** كان ذلك منذ زمن بعيد في فترة أعقبت انفتاحاً فكرياً لم نشهده، ورأينا آثاره؛ ففي مكتبة المعهد العلمي (الديني) أعداد قديمة من مجلة (روز اليوسف) و(صباح الخير)، وفي إحداهما (لا يذكر) عمود أسبوعي للدكتور مصطفى محمود عنوانه -إن لم تخنه الذاكرة التي ما عادت بكراً- : (اعترفوا لي).
** قرأ فيها: (نحن في عصر الذرة ولسنا في عصر الصلاة) ولم تمسها -حينها- يد الرقيب، وكان يقرأ -متزامناً- كتابه
...>>>...
مصطفى كمال محمود حسين آل محفوظ، ولد عام 1921، وكان توأماً لأخ توفي في العام نفسه، وعاش مصطفى في مدينة طنطا في جوار مسجد (السيد البدوي) الشهير الذي يعد أحد مزارات الصوفية الشهيرة في مصر. بدأ حياته متفوقًا في الدراسة، حتى ضربه مدرسٌ للغة العربية؛ فاكتأب ورفض الذهاب إلى المدرسة ثلاث سنوات، وما إن رحل ذلك المدرس عن مدرسته، حتى عاد مصطفى للدراسة وبدأت تظهر موهبته وعلامات تفوقه وحبه للعلم.. وفي منزل
...>>>...
النسيان نعمة كبيرة للإنسان في أحوال كثيرة، في خضم هذه الحياة.. فكم من الآلام والأحداث الموجعة والمفجعة تمر بالإنسان ويعيش ساعاتها جزعاً وألماً وتسخُّطاً.. وقد يعيشها صبراً واحتساباً.. ثم مع الزمن ينسى ويعيش بعدها حياة الأمل ولحظات السعادة.. ويتفاعل مع الحياة يعمل ويبدع متواصلاً مع مجتمعه، ومتفاعلاً مع تطلعاته في هذه الحياة، وكأنه لم تمر به ساعة حزن ولا مسَّةُ ضر.. ولكن هل كل نسيان
...>>>...
حين سألني صديقي عن رأيي في مصطفى محمود، أجبته ببداهة وعفوية مستفسراً: العالم سالسيكولوجي؟؟
ربما كان جوابي مجحفاً بحق الرجل.. بالتأكيد كان جوابي مجحفاً.. أدركتُ ذلك حين ذكر لي صديقي عن إنجازاته وعطاءاته المكثفة والمتنوعة بين الفكر والعلم والأدب والفلسفة، ناهيك عن الطب - تخصصه الأساس، ولكني حين اختصرتُ إنجازاته - أو ابتسرتها - في صفة واحدة، كنتُ أختطفُ من الذاكرة عنواناً لبحث قيّم كنا
...>>>...
بلا جدال، يعتبر الأستاذ الدكتور مصطفى محمود قيمة كبرى في الفكر العلمي والأدبي والإسلامي، بدأ مفكراً مادياً عميقاً وأثار أسئلة كبرى في عدد من كتبه المهمة (مثل لغز الموت، لغز الحياة، وغيرهما) شإلى جانب مقالات غنية وكثيفة في الصحف والمجلات الأسبوعية، كصباح الخير وغيرها، واكتسب شهرة على نطاق واسع في مجالات العلم والأدب والفن والإبداع كرجل في موقعه الرفيع يقدم لمختلف طبقات الناس أسئلة تستحثهم
...>>>...
العالم والأديب الدكتور مصطفى محمود من أشهر التائهين الباحثين عن الأمان لروحه التائهة في هذا الكون المتلاطم بين المادية المتسلطة والروحانية الباحثة عن ملاذ آمن للنفس البشرية..
بداياته كانت قصصية روائية علمية اجتماعية سياسية دينية، فكان مثقفاً شمولياً بكل معنى الكلمة جرب وناقش وحاور وأفرز تجربة خاصة مع مؤلفاته التسعين، منها - لغز الموت، لغز الحياة، رأيت الله، السر الأعظم، الروح والجسد، رحلتي من
...>>>...
كنت مثل غيري، أشاهد مصطفى محمود.. الرجل الصادق، المعبأ بالمعرفة والعلم والتجربة.. حين كنت أراه للوهلة الأولى، يمر في مخيلتي شريط سريع، يبعث التساؤل والدهشة والإعجاب.. كيف كان، وكيف أصبح، وكيف صنع (أناه) المتوافق بكل تلك الدرجة، مع الخالق والمخلوق.. أدركت في ذلك الوقت، أن الإنسان يتغذى جسده من الفكر.. من المعرفة.. وأجزم يا صاحبي أن الإنسان الحقيقي الكوني، لا يجوع، وإن بدت على ملامحه حاجة الجسد إلى
...>>>...
