أ.د. محمد خير محمود البقاعي
أما البحث الثاني في سياق الحديث عن آل روسو فهو بعنوان: «فهرس المخطوطات التي باعها جان باتيست لويس جاك روسو إلى حكومة روسيا القيصرية، دراسة تاريخيّة وصفية».
وقد سبق توثيقه. والفهرس المذكور أعده جاك روسو لما جمعه من مخطوطات عربية بينها كثير من النوادر، ولم تستطع الحكومة الفرنسية آنذاك شراءها منه فباعها لحكومة روسيا القيصرية بوساطة شيخ المستشرقين الفرنسيين سلفستر دو ساسي، Silvestre de Sacy كما ورد في كتاب هنري دوهيران
Déhérain, Henri (1867-1941) «سلفستر دو ساسي ومراسلوه» Silvestre de Sacy et ses correspondants « الصادر عام 1919م في باريس.
لقد كانت مخطوطات روسو نواة لمعهد الاستشراق بمدينة سان بطرسبورع (المتحف الآسيوي سابقا) الذي طورته مجموعة روسو كما أسهمت في تقدم الدراسات العربية في روسيا. وقد تحدثت عن هذا الفهرس من خلال كتابين نقلا لنا معلومات صححت بعضها واستدركت أخرى وهما كتابا أغناطيوس يوليانوفتش كراتشكوفسكي (1833-1951م) Ignaty Krachkovsky، يلقب بـ(شيخ المستعربين الروس) ولد في (فيلينوس) عاصمة (ليتوانيا)، عمل (كراتشكوفسكي) أميناً لمكتبة اللغات الشرقية في جامعة بطرسبورغ، وأستاذاً للغة العربية في الجامعة نفسها. وفي عام /1921/ انتخب عضواً في أكاديمية العلوم السوفيتية، وانتخبه المجمع العلمي بدمشق عام /1923/ عضواً فيه، كما كان عضواً في العديد من الأكاديميات والجمعيات العلمية.
وأشهر كتبه التي اشتهرت على نطاق واسع «تاريخ الأدب الجغرافي العربي» الذي صدر بالروسية في موسكو عام: 1957م، وصدرت ترجمته العربية في القاهرة، مطبوعات جامعة الدول العربية، 1963م. ترجمه صلاح الدين هاشم، وراجعه إيغور بليايف. وهو صاحب مصطلح «الأدب الجغرافي» الذي امتاز به التراث العربي.
أما الكتاب الثاني فهو ألصق بموضوع حديثنا عن فهرس روسو؛ وهو كتاب «مع المخطوطات العربية، صفحات من الذكريات عن الكتب والبشر»، الذي شهد مسارا عجيبا في ترجمته ونشره ويعد سيرة ذاتية له، قدم فيه موقفاً شاملاً من الشخصية العربية والإسلامية، موقفاً مشرفاً للحضارة والتراث العربي الإسلامي. وقد كتب نبذة لا تخلو من الطرافة عن حياته باللغة العربية وظهرت بمجلة المجمع العلمي العربي بدمشق سنة 1927 (المجلد السابع، ص 122-126).
لقد عرضت في البحث ملابسات نشر الترجمة العربية لهذا الكتاب الذي أورد فيه معلومات عن روسو ومجموعته من المخطوطات العربية نقلها عنه الدكتور عبّد الرحيم العطاوي في كتابه: «الاستشراق الروسي، مدخل إلى تاريخ الدراسات العربية والإسلامية في روسيا»، المركز الثقافي العربي، 2002م. وسددت كثيرا من المعلومات عن آل روسو مما ورد في الكتاب ونقلها العطاوي بلا تمحيص.
أما البحث الثالث فقد نشرته قبل أن أستكمل مصادر البحث في مسألة المخطوطات التي باعها روسو ولم يكن الأمر آنذاك ميسرا ماديا وتقنيا، وعندما تم لي ذلك كتبت البحث المشار إليه أعلاه.
وظهرت آثار ذلك بما احتواه من معلومات متقدمة في مناقشة المسألة. كان عنوان البحث: «آل روسو وصفحات مطوية من تاريخ المخطوطات العربية «، مجلة الدرعية، مج 9، ع 33، 2006م/1427هـ، ص 143-173.
لقد بينت في هذا البحث مسيرة كتاب كراتشكوفسكي «مع المخطوطات العربية…» من اللغة الروسية إلى اللغة العربية كما ذكرها مترجمه الدكتور محمد منير مرسي في مقدمة الطبعة الثانية التي ظهرت في مصر عام 1969م. بينما صدرت الطبعة الأولى في موسكو عام 1964م. وصححت في هذا البحث ما ورد في هذا الكتاب عن آل روسو ونقله العطاوي بلا تمحيص؛ وإن كنا نلتمس العذر لكراتشكوفسكي الذي كتب كتابه معتمدا على ذاكرته بعيدا عن مكتبته في مدينة سان بطرسبورغ بسبب الحرب، فإنه كان باستطاعة العطاوي أن يعود بالتصحيح على المعلومات واستدراك النقص كما فعلنا في هذا البحث.تلك رحلتي مع آل روسو وحياتهم التي تضج بالأحداث والكتب، وكانوا خير ناقلين لأحداث عصرهم حيثما وجدوا.
