أ.د. محمد خير محمود البقاعي
أترجم في هذه الشذرة إحدى مراسلات قناصل فرنسا في مصر. وهي من كتاب بعنوان: «تكوين إمبراطورية محمد علي من الجزيرة العربية إلى السودان 1814-1823»
FORMATION DE L»EMPIRE DE MOHAMED ALY DE L»ARABIE AU SOUDAN (1814-1823)
وهي وثائق جمعها ووضع لها هذا العنوان ونشرها وقدم لها المؤرخ الفرنسي إدوارد دريو 1833-1900م
Edouard DRIAULT
مدير مجلة «الدراسات النابليونية».
DIRECTEER DE LA REVUE DES ETUDES NAPOLEONIENNES
وطبعت في مطابع المعهد الفرنسي للآثار الشرقية في القاهرة لحساب الجمعية الملكية لجغرافية مصر، 1927م.
IMPRIME PAR D»IMPRIMERIE DE L»INSTITUT FRANCAIS D»ARCHEOLOGIE ORIENTALE DU CAIRE POUR LA SOCIETE ROYALE DE GEOGRAPHIE D»EGYPTE M DGCCC XXVII.
كما هو موضح الصورة رقم (1)
وأرمي من هذه الترجمة إلى التدليل على الحضور الفاعل للغربيين في هذه الحملة التي كان مصيرها كمصير سابقتها لولا الوجود الغربي بفكره العسكري والاستراتيجي لأن حضوره العلني لم يكن مقبولا في الأماكن المقدسة في السعودية، وكان الطريق إلى الدرعية يمر عبر الأماكن المقدسة. خلصت من مثل هذه النصوص التي سأتابع ترجمتها ونشرها إلى ما ذكرته في صدر هذا التقديم.
ويبرز النص فضلا عن الهدف الذي ذكرته تمسك كل المناطق والمدن المنضوية تحت لواء التوحيد بأرضها وحكامها واستعدادهم لبذل الغالي والرخيص في سبيل الحفاظ على الاستقلال الذي فطروا عليه، وحضور حكامهم في الصفوف الأولى من كل المعارك.
كما هو موضح الصورة رقم (2)
الرسالة 69 من «جاك» روسيل إلى «أرمان إيمانويل» دوق دو ريشليو «1766-1822م».
De «jacques” Roussel au “Emmanuel» Duc de Richelieu
الملخص:
ــ سرد أحداث الحملة ضد الوهابيين حسب معلومات «جوزيف» فيسيير.
ــ الانطلاق من ينبع نحو المدينة المنورة حيث ضريح «النبي» محمد “صلى الله عليه وسلم» الذي تذكر قبته بقبة قصر ليزانفاليد Les Invalidesفي باريس.
ــ من المدينة إلى الحناكية.
ــ من الحناكية إلى الرس: حاصر إبراهيم باشا مدينة الرس لمدة ستة أشهر، ولم يفلح في دخولها. ولم يحقق أي نتيجة تذكر.
لجأ إبراهيم باشا في ظل هذا الفشل إلى التشاور مع فيسيير.
ــ دفاعات قوية في عنيزة، أنشئت منذ 70 سنة:
-جوزيف» فيسيير يسيطر عليها في ستة أيام، كسب بعدها ثقة الباشا.
ــ الاستيلاء على شقراء وضرما، وهما على بعد 12 ساعة من الدرعية.
ــ لم يستفد السعوديون من سرعة خيولهم التي لا تضاهى، ومن مهارات رجالهم لمضايقة أعدائهم، بل اكتفوا بتحصيناتهم التي دمرت .(..) الإسكندرية، التاسع والعشرون من ديسمبر 1819م (تم الرد بتاريخ 30 يونيو 1819م).
سيدي، لقد عاد منذ بضعة أيام السيد «جوزيف» فيسيير (Vaissières)
(أشار العلامة السيد «جبريل جومار» في مقالة سيأتي ذكرها وترجمتها في شذرات أخرى، إلى أن اسم فيسيير بالفرنسية يكتب بدون حرف S في أخره؛ فوجب التنبيه وأن اسمه الأول «جوزيف» وعاش بين عامي 1736 - 1837م. المترجم).
وكان جوزيف فيسيير قد رافق إبراهيم باشا خلال الحملة على الجزيرة العربية، وسبق لي أن شرفت بذكره لمعاليكم. لقد سُلبت لسوء الحظ أمتعة هذا الضابط في بداية الحملة، ففقد بوصلته وبعض الأدوات المستخدمة في حساب المسافات. وقد تحسر على فقدانها عند حاجته إليها. أحاول في هذا التقرير أن أضع أمام معاليكم خط سير تقريبي لمسيرة الجيش التركي في هذه البلدان المجهولة استنادا إلى المعلومات التي خصني بها، وبدا لي أنها تستحق الاهتمام.
