علي حسين (السعلي)
وأنا أقرأ الديوان الذي جاء بعد انقطاع أعوام، فكرت كثيرا ما الذي بين اللذة والموت، ماذا يقصد الشاعر، لماذا أخفاه عن القارئ؟
حين وجدت فتاة جميلة تتوسط الفراغات حزنت على الغلاف، فكيف يجمع الكاتب على غلاف الموت بأنثى؟
أيضا تساءلت لماذا أتى بقصيدتين عن لبنان والعراق؟
الديوان مستفز للقارئ وللناقد معا!
للقارئ:
انتقاله من شعر التفعيله إلى الكلاسيكي وهكذا مركزا على مقاطع شعرية، كذلك اجتماع مكرر بين كلمتي الرمل والمطر لقرابة الثماني جملة!
أما للناقد:
ماذا يقصد بهذا التراسل بين تفعيله وكلاسيكي ولماذا تكرر الرمل والمطر في الديوان؟
فلسطين القدس حاضرة في الديوان مدافعا عنها الشاعر بشكل واضح وفيه تساؤلات كثيرة بين النصرة والخيبة الحقيقة. الديوان يحتاج إلى أن يختار له منهجا نقديا لتتبع جمالياته منها البنيوية، اللغة المفردة، الصور الشعرية والأكيد فرضية الأسئلة وتتبع علو الكلمات وانخفاضها والعكس!
الديوان عبارة عن مسرحية شعرية ثلاثية الفصول لشاعر واحد وعلى بركة الله نفصل ما جاء في الديوان لعلنا نزيده جمالا على جمال بين اتكاء سطور وانثيالات سرور حب الرياض العاصمة يعد الأبرز ما في الديوان، كذلك أبها وجدة المعضلة الحقيقة التي واجهتني هي:
ماذا يريد الشاعر أن يقوله في الديوان؟ يشغلني هذا السؤال كثيرا، وبماذا خرجت بعد انتهاء قراءته؟
هذا الديوان ابتدأ بنص طفلة، ثم صاحبه ومطر القرية إلى مدينته حتى ارتكز على سؤال بين الشيخ والصبية، ثم يعود إلى سرد تاريخ الحكاية، هذا الديوان أشبه بمسرحية شعرية في انتظار مخرج ماهر؛ كالشاعر في فلسفة العنوان:
العنوان «ثلاثية.. اللذة والموت على الغلاف صورة أنثى مبتسمة بكامل زينتها وعلى كتفها اليمين فراشة بلونها الأصفر في أطراف جناحيها سواد حين عرفنا أن من رسمها ضياء عزيز، تناسلت من فكري اجتماع شاعر ترجمته أنامل فنان بارع، فما بين اللذة والموت.. هل تلك الأنثى؟ أعتقد أن إكمال النقط هو: أنا! فكأن العنوان كالتالي: ثلاثية اللذة وأنا والموت فلا يليق بأنثى موتا إلا إذا قصد الشاعر أن توأمة الأنا هي الأنثى حبيبته، عشيقته. والموت هنا الفراق لتستقيم الجملة بين ثلاثية اللذة وهي وأنا والفراق، فالفراق موت معنوي وليس حسيًا باقية في روحه وإن تفرقا!
- البدء بالصغيرة:
رصد الشاعر منذ بدء صغيرته مسافات خطواتها بحرفنة في البيت، في المدرسة، في العودة للأسرة لملاحقة المرأة وأختها حتى استعارة أدواتها يقول:
أنا عن الدنيا تغيب صغيرتي
ولها أساطيل الحداد
التقاطات مدهشة بأنات الأبوة
- استلهام الثبيتي وروح شعريته:
ارتهان الشوق في طي رق روح الثبيتي هي مشاعر شاعر وإحساسه تأجج نار شوقه متلهبا تذكر شاعر لشاعر جاءت مفردة «صاحبي» لتعلن الشوق من قرص الشمس في غروبها كأن الشاعر يقول:
لا عاد لشروق الشمس لذة بعد رحيلك سوى همس الذكريات مقطوعة مدهشة لاجترار الألم بماض شاعر وواقع شاعر يقول:
أبدل الثياب والعذاب
وأرسم الخدود من حمرة الغروب
وانحني لبسمة تعانق الشباب
لعل في ابتسامتها يدندن الوجود فتفقس القلوب
وتهطل الوسوم
ورعدها كم صاح بي
صاحبي يا صاحبي
- صرخة قدرس:
صرخة قهر أدمعتنا حتى لم يعد للفجر نور ولا للقمر ضوء، صرخة شاعر يئن ويدعو الأمهات أن يروا ما حل بالقدس، صرخة مسلم يرى الطغيان يجتاح المجامع لعل هذه المقطوعة التي أوردها تكفي عن مجلدات..