في عام 2003 أصيب الدكتور مصطفى محمود جراح الدماغ والأعصاب بجلطة في دماغه وليس في مكان آخر. كان الرجل قد أنهى ما يقرب من أربع وثمانين معركة فكرية وإيمانية للتو، وطريقاً طويلاً من الجدل الذاتي العنيف حول فكرة الله التي كانت تتأرجح على كفتي ميزان شديد التذبذب بين الشك والإيمان. وإن كانت رحلة الشك الطويلة والإلحاد مرت فوق سجادة الصلاة كما يقول الشاعر كامل الشناوي إلا أنها كلفت الرجل الكثير.
...>>>...
الدكتور مصطفى محمود الذي أتحفنا وأبدعنا ببرنامجه القيم المتميز (العلم والإيمان) يعد علماً بارزاً في مصر والوطن العربي كداعية إسلامي ومؤلف ومفكر وأديب وكاتب، وقد شغل بقعة ضوء كبيرة طوال عشرات السنين بمقالاته وإنتاجه الأدبي والفلسفي والعلمي ومن خلال كتبه الكثيرة في شتى المجالات الروحية والدنيوية، التي تراوحت بين القصة والرواية والمسرحية والمؤلفات العلمية والفلسفية والاجتماعية، والسياسية،
...>>>...
إذا دعيت قصداً للكتابة عن شخصية شامخة ومثيرة للجدل ووعرة وعميقة في الوقت ذاته فماذا سيتداعى في روعك؟ لا أقول من أفكار بل من أحاسيس ومشاعر. تصور ذلك، اختر أي شخصية عظيمة وحاول تمرير قلمك على أوراقك الساكنة بانتظار متبتل للكتابة عنها، فإن لم تلجأ لمرجعيات ومصادر معروفة وإلا ستقع في الفخ، ربما للوهلة الأولى ستتجمد ويتخشب قلمك وقد تغدق عليك الأوراق من بياضها ما يصيبك بالعمى المؤقت، فما بالنا ونحن
...>>>...
ولد الدكتور مصطفى محمود (مصطفى كمال محمود حسين) في أواخر سنة 1921م بمدينة شبين الكوم- محافظة المنوفية بدلتا مصر والتحق بالكُتَّاب ثم التعليم النظامي حتى حصل على بكالوريوس الطب من جامعة القاهرة في أواخر الأربعينيات من القرن العشرين، وبعد تخرجه مارس مهنة الطب، وواظب على الكتابة في الصحف والمجلات المصرية، كما قام بنشر سلسلة من القصص التي عرف بعضها طريقه إلى كل من السينما والمسرح. ألف (89)
...>>>...
الشجرة العتيقة ظلت واقفة بشموخها تتحدى الجفاف المزمن الذي يحيط بذلك الوادي الميت الحي، تمد جذورها إلى عمقه، تستجدي الندى من عمقه اليبس لتزيد ظلها الباهت الذي كان يوماً وارفاً يؤمه المتأملون الذين أعيتهم طرق البوح واعتراهم فقدان الذاكرة. أحن إلى تلك الشجرة، أحج إليها حينما يعييني المقال، أسند ظهري إلى جذعها الحنون. آه منه ذلك الجذع إنه حضن أمّ استطيع أن أبوح له بكل شيء، يستمع إليّ فلا
...>>>...
منذ نعومة أظفارنا ونحن نقرأ للعديد من الكتاب والمبدعين ولا أنكر أن الكثيرين منهم يجعلونك تتأمل وتفكر ولكنك وأنت تقرأ للكاتب والأديب المبدع د. مصطفى محمود تشعر أنه يأخذ بعقلك ويسبح به يطوف العالم من حولك ليضع آيات الكون بين يديك فتعمل عقلك وتتذوق بقلبك وتشعر بجوارحك.
تأثر مصطفى محمود بالدراسة العلمية الأكاديمية فنجده دائما في كل أعماله يتدرج من المقدمات إلى النتائج سواء في أعماله الأدبية أو كتبه
...>>>...
