د.عوض بن إبراهيم ابن عقل العنزي
يأتي النقل في التفكير البلاغي على مسارات:
المسار الأول مسار نقل لفظٍ من حقلٍ إلى حقلٍ لإحداثِ توسُّعٍ في التّصرّفِ، وهذا التوسُّعُ مشروطٌ بحدٍّ زمنيٍّ، من متكلِّمٍ مثاليٍّ، في مجتمعٍ كماليٍّ.
وهذا النقل يأتي باسم الاستعارة غير المفيدة عند عبد القاهر الجرجانيِّ؛ لأنّه يقصدُ به الإشارةُ إلى موجودٍ (ولو فرسن شاة)، ويمكن تسميته بالنَّقلِ الإشاريِّ.
المسار الثاني مسار نقل اللفظ من المعنى الذي وضع له إلى معنى آخر لم يوضع له، أي تجاوز المتكلِّم باللفظ معناه المعروف إلى معنى جديد، وهو المسمّى مجازًا.
وهذا النقلُ نقلٌ يفوقُ النقل الإشاريَّ في السعة، وينزلُ عنه في الشروط؛ فإذا كان النقل الإشاريُّ مشروطًا بحدودٍ زمنيَّة، ومتكلِّمٍ مثاليٍّ، ومجتمعٍ كماليٍّ، فإنَّ النقل المتحدَّث عنه هنا نقلٌ يشترطُ فيه معقولية تخرجه عن الحسّيّة ليفارق بها (الإشاريَّة)، وهو مشروطٌ كذلك بأنّ يكون نقلا لإثبات شيء، أي هو (نقلٌ استدلالي).
المسار الثالث نقل الكلام بين مقامات التكلُّم والخطاب والغيبة، وهذا إخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر، أي عدولٌ عن مقتضى الظاهر إلى خلافه لداعٍ، وهو المسمّى التفاتًا.
ويمتاز النقلُ هنا بأنَّه تنقُّلٌ للمتكلِّم بين مقامات التكلُّم والخطاب والغيبة، واعتمادهُ عليه؛ لأنَّ فيه نقلًا للسامع بين المقامات الثلاثة، أي هو نقلٌ قصدي لعنصرٍ غير لفظيٍّ بين مقامات كلاميَّة، ويمكن تسميته بـ(النقل الاستصحابيِّ).
ويتلخّص مما سبق أنَّ (النقل) في البلاغة العربيّة أوسعُ من نقل الألفاظ، وأدقُّ من التنقّل بين مقامات التكلُّم، وهو على ثلاثة أنحاء فيما يبدو لي، أولها (النقل الإشاريُّ)، وثانيها (النقلُ الاستدلالي)، وثالثها (النقل الاستصحابيُّ).