قلت في السابق في حال كانت الكتابة عن حدث تاريخي، مثل الكوارث الطبيعية، فإن التركيز يكون على الحدث، أكثر من الشخصيات الدرامية والروائية.
هل يخلق الكاتب أو الكاتبة، عائلة، مكونة من أفراد، أصيب أحد أبنائها بالوباء، ثم ينتشر بينهم، وانتشر في المجتمع كامل المدينة، ويكون التركيز عليهم، في معظم المشاهد!
أو أن الكاتب يختار تقنية الفلاش باك، بأن يكون الراوي هو الجد، يروي لأبنائه وأحفاده مشاهد الأحداث، بما فيها مشاهد الموتى، التي تحمل فوق النعوش المحمولة إلى المقابر.
بطبيعة الحال «التقنية» والاستراتيجية في أسلوب الكتابة يقررها الكاتب نفسه، على حسب اختياراته الشخصية التي تفيده.
بعض القصص والحكايات الشعبية المتداولة بين مجتمعنا، والمجتمعات الأخرى أيضا، مع التقادم، يعتريها النقص والزيادة، في مضمونها، أثناء روايتها، وتتلون من جيل إلى آخر، وهذا شيء طبيعي.
هناك بعض الحكايات، ملهمة ومثيرة لكنها تتكون من بضعة أسطر فقط، مما يحد من إمكانية الكاتب في بنائها درامياً أو روائياً؛ مثل هذه الحكايات، تتطلب مجهوداً مضاعفاً من الكتّاب، فعلى الكاتب في هذه الحال، أن يستند على ثقافته وخبرته ومخيلته، وأيضاً أن يبحث في الحكايات والقصص الشعبية والأخبار التي مرت عليه في حياته، أو مما سمعه من الآباء والأجداد أو من الأهل أو من بيئته، عن حكاية مشابهة ورديفة، تكمل نصه، فيقوم بالدمج ما بين حكايتين أو أكثر، في نص واحد، شريطة أن تكون متناغمة ومقنعة، وتكون من ضمن بناء الحبكة، ومن ثم يبدأ في بناء الخطوط الدرامية للشخصيات المفترضة.
أما إذا كانت كتابة السيناريو أو الرواية عن «توثيق» حدث ما أو عن حياة شخص ما، فعلى الكتّاب توخي الدقة والأمانة في توظيف المعلومات ونقل الأخبار.
على الرغم من أن كتابة السيناريو مؤطرة ومحددة، إلا أن تقنياتها أكثر من تقنيات الرواية، على أن تقنية كتابة الرواية أرحب، وأوسع في السرد والمشاهد، وحرية التنقل في كل الأمكنة والأزمنة بسلاسة.
حقيقة تراثنا الشعبي السعودي، وحكاياته الشعبية، وكثير من الأحيان، المصحوبة بالأشعار العامية، كنز ذهبي ثمين، يتعين على الكتّاب إعادة صياغته، في السينما والرواية.
الملاحظ على الغالب من موروثنا الشعبي الشفهي للحكايات والقصص، هو الوعظ والنصح، والحث على الطاعة والالتزام بالتدين والأخلاق.
الأخلاق في الثقافة الشعبية، وفي القصص والحكايات هو: التمسك بالأعراف وتقاليد المجتمع.
مثل هذه الحكاية، ذات الطابع الوعظي، بالإمكان استخلاص الحدث الرئيسي منها، بمعزل عن الوعظ.
يبدو أن مثل هذه الحكايات الشعبية، لها اصل حقيقي، لأنها ذات طابع واقعي إلى حد ما، فارتأى المخيال الشعبي، أن بطل هذه الحكاية ما نجى من هذه الأخطار والمشكلات، إلا لأنه «متمسك» بدينه أو بار بوالديه، فتم تحييزها دينياً فيما بعد.
على أن الوعظ والنصح التي تتخلل الحكايات والقصص الشعبية، ليس بهذا السوء، إذا أتى في سياق درامي بنّاء وإبداعي، ويخدم السيناريو أو الرواية، ويفيد «الإنسان» بوجهٍ عام، ولا يسيسه، لاعتبارات دينية أو مذهبية.
نلاحظ في بعض الأفلام الغربية والأمريكية على نحو خاص، يبدأ الفيلم بآية من الإنجيل، أو أن إحدى الشخصيات تذكر آية في سياق حواري، أو سرد صوتي؛ ذكر الآية في كل الحالات، يكون من قناعة ذاتية من الكاتب أو من قناعة ذاتية من الشخصية الدرامية، وليس الهدف من ذكرها «تحييزها» دينياً أو مذهبياً، فذكر الآية هي بمكانة مقولة، من ضمن المقولات القيمية والقناعة الذاتية لهذه الشخصية أو تلك.
تتسم الحكايات والقصص الشعبية الأمريكية، بالتفاصيل البسيطة إلى حد ما، هذه التفاصيل مفيدة جداً، مثل الاحتفاظ بـ»اسم الشخص ومكان الحدث»، يعني أن أصحاب الحكاية الشعبية لهم أسماء ومكان للأحداث، حتى لو كانت غير حقيقية، ومن نسج الخيال.
بينما في كثير من الحكايات والقصص الشعبية، السعودية والعربية بوجهٍ عام، لا يحتفظ كثير منها بالأسماء وأمكنة الأحداث.
يبدو أن النزعة الثقافية الشعبية عندنا، تركز على «الفعل» و»الهدف» من الحكاية، وتهمل أسماء أصحاب القصص وأمكنتهم.
** **
سليمان البطي - ناقد وكاتب سيناريو