للمرأة حضور مهم في الحياة، ومكانة تتجسد من خلال أدوارها وشغفها لتحقيق ذاتها، وما تقدمه من إسهامات لبناء الأسرة التي هي لبنة بناء الوطن؛ وهذا بكل تأكيد ينعكس على ما يتناوله الأدب بشكل عام، والمسرح بشكل خاص من التعبير عن هذا الوجود من خلال الصورة الأدبية التي تعالج قضايا المرأة وتحولاتها الفكرية ومطالباتها بحقوقها، وهذا التناول لصورة المرأة وتعددها على خشبة المسرح لا يتم إن لم يكن هناك دعم حكومي يمكن المرأة من المشاركة في الأنشطة الثقافية والفتية؛ وهذا ما ترسخه رؤية 2030م، من خلال تمكين المرأة، وتحقيق ذاتها بفاعلية في كثير من الأنشطة الثقافية في المملكة، وفي مقدمتها المسرح، الذي كان مغيبًا زمنًا، وقد تمثلت المشاركة في السماح لها بالظهور على خشبة المسرح السعودي، وتقديم أدوار درامية تناقش قضاياها من وجهة نظرها.
فقد عرف المسرح بأنه أبو الفنون، وهو أحد أهم الفنون التي تعبر عن الإنسان، وما تحمله له الحياة من قضايا وإشكاليات، يسعى إلى إيجاد حلول لها، ومن بين تلك القضايا التي تطرق لها كتاب المسرح، القضايا المتعلقة بالمرأة، وما تحمله تلك القضايا من أهمية، وضرورة لبعثرتها؛ لمواجهة النتوءات المعطلة لوجودها، ومن ثم؛ سيرورة المجتمع بأكمله، وإن تبين أن مشكلتها تتعلق بها دون المجتمع، وقد سلط الضوء عليها كثيرًا بوصفها نصف المجتمع، ومربية النصف الآخر.
من هنا؛ ظهرت صور عديدة لوجود المرأة على المسرح، منها ما كان يمثل الصورة الواقعية لها، وما تمثله تلك الصورة من تطرق وتمثيل لقضاياها؛ ومنها ما دار حوله الخلاف؛ وهذا يتعلق بمراحل اجتماعية وسياسية متعددة ومتباينة، فعلى مر العصور كان وجود المرأة في الأدب المسرحي يشكل (تحفظًا) للمجتمعات، على اختلافها ومرجعياتها، من حيث وجودها على خشبة المسرح، أو تمثيلها لقضاياها من خلال النص الأدبي.
من تلك المسرحيات التي أظهرت صورة المرأة السعودية وما تعيشه من تغيرات على جميع الأصعدة مسرحيتي: «الذيب في القليب»، و»بخصوص بعض الناس» فقد ناقشت صورة المرأة في جملة من القضايا الاجتماعية التي تخص المرأة السعودية، التي كانت مغيبةً عن خشبة المسرح السعودي، التي تتمحور حول قضايا متعددة:
منها قضية المرأة (الزوجة/ الأم) وكيف تحول النسق الاجتماعي من كونهما فئةً متوقعًا منها التضحية، والإيثار والتنشئة للجيل القادم، إلى فئة تسعى إلى التفرد وإشباع الذات على حساب الواجب، والأهم وهو التنشئة السليمة للجيل الذي يبني الوطن، يظهر هنا من خلال هذه الفئة تفريط في التنشئة وتهميش دورها الأساس في انسياق خلف الأفكار الهدامة.
ومنها قضية قصور الوعي والإدراك لدى المرأة (المتحررة/ العروس)، فكلتا الشخصيتين تعاني من إدراك مجريات الحياة والوسطية في العيش والتعايش، وتمحيص ما تتلقاه من ثقافات وأفكار من خلال الانفتاح على الثقافات الأخرى بفعل وسائل التواصل الاجتماعي أو بفعل السفر والسياحة.
ومنها قضية عمل المرأة وتماهيها مع واجباتها الوظيفية: (المذيعة الإخبارية/ الأخصائية الاجتماعية) في نقل لما تواجهه المرأة العاملة من تحديات وتوجهات فكرية، تفرض عليها، وتقوم بإلغاء ذاتها مقابل القليل من الحرية وفيما تقدم للمجتمع؛ إذ أفصحت صورة المرأة في المسرحيتين عن قضايا تلامس المرأة السعودية في ظل الانفتاح الثقافي وتلقي الثقافات الأخرى، وفي صراعها مع الآخر سواء كان الرجل بحد ذاته، أو المجتمع الذي يتوقع منها خلاف ما تريد في أحيان كثيرة.
فقد جسدت أدوار المرأة على خشبة المسرح صراعات الهوية التي تعيشها المرأة من خلال أدوارها في المسرحيتين، وما تعيشه فيما بين أن تكون فردًا مؤثرًا وفعالاً في المجتمع، وما بين دورها الأساس في التنشئة وإدارة أسرتها؛ مما جعلها تعيش في تأزم هوية، دفعها في أحيان كثيرة إلى الغلو فيما تقدم لذاتها أو فيما تقدم لأسرتها، هذه الصور التي حضرت في المسرحيتين تواكب ما تعيشه المرأة من صراعات مختلفة في زمن الانفتاح الثقافي وسهولة تبني أفكار مخالفة لفطرتنا الإسلامية العربية؛ مما يجعل المرأة في مستويات من الصراع ما بين ذاتها التي تريد مساحةً من التحرر وصنع القرار، وما بين المجتمع الذي يريد منها النمطية في أدوارها في أحيان كثيرة.
** **
- دلال خضر الخالدي