من أنا يا قدس من
وهنا طعم الكفن
من أنا والنفس لن
لن تقاضي من دفن
ويلنا إن هدنا العجز وفي الأيدي
يسلينا «الريموت»
- مشاهد ممطرة:
في مشاهد ممطرة، عزلة القرى عن أجواء الريف، لعل الشاعر هنا أضاف على نعي القرية بأصوات الرعاة كأنه يقول: أين يممت القرى وعشبها المنسي وكأنها تساوت ساقطة بين المدينة والتحضر
هناك ما زالت تضيء الغرفة الأولى
كما كنت أعتقد..
إذ بها المصباح يهوى الاعتزال
قبل أن تحيا الغرف
هنا استدرج مشاهد ممطرة ليقع في فخ المدينة، هناك امتاع شاعر يجول بنا في مدينته بين الرصيف المولول تشبيه صادم لا يجيده سوى محمد عابس..
الشمس في مدينتي يملها الشروق
وتنزوي خيوطها في لمعة البروق
وفي مدينتي يولول الرصيف
وعاملها خريف
وللطريق شهقة تفوح في العروق
هذه التشبيه لا يقل جمالا في نص صبية:
يشمئز المنجل المغروس في خصر الرمال
- تقارب المدن الثلاث:
أعيش من رئة الأصيل
أنام بين رموش أبها
انتشي في حضن جدة
اكتوى بلظى الرياض
فلا يفارق وجه خارطتي الحبور
روعة هذا النص يختصر سيرة شاعر خارطة طريق شعرية لمعرفة من هو محمد عابس، الشاعر بدأ بهذا النص فهو من حقول الريف وجداول القرى ورمش أبها وحضن جدة ولظى الرياض ثم يعود للقرية وهكذا من أعلى الشمال إلى غرب المدن إلى الجنوب، ثم يعود شماليا
- لبنان والعراق:
هنا الشاعر نكأ جراحا أبت ألا تندمل على دولتين يحبهما كثيرا هنا القومية بارزة العروبة، ساكنة في قلبه لهما عراق القوة ولبنان الجمال، يقول في بيتين اخترتهما بعناية من نصين:
لا بأس «قانا» ففجر النصر موعدنا
أطفالنا سادة أبطلنا نجب
ويقول في نص العراق:
تأبى الرياض على العراق الانقسام
وصدى الحجار تعيده شم السفوح
الختام
ديوان اللذة جداول منسية يحييها شاعر في ثلاثية الفراق ابتدأ الديوان بالصغيرة وختمه بنص عيد الرياض وحين نقرأ الديوان من آخر نص «عيد الرياض إلى نص» مسافات و»احتفال» نتعجب من هذا الشاعر كيف تسلسلت العناوين بين مسافات الاحتفال إلى العيد بين صغيرته وتفاصيلها بالمدرسة وهكذا إلى الرياض ومن عيد الرياض إلى الصغيرة وما بين الصغيرة والعيد هناك القدس ولبنان والعراق. الديوان تقرؤوه من أعلى طائرة القارئ إلى هبوط أرض الكلمات ومنها إلى سماء القارئ صورة شعرية قرأتها كناقد بين علو وانخفاض وبين صعود وعلو كأني بالشاعر يقول:
اقرؤوا ديواني فقيه ثلاثية اللذة وأنا وفتاتي والفراق الموت معنويا ثلاثية اللذة بين قدس ولبنان وعراق ثلاثية الدهشة بين مسرحية شعرية، بطلها صغيرته وإضاءتها الرعد والمطر وخشبة العرض الرمل والقارئ المشاهد لهذه المسرحية الفاتنة جرحا ألما فلم تتكرر كلمتي الرمل والمطر عبثا لثماني مرات إلا ليستلهام شاعر لروح الثبيتي بأنامل شاعر وقلب كلماته لتصبح ثنائية الروح والرمل بين مطر قريته ورمل الرياض.