الثقافية - محمد الهلال:
ساهم الوعي والتذوق الفني بشكل كبير في تشكيل وبناء مستقبل الدكتورة ياسمين فراج. نشأت ياسمين في كنف أبٍ يعي أهمية الموسيقى وتأثيرها في بناء شخصية الطفل، وأمٍ محبة للحياة والفن تمتلك أذنًا موسيقية وذوقًا فنيًا عاليًا ساهم في اختياراتها لما تسمع وتشاهد. في أواخر الزمن الجميل، مع بدايات الثمانينيات من القرن الماضي، وُلدت ياسمين، ونشأت في بيئة موسيقية وفنية مليئة بالجمال والوعي.
هذه العوامل أثّرت بعمق على شخصية الطفلة التي كبرت محاطة بالفن والثقافة، مما مكّنها من دخول الساحة الفنية دون أن تسحرها الشهرة والأضواء. رغم بداياتها الرائعة عبر الفوازير والمسرح الاستعراضي، إلا أنها عرفت متى تغادر الساحة الفنية وتتجه للعمل الأكاديمي، محققة نجاحات تخدم الفن والمجتمع عبر كتب قدّمت قراءات مهمة لفهم الأغنية ودورها في حياة الشعب المصري والعربي.
* ما الدافع للتفرغ للدراسة الأكاديمية رغم النجاحات الفنية على المسرح والتلفزيون؟
في البداية، كان دخولي إلى الوسط الفني صدفة ولم يكن ضمن خططي. لقد نشأت في بيئة موسيقية وفنية؛ والدي كان حريصًا على تعليمنا الموسيقى منذ الطفولة، حيث خصص لي ولأختي معلمًا لتعليمنا العزف على البيانو. والدتي كانت عاشقة للفنون والأفلام الاستعراضية، واعتادت مشاهدتنا معها لأفلام الفنانة الراحلة نعيمة عاكف، وسعاد حسني، ولبلبة، ونيللي، ومحمد فوزي. كذلك، كان عشقها للإذاعة المصرية، خاصة إذاعة الشرق الأوسط وصوت العرب، جزءًا من تشكيل وعينا الفني والثقافي. كان هذا المزيج من التربية الفنية والإعلام المؤثر عاملاً كبيرًا في تشكيل هويتي.
بدأت علاقتي بالوسط الفني من خلال برنامج للأطفال بعنوان «مجلة الأصدقاء»، الذي عُرض على قناة النيل الإخبارية عند انطلاق القنوات المتخصصة في مصر. جاءت مشاركتي فيه مصادفة عبر أصدقاء والدي في أحد النوادي، وكانت تلك المرة الأولى التي أواجه فيها الكاميرا بدور المذيعة. لاحقًا، عُرضت علي فرصة المشاركة في مسلسل «ضمير أبلة حكمت»، لكن توقيت التصوير تعارض مع امتحاناتي المدرسية، فرفض والداي المشاركة حفاظًا على أولوياتي الدراسية.
* هل كانت هناك صعوبة في الجمع بين الدراسة والتمثيل؟
- لم أكن متفرغة بالكامل، بل واصلت التمثيل أثناء دراستي. قدمت أول بطولة فوازير للأطفال بعنوان «فانوس العجائب»، التي لاقت نجاحًا كبيرًا حين كنت في السنة الثانية بالجامعة. لاحقًا، شاركت في بطولات فوازير مثل «معالم دلتاوية» و»سينما وعجباني»، بجانب أعمال تلفزيونية ومسرحية متعددة. لكن في عام 2005، قررت التوقف عن التمثيل إذا لم أحقق النجومية التي تليق بطموحاتي، وتفرغت للبحث والدراسة الأكاديمية.
* كيف أثرت خبرتك الفنية على عملك الأكاديمي؟
- لا شك أن الخبرة العملية في الفن تُثري العمل الأكاديمي. الأستاذ الممارس للفن يمتلك منظورًا عمليًا يستطيع تقديمه للطلاب، مما يجعل العملية التعليمية أكثر فاعلية مقارنة بأستاذ يعتمد فقط على الدراسة النظرية. أؤمن بأن الجمع بين الممارسة الأكاديمية والخبرة العملية ينتج أجيالاً أكثر كفاءة واستعدادًا للعمل الفني.
* لماذا ركزت دراستك وكتبك على الموسيقى تحديدًا؟
- لأن الموسيقى جزء لا يتجزأ من جميع الفنون الأخرى، سواء في المسرح أو السينما أو الدراما. كما أن الموسيقى لها أبجدية خاصة وأسلوب كتابة يميّزها كفن مستقل. من يتقن الموسيقى يسهل عليه التعامل مع مختلف أشكال الفن، لأنها تشكّل أساسًا مشتركًا للكثير من الإبداعات.
* ما مدى ارتباط المجتمع المصري والعربي بالموسيقى؟
- المجتمع المصري تحديدًا مرتبط بشكل وثيق بالموسيقى والفنون، منذ أن يولد أفراده وتحيطهم الآثار والجداريات الفرعونية التي تبرز دور الموسيقى في حياة المصريين القدماء. هذا الارتباط استمر حتى العصر الحديث، حيث كانت الموسيقى جزءًا من الاحتفالات الوطنية والدينية.
الأغاني والألحان بلا شك تؤثر على سلوكيات الناس. على سبيل المثال، الجيل الذي نشأ على أغاني أم كلثوم وعبد الوهاب يتسم بهدوء الطبع والرقي في التصرفات. في المقابل، الأجيال التي تأثرت بموسيقى الإيقاع السريع أو الأجنبية قد تفتقد بعض تلك السمات نتيجة طبيعة الموسيقى التي تستهلكها.
* ما جديدك البحثي والإبداعي؟
- أنتظر صدور كتابي التاسع بعنوان «المسرح الغنائي في مصر من بداياته حتى نهاية القرن العشرين»، الذي سيصدر عن الهيئة العربية للمسرح. وعلى المستوى الإبداعي، أترقب بدء تنفيذ موسيقى عرض «صبوحة»، الذي أعمل عليه منذ سنوات، وأتمنى أن يحقق نجاحًا يليق بتطلعات الجمهور.