في هذه العجالة يطيب لي الحديث عن واحدةٍ من مآثر الفقيد الغالي أخي الدكتور عالي -رحمه الله- عاشت معه منذ نعومة أظفاره وإلى أن توفاه الله.
تلكم هي خصلة الكرم.
في سني طفولته الأولى، خاطبه والده -رحمه الله- بأبياتِ شعرٍ (شعبيَّة) أقرب ما تكون للون الرجز، نصحه فيها بإكرام الضيف. ومنها قوله:
«الله يخلي لنا عالي
وابنصحك لكل المعالي.
إذا لَفُوا عندكَ الخُطَّار
جَوِّد مناصيبَ الدِّلالي
وكَثِّرَ الرُّحبَ غالي
ثم دَسِّم لِحَاهُم بالسِّمَانِ
الله يسهل مطالبيك
ويرزقكَ ربي كَمَا رزق أبو زيد الهلالي
منذ عرفتُ أخي عالي وإلى قبيل وفاته بأيام، وهو ملتزمٌ أيَّما التزام بهذه النصائح، وأحسب أنّه لم يلتزم بوصيةٍ أو نصيحةٍ من أحدٍّ أكثر من التزامه بنصائح والده -رحمه الله- في هذا الجانب.
لا أزكي أنفسنا .... أحسب أنّنا ورثنا من والديَّ -رحمهما الله- بعضًا من كرمهما، ولكن (عالي) وحده، كان أكثرنا حظًّا من تلكم التركة المباركة.
بعد أن فقد أخي القدرة على الكلام بسبب الجلطة كان عندما يأتيه زُوَّار، ويُهمُّون بالمغادرة يُشير بيده الوحيدة التي يستطيع تحريكها إلى أبنائه، ألا يسمحوا لهم بالمغادرة قبل أن يتناولوا العشاء. يفعل ذلك وعلامات التوتر باديةٌ عليه قلقًا من ألا يصرّ أبناؤه على الزوار بالبقاء بما يكفي.
وكأنِّي بوصايا (سرحان) فعلت فعلها في نفس (عالي) وولجت أعماقه منذ الصغر، وبقيت في وجدانه وذهنه إلى أن توفاه الله.
كان -رحمه الله- كريمًا بالابتسامات والكلمات والجاه والمال والطعام والتحفيز والدعم والمساعدة لمن يعرف ومن لا يعرف.
أذكر قبيل زواج ابنيه عبد اللطيف وفايز وصيته لنا نحن معشر أخوته وأبنائه بقوله:
(اشبعوا ضيوفكم ترحابًا وابتسامًا قبل وأثناء وبعد القهوة والطعام).
كنت برفقته في إحدى حججه، ذات يوم كنا نسير ظُهرًا على الأقدام داخل نفق المعيصم بمنى متجهين لرمي الجمرات. كان بالجوار حاجٌّ هنديٌّ طاعنٌ بالسن يحمل في يده حقيبةً يبدو أنَّها ثقيلة. فوجئت بـ (عالي) يبتسم له، ويتناولها منه ليحملها عنه بعض الوقت. شكره الحاج الهندي بلغةٍ لم نفهمها حرفًا ولكننا عرفناها معنى.
رحم الله الغالي عالي
** **
- خلف سرحان القرشي