(مصطفى محمود / حوار مع صديقي المُلحد) هكذا وبدون مقدمات وبدون سابق معرفة لدى إحدى زياراتي المُنتظمة إلى المكتبة العموميّة للتزوّد بالإصدارات الجديدة والقديمة منها، وجدّتُني أمام عنوان لكتابٍ استوقفني برهبة آسرة، تقدّمت منه بحذر شديد، وبغفلة عن انتباه من حولي سارعت إلى البائع دفعت ثمن الكتيّب على عجل، ومضيتُ كمن يحمل بيده صكّ الإدانة، كانت سنتي الجامعية الأولى، وعلى الرغم من أني اخترت قسم
...>>>...
كثير أولئك الذين كان يبهرهم الدكتور مصطفى محمود بما يطرح من أفكار علمية من خلال برنامجه الأشهر في التوعية العلمية والإيمانية أو مؤلفاته العديدة التي كانت في فترة من الفترات أكثر رواجاً وأشد إعجاباً لما كان يتبع من أسلوب يستحوذ على قلوب المشاهدين إن كان من خلال التليفزيون أو كتبه العلمية أو الأدبية، ومع أنني ما كنت من المتابعين لمسيرة حياته بصورة دقيقة، والتطورات التي شهدتها، ولكنني كنت من
...>>>...
على الرغم من اعتقاد الكثيرين بأن الدكتور مصطفى محمود كان قد أنكر وجود الله عز وجل (في بدايات مسيرته الفكرية قبل نحو سبعين عاماً) فإن المشكلة الفلسفية الحقيقية التي كان يبحث عنها (في تلك المرحلة من مسيرته) هي مشكلة الدين والحضارة، أو العلم والإيمان.. وما بينهما من صراع متبادل أو تجاذب، وهكذا كانت رحلته من الشك إلى اليقين (التي تبعت تلك المرحلة) تمهيداً لفض الاشتباك بين العلم والإيمان، وذلك عن طريق
...>>>...
الزلزال.. لم يكن أمراً سهلاً أن أستوعب في تلك المرحلة المبكرة من حياتي - حيث كنت في الثالثة عشرة من عمري - تلك المسرحية الخطيرة (الزلزال) للدكتور مصطفي محمود ومع ذلك صمدت وقرأتها لتتفتح أمامي أشياء كثيرة زرعت بداخلي بذور الأدب والثقافة والإبداع.. وامتدت يدي بعد ذلك إلى عشرات الأعمال للدكتور مصطفي محمود مثل الخروج من التابوت، لغز الحياة، العنكبوت، الوجود والعدم...
لم يكن هناك شخص يثير دهشتي ويحظى بإعجابي الشديد ويجبرني على متابعته مثل مصطفى محمود في فترة الصبا عندما كنت في الخامسة عشرة من عمري وذلك من خلال برنامجه الذي يتابعه الكثير من محبيه في العالم العربي (العلم والإيمان).
ثم تحول ذلك الإعجاب إلى قراءة والتهام جميع ما يقع تحت يدي من كتبه سواء الفكرية أو الأدبية والتي كنت أبحث عنها في مكتبات الرياض وعلى أرصفة البطحاء التي يباع فيها الكتاب
...>>>...
لا تبدو الأمور منطقية جدا حينما يبقى طفل لم يتجاوز العاشرة مشدودا لبرنامج علمي ويحرص على متابعته باهتمام وبصمت مهيب حتى ينتهي، وبالنظر إلى هذا التصرف من حيث كونه اختيارا ذاتيا غير مفروض عليه، فالأمر هنا يستدعي أكثر من تفسير، فقد يكون ذلك البرنامج هو جزء من المعطيات التي يكتسبها الطفل بإرادته بناء على ما وجد فيه من مؤثر جاذب استطاع أن يتجاوب مع شكله ويندمج في مضمونه.
لو أنكَ جالسٌ في كابينة قطار. ترقبُ العالم المتسارعَ من النافذة، وتفكر أن سيدةً جميلةً كانت تجلس مثلك في عربة قطار، قبل ثمانين عاما، متجهةً من لندن إلى الجزء الجنوب - شرقي من الريف الإنجليزيّ، فألهمها وجههٌ حزينٌ لامرأة كانت تجلسُ قبالتها، لتكتب روايةً من أبدع القصص اسمها (روايةٌ لم تُكتب بعد)، حيث سرُّ جمالها في عدم اكتمالها. فبقيت روايةً ناقصةً دون ذروة درامية ودون نهاية محكمة. مثلها
...>>>...
