فهد بن جليد
هم 58 طالباً، درسوا جميعاً في مدرسة واحدة ببريدة، منهم من أصبح قاضياً، ومنهم من أصبح ضابطاً، ومنهم من تقلد منصباً، ومن بينهم طبيبان، أحدهما (سوداني الجنسية) يعمل في أحد المستشفيات بالولايات المتحدة الأمريكية الآن، بعد أن درس تعليمه الأولي بالقصيم، اجتمعوا يوم الأحد الماضي في مدرستهم، ليكرموا معلم اللغة العربية، الذي شارف على إنهاء خدمة (ثلاثين عاماً) من حياته في تخريج أجيال تلو أجيال! القصة ليست هنا، فالتكريم مبدأ جميل، وصوره مُتعددة في مجتمعنا، ولكن ما ميّز هؤلاء الطلاب الذي اجتمعوا بعد 24 عاماً من تخرجهم، هو تذكرهم لدور أسرة (الأستاذ محمد الشويعي)، التي شاركت معلم اللغة العربية همَّ متابعة الطلاب، واستقبالهم في منزل (المعلم) ليُقدم لهم دروساً مجانية في اللغة العربية، ويساعدهم أيضاً حتى بعد أن واصلوا دراستهم الجامعية!
يقول الطلاب السابقون إن (أم صالح) صبرت علينا كثيراً، وتحملت قدومنا إلى منزل زوجها بشكل كبير، وكانت تخدمنا مثل أبنائها، ما زلنا نذكر ترحيبها بنا، وما تقدمه لنا من مشروبات وعصائر وشاي، إيماناً بدور زوجها التربوي، ومن حقها أن نذكرها في يوم تكريم (مُعلمنا)، فوراء كل رجل عظيم امرأة!
لم تكن السيارة، وأطقم الذهب، والمبالغ المالية، التي كرم بها الطلاب معلمهم، هي التكريم الحقيقي، بل إن تذكر فضل هذا الرجل على أشخاص ناجحين وبارزين (اليوم) في مجتمعاتهم التي يعملون بها، واتفاقهم على تذكر مناقب الأستاذ، والعودة إليه لتقديم الشكر والامتنان، له ولأسرته، هو التكريم الأهم، لا سيما مع تراجع دور المعلم اليوم، ونكران دوره التربوي في بعض المجتمعات، مما يجعلنا نحتفي ونشيد بما صنعه هؤلاء الطلاب في حق معلمهم؟!
المعلم يعيش بين عناء الوظيفة، وشرف المهنة، خصوصاً أن برامج تكريمه قليلة، فلا أنظمة للاحتفاء بالمعلمين المتقاعدين، ولا دور فعّال للكثير منهم بعد التقاعد، رغم أنهم يحملون خبرات تراكمية، وقيمة معرفية، تستوجب الاستفادة منها، وهنا يأتي دور وزارة التعليم، التي أتمنى أن تُنشئ (مجلساً) للمعلم المتقاعد، للإفادة من تجاربه وقدراته!
شكراً لهذا المعلم الفاضل ولزوجته، وشكراً لهؤلاء الأوفياء، الذين ذكروا فضل معلمهم، كونه من بث فيهم روح الأمل والطموح، ليصبحوا فاعلين في مجتمعاتهم!
وعلى دروب الخير نلتقي.