أ.د.صالح معيض الغامدي
أسئلة السيرة الذاتية:
سنركز هنا على مناقشة مجموعة من المسائل الوثيقة الصلة بجنس السيرة الذاتية وهي: العنوان بوصفه عتبة مهمة في تلقي النص السيرذاتي، ووجهة النظر السردية، والأبعاد الزمكانية لسيرة الوقت، وأبرز الثيمات التي تناولتها هذه السيرة.
العنوان: سيرة الوقت: حياة فرد -قصة جيل
يتكون العنوان من جزأين الأول هو العنوان الرئيس « سيرة الوقت» والثاني هو العنوان الشارح الفرعي « حياة فرد- حكاية جيل». ويمكن مقاربة الجزء الأول من عنوان سيرة معجب الزهراني الذاتية « سيرة الوقت : حكاية فرد-حكاية جيل» وفهمه من عدة جوانب :
1 - من خلال ربطه بصحيفة الوقت البحرينية التي نشر فيها الزهراني مقالا بعنوان» سيرة النص « عندما اقترح عليه الصحفي البحريني علي الديري كتابة « مقالة سيرية مختزلة لتنشر في جريدة الوقت، وضمن زاوية ثقافية أسبوعية جديدة بعنوان « سوق الجنة»، وقد نشر المقال بعنوان «سيرة الوقت» في 3 مايو 2009م، وعاد إليه الزهراني وحوله إلى «حكاية أكثر اتساعا وغنى وشفافية» لتحقيق «هدف مزدوج: كتابة نص حميم يعيد لي بعض صور الحياة المفتقدة، وقد يسهم في تعميق الوعي بتحولات جذرية شاملة عايشها جيلي « .
2 - حتمية انسراب الحياة ومروها مثل انسياب الوقت ومروره، ولعل صورة الساعة الرميلة التي جاءت في صفحة العنوان تعبر عن هذا المعنى تعبيرا رمزيا.
3 - سيرة الوقت تعني في السيرة الذاتية أن كتابة السيرة الذاتية تأتي مشروطة أو محكومة لا محالة بالمفهوم الثقافي للذات الذي هو دائم التحول والتبدل خلال العصور التاريخية المتعددة، وقد كان وقع الوقت (الزمن الماضي) شديد الوطأة على الكاتب فاتخذه أسلوبا لسرد قصة حياته بطريقة كرونولوجية تاريخية وسيطر هذا الزمن على مجريات سرد حياتها كلها، فالكاتب يرى أن « لكل إنسان سيرة وقته « . كما أنه يقر بأهمية التحقيب الزمني ليس فقط لأحداث حياته بل للنصوص والقضايا، يقول في سيرته: « ولذا اخترت منطق التحقيب للنصوص والقضايا ... واثقا كل الثقة أن الزمن هو الأب الشرعي الوحيد لكل الحقائق الدنيوية، كما كتب هيجل» .
حياة فرد حكاية جيل:
يوحي هذا العنوان الفرعي بأن الكاتب سيركز في سيرته على سرد البعدين الداخلي والخارجي لذاته بطريقة متوازنة، أو يروي سيرتين في سيرة واحدة: سيرة الذات وسيرة الجيل، ولكنه كان يدرك أن سيرة الجيل عصية على السرد من منظور ذاتي صرف، ولذلك استعمل في عنوانه الفرعي كلمة «حكاية» لسببين على الأقل: أولهما لأنها مسرودة من منظوره الخاص هو، وثانيهما لأنها تحمل عقدا قرائيا تخييليا لا يمكن أن يجاري في موثوقيته العقد القرائي السيرذاتي المتمثل في عبارة « حياة فرد». وهذا تفريق ذكي من الكاتب وإجابة استباقية على كل من يختلف معه في سرد حكاية الجيل، مثل محمد الخازم كما رأينا.
وجهات النظر:
لاحظنا أن الكاتب يروي سيرته من منظورات مختلفة، ويوظف الضمائر التالية:
1 - ضمير المتكلم المفرد (أنا)، وهو الضمير المسيطر سيطرة كبيرة في هذه السيرة الذاتية.
2 - ضمير المتكلم الجمع (نحن)، وهو قليل نسبيا في السيرة، ويكثر توظيفه في المواطن التي يسرد فيها الكاتب سيرة الجيل أو المشتركات الجمعية وبخاصة في سرده للقرية:
« وكنا نزهو باستقبال قطعان الغنم والماعز وهي تروح من المراعي البعيدة قبيل المغرب لأنها تملأ الساحة عجيجا وضجيجا ...» ، ويقول أيضا: « « فلقص الأظافر كنا نتبادل أمواس الحلاقة التي يستعملها المدرسون وبعض شباب القرية ثم يرمونها في الخلاء، ويحلق رؤوسنا المبلولة بماء بارد أحد كبار السن بموس تقليدي دون تعقيم، والمؤكد أننا تبادلنا معظم الأمراض المعدية بكرم وعدالة ...» .
أو يسرد بعض القضايا القومية:
« لم يكن أحد منا ليتفهم حينها وضعية أولئك الفلسطينيين الغرباء الذي عاشوا نكبة 48 وما تلاها من شتات لا يزال ممعنا في تداعياته» .
3 - ضمير المخاطب (أنت). وهو نادر ويتمثل في مخاطبة القارئ أيا كان، كما في المثال التالي: « يا صديقي، كلنا أبرياء نحسب أن الطريق مستوية والهدف واضح ...» .
وينبغي أن نشير هنا إلى أن ضمير المتكلم المفرد المتسيد في هذه السيرة لا يعكس شخصية السارد المفرد فقط بل يعكس عدة أنوات، كما حددتها سميث :
1 - « الأنا « الكاتبة التاريخية، التي تمثل معجب الزهراني
2 - «الأنا» الساردة للأحداث التي تختار الأحداث وتعقب عليها، وهذه مجرد شخصية.
3 - «الأنا المسرودة» بطل السيرة، وهي « أنا» متعددة بالضرورة في نص السيرة الذاتية، فأنا الطفل غير أنا المراهق , وأنا الشاب غير أنا الراشد وأنا الطالب غير أنا الأستاذ وهكذا دواليك.
4 - الأنا الأيديولوجية كما تحددها الثقافة
5 - الأنا القارئة التي تملأ الفراغات وتتعقب المسكوت عنه والمحذوف.
وتُوظف كل الشخصيات الأخرى المشار إليها في «سيرة الوقت» لخدمة الأنا المسرودة بطرق مختلفة لا مجال إلى التوسع فيها هنا، وعموما فهي إما أن تكون شخصيات مساندة للسارد أو معارضة أو حيادية أحيانا.