قاطعَ شريكه بحزم .. لا تقل كان بودّي بل قل كان بيدي ..
تلك الفرص التي تضيع والجهود التي لا تثمر ، ليست سوى إهمال شبه متعمّد أو تفريط متكرر .. الآن لنبدأ إجراءات وقف الأعمال والمشاركة..
لماذا ، ما الأسباب يا صديقي؟ بحزن يستفسر ناصر ويطلب الهدوء والصبر ..
لكن راشد لم يستجب أو يتأثر لتلك المحاولات بالتراجع .. ويردّد
كم فرصة منحتك ؟ وكم التزاماً لم تحترمه ؟ الآن أفضل من الغد ..
لكن لماذا ؟ واصبر يا أخي.. سنعوّض خسارتنا ونعدّل أوضاعنا.. لازلنا في بداية الطريق ، ولا يمكن التفريط في صداقتنا وعلاقتنا القديمة لمجرد تقصير أو خسارة أو اثنتين ، ثم ما البديل ؟
لماذا والبديل .. سأخبرك بعد فكّ الارتباط ، وصداقتنا ستكون في مأمن إن نجحنا في تحقيق تخارج ناجح بيننا ، وبعدها سيكون الدرس أكثر أهمية وفائدة لكلينا .
تقول التخارج ؟.. فأنني أُشهِد الجميع على تفويضك الكامل مع القبول التام المسبق بما تقرر دون اعتراض ، لكني لا أقبل التباعد والانفصال إن كنت لا تزال تثق بي .
هو ذاك .. الثقة .
هل فقدت ثقتك بي ؟
لا .. ولكننا اخطأنا بعدم توثيقها وعدم تفصيلها بالوضوح الكافي ، كما أن هناك أسباب أخرى ، ويواصل ..مع أن شراكتنا كانت في مجال استثماري جيد وجدواها كبيرة وعوائدها مؤكدة ، لكن إدارتها كانت متواضعة ضعيفة .. غابت عنها أساسيات الادارة المالية والقانونية..
كما قلت لك .. أنت مفوّض بفعل ما تشاء ، ولكن لنستمر أو دعنا نبدأ من جديد .
على الوضع الحالي لا يمكن .. أنت صديق عزيز .. لكن للعمل المشترك أصول وقواعد يجب احترامها لتحقيق الأهداف .
من يسمع كلامك يظن بي الظنون .
بالادارة نعم ، بكل الصدق لم تكن جيدة.
يا رجل لا تجعلني أشك بنفسي ، ماذا فعلت ؟ ما الأخطاء أو حتى الخيانة .
لا لم أقل خيانة ، ولكن لنتحدث بوضوح، مسحوباتك زائدة عن الحد المعقول .
أي مسحوبات ؟ ألم أسدد قيمتها كاملة وفوراً للصندوق؟
بلى .. ولكنك تسددها بقيمة التكلفة وليس السوق أو البيع .
وماذا بعد ؟
التبرعات والرعايات المبالغ فيها .
تقصد تبرعنا لجمعية الأيتام ونادي القرية؟
نعم .
على جمعية الأيتام تعترض؟
ليس على جمعية الأيتام ولا النادي ولا غيره
أجل .. على ماذا ؟
على تجاوزك للمخصص للمسؤولية المجتمعية.. المفروض أن تلتزم بما تقرر .. الالتزام قيمة إدارية وليست أخلاقية فقط.
خلاص سجّل المبلغ عليّ .
يا ناصر يا حبيبي لابد أن تستوعب الفصل بين الملكية والادارة .. أنت كنت مديراً في هذه الشركة ، والمفروض أن يقتصر دورك على هذا .. وما يتجاوزه يجب أن يكون قرار مجلس الادارة والمالكين للشركة.. هل فهمت ؟
نعم وكثيراً .. وفي حال عمل شراكة جديدة فلن أتولى إدارتها مطلقاً..
إذن ستخسر مكافأة عملك بالادارة .
أنا لم أطلب شيئا منها سابقاً ، لا راتباً ولا مكافأة .
وهذا خطأ آخر .. لا جهد بلا مقابل ، المشكلة عندك مرة أخرى عدم استيعابك لمبدأ الفصل بين الملكية والإدارة يا ناصر .
طيب ما رأيك يا راشد أن نستعين بمكتب محاماة يعدّ لنا صيغة عقد نموذجي للشراكة بيننا ومن قد يدخل معنا ، يكون واضحاً وساطعاً مثل الشمس ، ومسبقاً يحدد فيه كل الحقوق والواجبات والالتزامات والصلاحيات والعلاقة بين الشركاء وحصصهم وتبرعاتهم ومسحوباتهم ومدة الشركة وحتى الورثة من بعدهم ..
الحمد لله الآن بدأت تفهم بالتجارة .
نعم نعم الحقّ ما يزعّل .
ودارت العجلة وفق تنظيم وعقد جديد يوضح الحقوق والواجبات والكثير من التفاصيل للجميع ، وكبرت الأعمال وأثمرت أرباحاً وعلاقات راسخة بينهما..
لكنهما مع المحامي غير المختص ودون وعي أغفلوا نقطة لم يدركوا تأثيرها السلبي رغم أنها طرحت أثناء إعداد مسودة عقد الشركة ، وكانت تتعلق بالاستفادة من العقارات والممتلكات الخاصة بالشركاء ، إذ رأوا أنها مؤقتة وواضحة في ملكيتها وأنها ليست مشكلة .
لكنها ليست كذلك مع اللاحقين، الأجيال الجديدة ، فتحولت لخلافات حادة بين الأبناء والأحفاد قضت على تعب السنين وجهد الآباء المؤسسين بشكل كامل ..
تلك الممتلكات الخاصة بالشركاء والمستغلة لأعمال الشركة لعقود لم تسجل كحصص في رأس مال الشركة ، ولا عقود لها تحدد قيمتها الإيجارية ، فكانت تلك الثغرة بوابة النزاع بين الملّاك الجدد .. الجيل الثاني للمؤسسين .
خلافات طالت وتوسعت ، فلم تتمكن مراكز التسويات والصلح والتحكيم التجاري الطوعي إيجاد حلول مقبولة لأطراف الصراع ، مما أدى إلى صدور حكم قضائي ملزم بتصفية شركة عريقة زاولت نشاطها بنجاح لأكثر من سبعين سنة بسبب خلل في بنود اتفاقية وعقد شراكة لم تتم مراجعته وتحديثه بشكل دوري وإدخال التعديلات اللازمة ، بما يضمن مبكراً إصلاح أي مستجدات أو قصور يطرأ دون خسائر كبيرة..
وهكذا غابت شمس الآباء المشرقة وأنتهت علاقات قديمة واستثمارات تشابكت المصالح والحقوق فيها بما يتعدى حقوق الملّاك أنفسهم..
** **
- عقل الضميري