د.منال بنت عبدالعزيز العيسى
استخدم مصطلح «القوى الناعمة» للتعبير عن التأثير القوي للرؤية الثقافية والحضارية والاجتماعيةوالاقتصادية والسياسية في المشهد العام والخاص والمساهمة في تغييره من خلال أدلجة المؤسسات الحكومية والدفع بها نحو تفعيل تلك الأدوات كل في مجاله ، بالتالي فهي قدرات غير مادية لكن حراكها وتأثيرها بالغ الأهمية في الفكر الإنساني المعاصر الذي عاش قرونا من الحروب والصراعات المسلحة دون جدوى ظاهرة يمكن الركون لها والثقة في مخرجاتها الواقعية .
يرى جوزيف ناي مؤلف كتاب « القوة الناعمة « أن أهميتها تكمن في حث الآخرين على الرغبة في النتائج التي تريدها ، وقد برز هذا المصطلح بقوة في العلاقات الدبلوماسية العالمية واستثمر بشكل جيد في بعض الدول ، وجاءت رؤية 2030 لتدعم هذا المفهوم العالمي الأنيق والمتصالح مع الآخرين والمعتد بهويته وذاته ومكتسباته الحضارية والإنسانية والتاريخية والاقتصادية فكان ما نراه اليوم في المملكة العربية السعودية من حضور لافت للنظر في المشهد العالمي ، فكيف يمكن فهم تأثير تلك القوى في المشهد الحضاري السعودي وفق رؤية 2030 ؟
ولدت المملكة العربية السعودية برؤية خلاقة وعبقرية دشنها سمو سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان معتمدة على إرثها الحضاري الضارب في التاريخ قدما وأهمية ؛ باعتبار موقعها الجغرافي وثروتها النفطية والتكوين العلمي البارز للشعب السعودي إضافة لإرث ثقافي نادر ومتعدد الهوية والمنبع ؛ لذا تم استثمار تلك القوى المتنوعة في تفعيل الرؤية الملكية وإعادة بعثها بما يتوافق والهوية السعودية الخاصة وبرزت في المجالات الآتية :
- الثقافة والفنون
- العلاقات الدبلوماسية
- الفعاليات الرياضية
- السياحة والآثار
- جذب الاستثمارات الاقتصادية العالمية
- استقطاب المعارض العالمية
- تفعيل نظام الإقامة المميزة
- منح الجنسية السعودية لأبرز العلماء في العالم
- التواجد الحضاري والإنساني والثقافي في المحافل الدولية
فأصبحت المملكة العربية السعودية نقطة التقاء العالم في عاصمتها الرياض بكل مكوناته واستثماراته الفكرية والاقتصادية وجذبت أنظار كل الدول وتسابقت الشركات العالمية الكبرى لفتح فروع لها في الرياض ؛ باعتبارها نقطة ارتكاز اقتصادي جديد .
وسابقت الزمن بمنجزاتها الثقافية الحافلة من خلال وزارة الثقافة بهيئاتها المتنوعة والثرية ووزارة الرياضة وهيئة الترفيه ؛ فتحولت الرياض وجدة لمدن كرنفالات لا تهدأ ولا تتوقف على مدار العام ضمن سلسلة من الفعاليات اللافتة للنظر والحاضرة بقوة عقول شابة وأجيال ثرية فكرا وعلما وثقافة ، واستقطبت أفضل صناع كرة القدم للانضمام للأندية الرياضية السعودية مستثمرة ثروتها المادية في تنشيط المشهد الرياضي السعودي ؛ ليكون الدوري السعودي هو الأقوى والأكثر متابعة في دول العالم ، ثم استثمرت الفنون واستقطبت أهم روادها في العالم ليكون الإبداع منطلقا من أرض سعودية وبمشاركة عالمية ، وأعادت اكتشاف مدنا عدة أهملها التاريخ بموروثها الحضاري الثري فكانت العلا ونيوم ومدائن صالح بوابة جديدة للتاريخ الإنساني السعودي ؛ لينفتح على السياحة العالمية وفق أعلى المعايير وأكثرها جودة وحداثة .
ثم فتحت أبواب التملك العقاري للأجانب في المدن السعودية ؛ فاستقطبت الكثير من السكان الجدد الحالمين بمدن جديدة عصرية توفر للجميع كل سبل الراحة والأمان فتحولت الرياض لخلية من النحل البشري الطموح ببيئة استثمارية فريدة من نوعها سواء أكان ذلك للفنانين أم الاقتصاديين أم الرياضيين وكانت ملاذهم وراحتهم ، هنا نتأكد واقعيا من نجاح تفعيل تلك القوى الناعمة وفق رؤية 2030 ونتلمس آثارها يوميا من نجاح لآخر بهدوء الأفعال لا صراخ وعويل الأقوال ..
** **
- أستاذ الفلسفة والنقد بجامعة الملك سعود