منذ نعومة أظفارنا ونحن نقرأ للعديد من الكتاب والمبدعين ولا أنكر أن الكثيرين منهم يجعلونك تتأمل وتفكر ولكنك وأنت تقرأ للكاتب والأديب المبدع د. مصطفى محمود تشعر أنه يأخذ بعقلك ويسبح به يطوف العالم من حولك ليضع آيات الكون بين يديك فتعمل عقلك وتتذوق بقلبك وتشعر بجوارحك.
تأثر مصطفى محمود بالدراسة العلمية الأكاديمية فنجده دائما في كل أعماله يتدرج من المقدمات إلى النتائج سواء في أعماله الأدبية أو كتبه ومقالاته أو حتى في برامجه التي قدمها ومن أشهرها برنامج العلم والإيمان الذي أسعد الملايين من المشاهدين وارتقى بعقولهم واحترم آدميتهم فهذا هو الفرق بين أيامنا وأيام الجيل الجديد من أولادنا.
حيث تجتمع الأسرة بأكملها حول التلفاز لمشاهدة حلقات العلم والإيمان وكأننا نشاهد فيلما عاطفيا رومانسيا وبرغم كل الموضوعات الدقيقة المتخصصة التي كان يتناولها في برنامجه إلا أن أسلوبه الشيق البسيط يجعل الرجل العادي وست البيت يفهمان ما يقول وكأنه فيلم آكشن مثير ثم تتناقش الأسرة حول البرنامج وما دار فيه هذا هو الرقي الذي يصبو إليه العالم الفذ، بعيدا عن حرب الغرائز والفيديو كليب والعري التي نشاهدها اليوم في كل البرامج والأفلام على كل الشاشات.
فأسلوب د مصطفى محمود عذب شيق بسيط يبسط أكثر الحقائق العلمية وأعقدها في كلمات سلسة بسيطة بعيدا عن الاستعراض والتباهي بكلمات رنانة أو مصطلحات إنجليزية يرطن بها ليس إلا للتفاخر كما يفعل البعض من المرضى.
ودائما يخلص في نهاية الحلقات إلى حكمة دينية للخالق في كل ظاهرة من الظواهر التي تناولها.
لقد تدرج مصطفى محمود بعقله وفكره وسما بهما حتى شطحاته كانت مدعاة للتأمل والفكر الخالص فهي علامة صحية على مسار هذا الفكر في طريقه الصحيح فهذا هو التأمل الذي دعانا إلى الدين الحنيف فهو لم يؤمن تابعا وإنما مفكرا ومحاورا متشككا إلى اليقين لقد كان الفيلسوف بداخله يدفعه إلى الشك الذي يفضي في النهاية إلى اليقين.
وكم كنت أشعر بالسعادة عندما تنتقل كاميرا البرنامج من الفيلم المعروض ويركز المخرج على وجهه وعينيه وهو شارد بذهنه متأملا للعالم الذي يفسره لمشاهديه وكم كان الجميع يشعر بالحزن عندما ينطق بكلماته في نهاية كل حلقة بطريقته المعهودة وسط تأمله - وإلى لقاء آخر إن شاء الله - لقد استطاع د. مصطفى محمود في حلقاته أن يركز على المسافة بينه وبين مشاهديه وساعده المخرج في ذلك فهو لم يدخل زووم عليه أو يتلاعب بالكاميرا من قريب أو بعيد ولكنه حفظه قريبا منا فمن يدخل إلى العقل والقلب من الصعوبة أن يزحزحه أحد عن مكانته وهو في قلوبنا بما قدمه من أدب وعلم وتأمل ومحاولات للوصول إلى اليقين فهو مفكر نادر حياته مليئة بالأطوار الغريبة ولكنه تدرج من الماركسية إلى الإلحاد والتشكك ثم اليقين الذي لا يتزعزع علاوة على حجته ومنطقه في إقناع الآخرين وفك الطلاسم من خلال مثلثه كمفكر وفيلسوف وفنان فهو دائما بين العلم والأدب والدين متعه الله بالصحة والعافية على قدر اجتهاده وقدر ما منح العلم والأدب والدين من وقته وصحته وليأجره الله على اجتهاده فيما أصاب وليسامحه فيما أخطأ فلم يكن يوما سلبيا أو تابعا ففكره حر نابع من رأسه.
* مؤلفة دراما وأستاذة جامعية - مصر