياتي، وستظل لحظاته محفورة في ذاكرتي، بذكريات لا تُنسى من الحب، والشراكة، والتقدير بين ثقافاتنا العربية العميقة.
(الجزء الثامن والأخير الإعلام العماني) وفي ختام هذه الرحلة التي شكلت جزءًا من ذاكرة عمرية لا تُنسى، أردت أن أخص بالذكر شكرًا خاصًا لبرنامج منتدى الوصال، الذي يقدّمه الإعلامي سالم العمري، والذي كان له الفضل في نقل مشاعره الجميلة عن المملكة العربية السعودية وجامعة الملك سعود، عبر الأثير العماني. لقد استطاع سالم العمري، ببلاغته العمانية الفريدة، أن ينقل كلماته بكل صدق وشفافية، بما يعكس عمق العلاقة الثقافية بين الشعبين السعودي والعماني. كانت كلماته بمثابة جسر من المحبة والتقدير، تجسّد الروابط التي تجمعنا بوصفنا عربًا، يجمعنا التاريخ، والمصير، والمستقبل المشترك.
كما أردت أن أوجه كلمة شكر لطيفة للإخوة العمانيين، الذين استقبلونا بأذرع مفتوحة وحفاوة لا تُوصف.
كانت عمان، بحضارتها الغنية، وناسها الطيبين، مكانًا رائعًا للقاءات مليئة بالثقافة، والإبداع، والإنسانية. كان لنا شرف التبادل الثقافي معكم، ونُحيي في قلوبنا تلك اللحظات التي سنظل نذكرها بكل تقدير واحترام.
وأخيرًا، لا يسعني إلا أن أعبر عن عميق امتناني لجميع الذين ساهموا في جعل هذه الرحلة ممكنة، سواء من فريق الهيئة السعودية للأدب والنشر والترجمة، أو من أشقائنا العمانيين الذين جادت قلوبهم بما هو خير، وفتحوا لنا نوافذ من الإلهام الثقافي.
(حضور الدراما السعودية في المشاهدة العمانية) (إشادة لافته خلال الرحلة) خلال رحلتنا الجميلة في سلطنة عمان، لا يمكنني إلا أن أذكر الحديث الدافئ الذي سمعته عن مسلسل «شارع الأعشى»، أحد أبرز الأعمال الدرامية السعودية التي أثارت إعجاب الأشقاء العمانيين. كان مسلسل «شارع الأعشى» وما يحتويه من عمق درامي، وجمال في الأداء والإخراج، موضوعًا محوريًا في العديد من الحوارات مع الفنانين العمانيين والجمهور العماني الذي عبّر عن تقديره الكبير لهذا العمل الفني.
لقد لاحظت كيف أن هذا المسلسل قد استطاع أن يخترق قلوب العمانيين، ويترك بصمة عميقة في الذاكرة الثقافية لهم. يتحدثون عنه بإعجاب، مؤكدين أن الدراما السعودية قد وصلت إلى قلب عمان، بما تحمله من رسائل إنسانية، إن التبادل الثقافي الذي تتيحه الدراما السعودية، مثل «شارع الأعشى»، يعزز من العلاقات الإنسانية بين الشعب السعودي والشعب العماني، ويفتح أبوابًا جديدة للتفاهم المتبادل عبر الشاشة. وإنني شخصيًا فخورة بأن أرى كيف أن الفن السعودي بات له صدى واسع في عمان، ويشكل جسرًا ثقافيًا بين بلدينا، ويسهم في بناء حوار فني مشترك.
(الختام) وأخيرًا، في ختام هذه الرحلة، لا بد لي من توضيح شيء لطيف قد يتساءل عنه البعض، وهو معنى كلمة «غاوية» باللهجة العمانية. في عمان، تعتبر «غاوية» تعبيرًا محببًا يحمل الكثير من الود والإعجاب. وهي كلمة تُستخدم للإشارة إلى شيء أو شخص رائع وجميل، بمعنى أن الشيء الذي يُوصف بـ»غاوي» هو مؤثر بشكل إيجابي، يترك أثرًا طيبًا في النفوس. وإذا قال لك العماني «الصورة غاوية»، فهو يقصد أنها جميلة جدًا، تحمل جاذبية خاصة، تُثير الإعجاب وتلامس القلوب.
لقد أصبحت كلمة «غاوية» جزءًا من الحوار الجميل بيننا، تُستخدم للتعبير عن التقدير والجمال في كل ما يخص عمان. وفي رحلتي هذه، كانت كل لحظة، وكل لقاء، وكل صورة تحمل هذا المعنى من الجمال والدفء الذي لا يُنسى.
** **
- جامعة الملك سعود