إن عالم الرحلة والرحالين يضج بالوقائع والأحداث التي يطرب لها القارئ، وتثري مسار الباحث والمترجم وهذا ما سعيت إليه عندما التقيت بالصديق الدكتور زاهر عثمان الشاعر المرهف، والباحث التاريخي المدقق والآثاري البارع، الذي كان مديرا لمؤسسة التراث غير الربحية التي اختطت لها منذ إنشائها بحرص ورعاية من صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود يحفظه الله اختطت لها، مسارا يسعى إلى تقديم التاريخ والآثار والأعلام بلمسة إبداعية تكاملية تنفرد بها للارتقاء بالمجتمع والإنسان. لقد حرص الدكتور زاهر على مشاركتي في هذه المسيرة عندما نشر كتابي المعنون: «من رحلات الفرنسيين إلى الجزيرة العربية» الذي صدر عن مؤسسة التراث 2004 م. وما زال حتى اليوم يلقى رواجا واستحسانا، كما أسند إلي مراجعة ترجمة رحلة جرفيه كورت لمون «رحلتي إلى مكة المكرمة 1894م/1312هـ» التي أصدرتها المؤسسة بترجمة د. محمد الحناش.
وكتبت عنها بحثا بعنوان: «رحلتي إلى مكة» 1311هـ/1894م»، نشرته مجلة العرب، مج 7-8، 2002م/1423هـ، ص 342- 381. وكان ملحق هذه الرحلة عن الأوضاع الصحية في الحج مدخلا لاكتشاف عنوان كتاب بروست عن السياسة الصحية كما أسلفت.
ومؤسسة التراث غير الربحية تتابع اليوم تطوير مسالك الاهتمام بالتاريخ والتراث السعودي ضمن مبادرات سمو الأمير سلطان في حفظ التراث، وبمتابعة وإشراف رجل العلم والثقافة الرصينة البروفسور علي النصيف.
إن غنى الحديث عن الرحلات والرحالين ومتعته لا يفوقه إلا اكتشاف ما يوردونه من معلومات وعادات وتقاليد تعد منجما ثريا لدراسات معاصرة في مجالات العلوم الإنسانية التي تنحو اليوم منحى تكامليا تتعاضد فيه العلوم الإنسانية بكل مذاهبها واتجاهاتها. وأختم هذا الحديث الماتع بذكر واحدة من الرحلات التي كان لها مسار فيه كثير من العبر والتوجيه في تناول مثل هذه الكتب التي تعد مرحلة مفصلية في غناها، واهتمام الباحثين والمترجمين بها. وتعد هذه الرحلة كنز معلومات عن منطقة واسعة أبية من مملكتنا العظمى وأعني رحلة الرحالة الفرنسي فكتور نويل موريس تاميزييه
Victor Noël Maurice Tamisier (1810- 1875م) إلى الحجاز وعسير. والرحلة في نصها الفرنسي في مجلدين صدرت الطبعة الأولى عام 1840م بعنوان:
Voyages en Arabie, séjour dans le Hedjaz, campagnes d’Assis, Louis Desessart, Paris, 1840; 2 volume
والترجمة الدقيقة هي: رحلات إلى بلاد العرب، إقامة في الحجاز، والحملة على عسير، الطبعة الأولى باريس 1840م.
ترجم الأستاذ الدكتور محمد بن عبد الله آل زلفة الجزء الثاني أولا بعنوان: « رحلة في بلاد العرب الحملة المصرية على عسير 1834م/1249هـ، دار بلاد العرب للنشر والترجمة، ط 1، 1414هـ/1993م.
وصل تاميزييه إلى الحجاز عام 1250هـ/1834م، قادما مع الحملة المصرية التي جردها محمد علي باشا؛ إذ كان تاميزييه أمين سر ومساعدا للطبيب شيدوفو رئيس البعثة الطبية للحملة على بلاد العرب
Chédufau, médecin en chef de l armée d Arabie. . وكان تاميزية يتصف بالذكاء ودقة الملاحظة.
أما الجزء الأول بتجزئة المؤلف فقد صدرت ترجمته عام 1421 هـ/2001م بترجمة الدكتور آل زلفة أيضا.
ولعل الكتاب من أوفى كتب الرحلات وأغناها بتفاصيل الأحداث يوما بيوم: إذ كان تاميزييه يتحدث من موقع المطلع على تفاصيل المدة التي أقامها في الحجاز، ومشاركته في الحملة على عسير.
ومن شؤون هذه الترجمة أنني علمت أن البروفسور آل زلفة تكلف أجر من ترجمها له إلى الإنجليزية ثم عمد إلى نقلها من الإنجليزية إلى العربية فهي كما يقول المترجمون ترجمة عن لغة وسيطة؛ وهذا ما لا يفضله المترجمون من أهل الاختصاص، وأذكر أن ترجمة الجزء عن الحجاز عرض علي منها صفحات الصديق الأكاديمي والمستشار في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية الدكتور عوض البادي يحفظه الله بضع صفحات أبديت عليها ملاحظات كثيرة تخص الترجمة وأسلوب تقديم المعلومة وأذكر أنني قلت حينئذ: لست مؤرخا، ولكن من أنجز هذا النص ليس مترجما. وربما ألتمس له عذر الترجمة عن لغة وسيطة: وهي عملية صعبة قد يفلح فيها كبار المترجمين، ودليلي أن جوائز الترجمة العربية والعالمية تشترط أن تكون النصوص المقدمة لنيلها مترجمة عن لغاتها الأصلية، وقد كان شيخنا حمد الجاسر رحمه الله قد أورد في كتابه الفذ «رحلات الغربيين إلى الجزيرة العربية» حديثا رائقا عن الترجمة عن لغة وسيطة، وعندما أراد الحديث عن رحلة تاميزييه ونقل عنها فإنه فعل ذلك بمساعدة من أهل اللغة الأصلية للكتاب، وقد تحدثت عن كتاب الشيخ حمد رحمه الله في بحث نشرته مجلة الملك فهد الوطنية بعنوان :»حمد الجاسر ورحلات الغربيين الى الجزيرة العربية دراسة وصفية تحليلية» مج 11، ع 1، 2005 م/1426هـ، ص 275- 290. ولنا لقاء.