انطلق الجيش التركي من ينبع على سواحل البحر الأحمر، واتجه بعد مسيرة بضعة أيام إلى منطقة الجديدة؛ وهي منطقة ثرية كل الثراء، واقعة بين جبال عالية، تبعد مسافة ثلاثين ساعة عن ينبع، وهي في منتصف الطريق إلى المدينة «المنورة».
تفصل بين الجديدة والمدينة «المنورة» ثلاثون ساعة» ولأنها – أي المدينة المنورة – في منطقة منخفضة فهواؤها غير صحي، ودفاعاتها أسوار غير متقنة البناء، وحصن صغير. وفيها مسجد رائع يقوم على أعمدة كثيرة من الرخام الأبيض والأحمر والأسود. وفي الجهة الجنوبية من المسجد ضريح النبي محمد «صلى الله عليه وسلم».
وتنتج المدينة رمانا كبير الحجم، من أفضل الأنواع. ويمنع غير المسلمين من دخول المدينة «المنورة» وأهلها محافظون كل المحافظة.
وتبعد المدينة «المنورة» عن الحناكية مسافة 36 ساعة؛ والحناكية مدينة واقعة على أرض منبسطة شاسعة، وهي حصن يقع بين أربعة جبال.
وأما مدينة الرس فتفصلها عن الحناكية 86 ساعة؛ وهي مدينة حصينة، أسوارها محمية من المدافع. ويبلغ عدد سكانها 6000 نسمة. ونسوق هنا ملحوظة مفادها أن المدن أو القرى التي ذكرناها تحتوي على نخل وأراض زراعية، تقع كلها داخل الأسوار. أما خارج هذه الرقعة فالأراضي كلها صحراوية قاحلة. ونجد على مسافات متباعدة شجيرات صغيرة، أطرافها طويلة، تأكل الإبل أوراقها. صمدت ال حناكية في وجه قوات إبراهيم باشا مدة ستة أشهر، وفقد في حصار الرس، ثلث رجاله، ولم يتمكن من الاستيلاء عليها، ولما نفدت مؤونة الجيش عقد اتفاقية غريبة مع حاكم المدينة؛ اتفاقية اشترطت أن ينسحب الجيش التركي في غضون 24ساعة نحو عنيزة، ومعه كمية المؤن التي يحددها أهل المدينة المحاصَرة، فإذا تمكن إبراهيم باشا من الاستيلاء على عنيزة ينضم أهل الرس إليه، وإلا فتستأنف المعارك.
لم يكن إبراهيم باشا إبان كل هذه الأحداث يستشير السيد «جوزيف» فيسيير الذي كان موقفه المستهجن للعمليات التي ينفذها جيش إبراهيم باشا يلقى استغراب الأتراك، ولم يكن للرجل أي حظوة لديهم. تملك اليأس إبراهيم باشا لعدة عوامل تمثلت في وضعية الجيش الحرجة، والخوف من الفشل عند أسوار (عنيزة)؛ وهو يعلم أن الفشل سيفضي إلى هزيمة منكرة. بدأ إبراهيم باشا، بدافع الخوف من الفشل، يولي اهتماما أكبر لمشورة الضابط الفرنسي.
تبعد مدينة الخبراء( الخبرا) عن الرس ست ساعات، وعدد سكانها ألفا نسمة، ولم يهاجمها إبراهيم باشا لأنها مشمولة باتفاقية الرس.
وتبعد الخبراء عن عنيزة مسافة تسع ساعات وعنيزة مدينة محصنة، عدد سكانها 8000 نسمة، وهي أكبر مدينة تجارية في القصيم، وشيدت لها تحصينات على مدى سبعين سنة، أهمها حصن مربع الشكل، يحتوي على ثمانية معاقل، وأسوار يبلغ سمكها 16 قدما. وقد بلغ الحصن الغاية في المنعة، ويبدو أن ربط شيخ الرس تسليم المدينة بالسيطرة على مدينة عنيزة كان من باب السخرية. ويبدو أن إبراهيم باشا أدرك في ظل ذلك كله أهمية الاستيلاء على عنيزة، ولم يكن يستطيع في وضعه الحالي فعل أي شيء، فاستشار السيد فيسيير بشأن الحصار، وبعد ستة أيام استسلمت مدينة عنيزة. توطدت منذئذ ثقة الباشا بهذا الضابط بلا حدود؛ حتى إنه لم يعد يفارقه، ولا يقوم بشيء إلا بعد مشورته. واستقبل شيخ الرس بعد دخول عنيزة حامية تركية في مدينته.
كان الباشا بعد ذلك كله ينوي الاتجاه شرقا، ولكنه بعد استشارة فيسيير اتجه من عنيزة شمالا نحو بريدة، وتفصلهما مسافة خمس ساعات. وبريدة مدينة صغيرة يسكنها 4000 نسمة، وحولها أسوار مزدوجة، تمكن إبراهيم باشا من الاستيلاء عليها بعد أربعة أيام من القصف.