هو كاتب وطبيب.. هومثقف متعدد المواهب، هو أديب وفنان ومتكلّم.. هو قاص وروائي صاحب رؤية فلسفية مبسطة جداً للحياة والإنسان.. هوصاحب رؤية وموقف.. إنه من أبناء القرن العشرين ونشطائه الذين أضافوا الشيء الكثير للثقافة العربية المعاصرة، وسواء قبلنا فكرة أو وقفنا ضد تقلباته.. سواء اتفقنا مع طروحاته أم اختلفنا مع أفكاره، فإن مصطفى محمود كان وسيبقى علامة فارقة ومميزة في حياتنا العربية
...>>>...
حينما أرسل لي الأستاذ فيصل أكرم رسالة جوالية عن نيته في عمل ملف عن الدكتور مصطفى محمود.. ذلك الرجل الذي تقلب في مناحي الحياة من الشك إلى الإيمان.. إلى البر والإحسان.. عادت بي الذاكرة إلى أعوام مضت.. تقارب الأربعين عاماً حيث كنت في ذلك الحين في بداية حياتي الكتابية وكنت قد قرأت له آنذاك كتابه الجميل أكل عيش، ثم تتابعت قراءاتي لكتب مصطفى محمود:
الله، الله والإنسان، عنبر 7، شلة الأنس، رائحة
...>>>...
تتجلّى القيمة الحقيقية لأي مفكر فيما يتركه للبشرية من أفكار تساعدهم على تصحيح مفاهيمهم تجاه الأشياء، وعندما سمعت بخبر مرض الدكتور مصطفى محمود من الأخ الشاعر الأستاذ فيصل أكرم، استدعت ذاكرتي على الفور قيمة البُعد العلمي للدين، والبُعد الديني في الحياة الذي يعلو على كل الأبعاد الحياتية ولا ينفصل عنها في الوقت نفسه، بدأت أُدرك قيمة السؤال الذي يستدعي المعرفة، ويقاوم الأسئلة التقليدية، وأن
...>>>...
حين اتصل بي الأستاذ فيصل أكرم للمشاركة بكلمة في هذا الملف الخاص بالدكتور مصطفى محمود، شفاه الله وأطال عمره وأسعده وهنّاه، لم أستطع أن أمنع نفسي من الحزن بسبب طبيعتنا غير المتحضرة القائمة على إهمال العلماء والمفكرين وكل من ينفعنا من كبار الرجال، وإن كنت لا أبالي أن يحدث هذا لي عندما يحين دوري، ولسوف يحدث بكل يقين، مع فرق هام هو أنني لم أكن في يوم من الأيام مشهوراً شهرة الدكتور مصطفى محمود. إلا
...>>>...
تعود علاقتي بالكاتب والمفكر العربي المصري المعروف الدكتور مصطفى محمود إلى المرحلة المتوسطة من الدراسة في سبعينيات القرن الماضي على يد أستاذ اللغة العربية الذي كان مولعاً بطروحاته وشغوفاً بقراءته، فعن طريق هذا الأستاذ عرفت الدكتور مصطفى محمود كاسم وككاتب مفكر، ذلك أن محفظة الأستاذ كانت لا تخلو من كتاب أو كتابين لمصطفى محمود مع مؤلفات أخرى لكاتب مغربي اسمه مصطفى النهيري صاحب كتاب (أزمة الفكر
...>>>...
هكذا عرفته منذ نعومة أظفاري.. لقاء العلم بالقرآن - بالصوت والصورة.. لم أزل أذكر نظراته المفكرة.. السارحة الشاردة.. وكأنه يعيش هو أولاً في محراب العلم... ثم يرى بطريقته في رويةٍ وإدهاش: كيف يرتبط القرآن بحقائق الحق.. والشاهد على ذلك الطب والطبيعة.. كلها تندمج.. في سطور.. وذهول.. وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد الأحد..
ذلك كان أصل بادرة منهجه في التلفاز.. وليس في التلفاز فحسب.. بل في
...>>>...
(قيمة الإنسان هي ما يضيفه إلى الحياة بين ميلاده وموته)
تلك الكلمة تمثل مبدأه ومشواره الإنساني، والمقصود بالأمانة هنا، ليس المجد الأدبي والعلمي والمادي بل العطاء الإنساني لوجه الله تعالى وكل ما يفيد البشر.. أي العطاء والخير والمساندة للغير فهو إنسان شديد التسامح حتى لمن أساء إليه قولاً وفعلاً..
بسيط جداً، يحمل قلب طفل يحلم بالعدالة الاجتماعية وإعلاء كلمة الأمة الإسلامية..