وتبعد بريدة عن شقراء 55 ساعة باتجاه الشرق. ويقدر عدد سكان شقراء بستة آلاف نسمة ويحيط بأسوارها خندق. وقد استولى عليها الباشا في ثمانية أيام مستخدما القوة من جانب، والمفاوضات التي أفضت إلى اتفاقية استسلام في جانب آخر.
اتجه الجيش بعد الاستيلاء على شقراء إلى ضرما التي تبعد 40 ساعة باتجاه الجنوب، وكان يقطنها 5000 نسمة، وبعد ستة أيام من القصف استسلمت المدينة، وقتل بحد السيف كل من تجاوز عمره العاشرة.
وتفصل ضرما عن الدرعية 12 ساعة. ويقع على بعد أربع ساعات من الدرعية ممر ضيق، كان من الممكن إيقاف تقدم الجيش التركي فيه بسهولة. ولكن ثقة السعوديين المفرطة بمناعة أسوارهم جعلتهم يغفلون عن اتخاذ هذه الخطوة الاحتياطية، كما أنهم ارتكبوا خطأ لا يقل أهمية عن ذلك، يتمثل في كونهم لم يستخدموا خيولهم في هجمات مستمرة انطلاقا من الدرعية، ولم يستغلوا في ذلك سرعتها، كما أنهم لم يستخدموا خفة جنودهم من المشاة وسرعتهم؛ وهو ما كان سيعطيهم أسبقية على عدوهم. وتتميز الخيول في هذه البلاد من الجزيرة العربية برؤوس صغيرة ورشيقة، وعيون براقة، وبنية متناسقة كل التناسق. وأما سرعتها فلا تضاهى. كان حصان قائدهم الإمام عبد الله بن سعود يقطع ما تقطعه قافلة لمدة 48 ساعة في ست ساعات من الزمن، ويركض الراجلون بالسرعة نفسها نسبيا، ولم يحدث أن أدرك فارس تركي سعوديا يركض على قدميه في أرض منبسطة.
وهكذا كان يسهل على هؤلاء الناس تجنب جميع العمليات الحربية التي كان تفوّق الأسلحة التركية فيها كفيلا بهزيمتهم، وكان بإمكانهم إلحاق الهزيمة بأعدائهم باعتراض سبيل قوافلهم على وجه الخصوص. ولكن الأمور لم تجر على هذا النحو: لقد ظن السعوديون أن الثلاثين ألف نسمة الذين يقيمون في قرى الدرعية الثلاث ناهيك عن حصن قوي يشرف على مساحة شاسعة من الأراضي المزروعة التي يحيط بها سور كبير، أقيمت عليه معاقل يدافع المقاتلون منها؛ وهي كفيلة بأن تجعلهم في مأمن من الأتراك المهددين بالمجاعة. وقد تفاجأوا لما استولى الأتراك على قريتين من قراهم في ليلة واحدة..
لقد راج في الجزيرة العربية أن الطرف القادر على الاستفادة من خبرة عدد من العسكريين الأوربيين سيكون حليفه النصر حتما. فانتشرت أخبار مفادها أن قائدا سابقا في جيش المدفعية الفرنسية وآخر في البحرية انطلقا من القاهرة إلى السويس ومنها ركبا سفينة متجهة إلى المخا؛ وقد يكونان قد استجابا لإغراءات الشريف محمود حاكم القنفذة، أو إمام صنعاء. ولا أساس لهذا الشك سوى الرأي الذي انتشر في الجزيرة العربية بأن إبراهيم باشا لم يكن لينتصر إلا بفضل ضابط فرنسي.
لقد وجه إبراهيم باشا بأمر من والده بسفر السيد فيسيير إلى مصر، فاتجه هذا الأخير إلى ميناء القصير. وأمر محمد علي أمين الخزانة في القاهرة أن يصرف له مبلغ خمسين ألف قرش ليستخدمها في تجارة يكون له نصيب في أرباحها، ويعفى من خسائرها. وقد أحسن محمد علي استقبال هذا الضابط. ولكن هذا الاستقبال كان دون توقعات الضابط، ولكن ذلك لم يفاجئني لمعرفتي بغيرة الكيخيا بيك، وقربه من إبراهيم باشا؛ وهو شعور يشاطره به السيد بوغوس (بيك يوسفيان 1775 - 1844 م. تاجر أرمني، وضابط جمارك، وسياسي في الدولة العثمانية، ولد في سمرن «تركيا» وتوفي في القاهرة، كان سكرتير دولة، ثم وزير تجارة ووزير خارجية في حكومة محمد علي حتى وفاته Boghos Bey Youssoufian)، المخلص للكيخيا.
وتبقى هناك عدة نقاط غامضة في مسار هذه الرحلة. لقد أقام فيسيير مدة قصيرة في الإسكندرية ثم عاد إلى القاهرة. وهو عسكري شجاع، ولكنه للأسف لا يتحلى بنفس المستوى في استقراء الأحداث المدنية.
وتقبلوا سيدي فائق الاحترام.
من خادم مطيع. «جاك» روسيل (1823م). ولنا لقاء.